بين أروقة المهرجانات الثلاثة الكبيرة سينمائيا على مستوى العالم: برلين الألمانى، وكان الفرنسى، وفينسيا الإيطالى؛ حاول مديروها استعادة حركة الجمهور، واستقبال الضيوف والنقاد، ليعلنوا تحديهم فيروس «كورونا»، وما فرضه من إجراءات احترازية، لتكون دورات 2021 مزيجا من التفاعل عبر الواقع الافتراضى، و متعته بين الحضور، ومع شاشة السينما، و قاعة العرض، محققا انتصاره الجزئى، بالحفاظ على روح التفاعل الحى المباشر، كسمة للمهرجانات السينمائية، خاصة هذه الثلاثة.
الواقع أنه من رحم هذه المهرجانات يولد نجوم جدد على ساحة السينما العالمية، وبهم يحتفظ صناع أفلام بريادتهم الدولية والمحلية، ليكون كل منها مثار الجديد من الموضوعات والرؤى الفكرية المميزة بجانب الفنية الجديدة، لنرى العالم، وما يدور فيه من عيون السينما، التى يتبارى صناعها للمشاركة فى مسابقاتها،متنافسين على اقتناص كبرى الجوائز.
تأتى البداية دائما مع مهرجان برلين السينمائى الدولى «البرلينالة»، المقام فى شهر فبراير من كل عام، لكنه اتبع تقليدا جديدا فى 2021 بعقد دورته الـ 71 عبر الواقع الإفتراضى فى فبراير بين صناع السينما و النقاد والصحفيين، وفى يونيو بالهواء الطلق مع الجمهور و الأفلام والضيوف والفائزين بجزيرة المتاحف التى شهدت فوز الفيلم الرومانى «لونى بورن» إخراج رادو جود بجائزة الدب الذهبى.
فيلم يد الله
ويتناول الفيلم قصة معلمة تسرب لها مقطع جنسى فأصبحت مثار حديث مجتمعها وأولياء الأمور، ليوضح رادو من خلال فيلمه طبيعة المجتمع الرومانى ومنظومة قيمه وعاداته وتقاليده من خلال تعامل المجتمع مع المعلمة والصراع النفسى والفكرى الذى تعيشه مع نفسها.
شاشة «البرلينالة» نقلتنا أيضا من تصوير المرأة فى شرق أوروبا إلى المرأة الإفريقية بالفيلم النيجيرى «هذه رغبتى» للمخرج ارى ايسيرى الذى صور طموح النيجيريين للسفر والهجرة إلى أوروبا من خلال إبراز الحالة النفسية لبريشيوس عند حصولها على جواز السفر، و تمكنها من السفر إلى الخارج، لتكون سعادتها تعبيرا عن مدى معاناتها فى مجتمع يرزح سكانه تحت نير الكثير من المشكلات، خاصة المرأة.
ومع نسمات الربيع و رياح الصيف أطلق مهرجان كان السينمائى الدولى بفرنسا فاعليات دورته الـ 74 وسط حضور للنجوم وصناع السينما والصحفيين والنقاد والجمهور مع التشديد على الإجراءات الاحترازية، لتعود حالة التفاعل المباشر الحى بين الحضور الذين شاهدوا اقتناص المخرجة الفرنسية جوليا دوكورنو للسعفة الذهبية عن فيلمها«تيتانيوم«، الذى ناقش قضايا المراهقة والجنس، من خلال بطلة الفيلم.
ويتأكد حضور المرأة بواقعها وقضاياها مع الفيلم الفنلندى «مقصورة رقم 6» إخراج جوهو كوسمانين، الفائز بجائزة لجنة التحكيم الكبرى مناصفة مع الفيلم الإيرانى«بطل»، إخراج اصغر فرهادى، الذى ناقش واقع المجتمع الإيرانى من خلال مواطن تعرض للسجن، نظرا لعدم قدرته على سداد دين عليه، لتأخذنا كاميرا فرهادى إلى تفاصيل المجتمع الإيرانى بعين تتسم بوسطية التيار الذى ينتمى له.
فيلم مقصورة رقم 6
أخيرا نصل إلى الشاطئ الإيطالى فى شهر أغسطس حيث بدايات الخريف وانطلاق فاعليات مهرجان فينسيا السينمائى الدولى، وإعلانه أن قضايا المرأة والمراهقة أبطال دورة 2021 بفوز المخرجة الفرنسية اودرى ديوان بجائزة الأسد الذهبى عن فيلمها «حدث» المأخوذ عن رواية «أنى ارنو»، وهى البطلة التى ترغب فى الإجهاض، لكنها تعانى من رفض المجتمع الفرنسى ـ فى ستينيات القرن الماضى ـ لهذا الفعل، لتضعنا المخرجة برؤية روائية أمام واقع تسجيلى عاشته عاصمة النور.
ومنها نقلتنا شاشة فينسيا إلى الطفولة والمراهقة فى ثمانينيات القرن الماضى مع المخرج الإيطالى باولو سورينتينو فى فيلمه«يد الله»، و فوزه بجائزة لجنة التحكيم.
هكذا أعلنت كبرى المهرجانات العالمية أن 2021 هو عام عرض ومناقشة وطرح قضايا المرأة فى المقام الأول، والطفولة والمراهقة فى المرتبة الثانية، برؤى مزجت بين التسجيلية والروائية، وأفكار كُتبت من الخيال و الواقع، و أخرى اُقتبست من عالم الرواية و الأدب، لتصير المرأة و الطفل «أيقونة السينما العالمية»
رابط دائم: