عند الاشارة إلى الانحرافات السلوكية وجنوح الشباب أو المراهقين وتعاطى المخدارات والادمان غالبا ما تشير أصابع الاتهام إلى التفكك الأسرى، وطلاق الابوين ولكن إحصائيات صندوق الإدمان الأخيرة كانت بمثابة ناقوس الخطر لكل الأسر المصرية وكانت النتائج غريبة وغير متوقعة فنحو 75% من الشباب والمراهقين المدمنين يعيشون مع آبائهم وأمهاتهم تحت سقف واحد وليسوا من أسر المنفصلين، والحقيقة أن الوجود هنا بالاسم فقط أما الوجود النفسى والتربوى فهو غائب والبيوت مستقرة أو غير مفككة شكلا والاباء والابناء غرباء تحت سقف واحد.
ويؤكد د.عبدالرحمن حماد المدير السابق لوحدة الأدمان بمستشفى العباسية للصحة النفسية أن كثيرا من الدراسات أثبتت تزايد نسبة المدخنين متعاطى المخدرات بين المراهقين والأطفال ليس بسبب انفصال الأبوين كما كان يعتقد بل تشير الأبحاث إلى أن غياب الأب بسبب السفر أو العمل أو الانشغال قد يؤدى لإدمان الأبناء بنسبة ٣٧٪ وكذلك غياب الأم وأن النسبة الاكبر من الاولاد الذين يتعاطون المخدرات توجد مع الاسر التى يعيش فيها الأبناء مع الآباء والأمهات، وليست الأسر التى حدث فيها طلاق بين الوالدين مما يدل على غياب كبير لدور الأسرة وغياب كثير من القيم والمفاهيم والتوافق داخل الأسرة الواحدة .
وأضاف أن هناك دراسة أمريكية حديثة تشير إلى أن ٧٠٪ من حالات التعاطى لن تحدث اذا اقترب الآباء من أبنائهم وذلك لأن التواصل الجيد بين الآباء والأبناء أساس العلاقات الاسرية السوية حيث يساعد على حل المشكلات فى وقت مبكر، تشمل مهارات التواصل اظهار الاهتمام فلا تلق باللوم ولا تتهم ابنك وابدأ بالاهتمام والمتابعة فيشعر المراهق بالراحة عندما يعرف انه سيتم الاستماع إليه، بدلا من توجيه اللوم والتأنيب فضلا عن السب والشتم والضرب والطرد من البيت ويجب على الآباء الحد من الانفعالات لأنها لن تؤدى لحل المشكلة بل ستزيد من تعقيد المشكلة ولابد من عوامل التشجيع وهو أساس بناء الثقة وتشجيع الصغار على القيام بأنشطة جديدة والتعامل مع المهام الصعبة وتطوير صداقات جديدة واستكشاف ملكاتهم الإبداعية وتعزيز الشعور بالذات. كما أن العديد من الاسر تخلت عن دور مهم فى حياة الطفل وهو الرقابة خلال مرحلة الطفولة ولكن كيف يمكنك الرقابة على طفلك عندما لا تكون بالمنزل يقول د.استشارى الطب النفسي: اعرف جدول طفلك، اتصل به فى أوقات مختلفة، اجعله يتصل بك أو من يقوم برعايته عندما يصل للمنزل، اجعل طفلك يتصل بك عندما يصل للمكان الذى سيذهب إلى، فاجئه باتصال او زيارة مفاجئة. كما انك تستطيع مساعدة الطفل وزيادة تأثيرك عليه من خلال:معرفة أصدقاء طفلك فى الحى والمدرسة، المشاركة فى أنشطة طفلك،التحدث إليه عندما تقلق بخصوص شيء ما. وتستطيع مساعدة طفلك على التعامل مع تأثير الأقران من خلال تشجيع الاهتمامات مثل الرسم والموسيقى والرياضة واجعله يشارك فى الأنشطة العائلية وفى المنزل. وكما يؤكد د.عبدالرحمن حماد فهذه المهارات اذا احسن استغلالها والاستفادة منها من جانب الآباء ستقلل بكثير من اتجاه الأبناء لتعاطى المخدرات أو الانحراف لذلك لابد أن ترجع الأسرة لدورها الحقيقى قبل فقدان الابناء وفوات الاوان .
وترى د.منى مدحت أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس أن الأسر حدثت بها انهيارات كبيرة وأصبح الابناء والاباء فى حالة غربة كبيرة تحت سقف واحد مما أحدث خللا كبيرا فى القيم المجتمعية فمع الانتشار الرهيب لوسائل التواصل الاجتماعى أصبح الوالدان فى غياب تام عن الابناء اما بسبب الانشغال الكبير فى العمل والجلوس لساعات طويلة على وسائل التواصل الاجتماعى مما تسبب فى ان افراد الاسرة يعيشون فى جزر منعزلة واصبح ارتباط الابناء بوسائل التكنولوجيا واصدقائهم هى الوسيلة الوحيدة للمعرفة واستقاء المعلومات مما ساعد على زيادة حالات الادمان والانحرافات بكل سلوكياتها خاصة فى المرحلة الاعدادية والثانوية.
واشارت إلى محاولة الاباء ارضاء الابناء بتوفير كل السبل المادية جعلهم يتخلون عن الدور الرئيسى فى التربية والتوجيه وغياب القدوة وافتقاد الحوار فى الاسرة وانسياق الابناء وراء كل ما هو غريب ومثير مما افسد الكثير من الاولاد فى سن صغيرة واصبح الابناء لا يشعرون بالانتماء للأسرة او المجتمع ولأنهم تعودوا على الاهمال فاصبح ترويضهم من الصعوبة فى مرحلة الشباب .
ووجهت الدكتورة منى رسالة لكل أب وأم عن أهمية الوجود مع الاولاد لابد من مزيد من الوقت من الصغر لغرس القيم والمبادئ وان تكون لديهم فرصة للتعبير عن آرائهم وان نسمع لهم لتصحيح المفاهيم من أجل إنشاء جيل قادر على مواجهة الحياة وعدم الانجراف فى براثن الإدمان والانحراف لأن الابحاث والنتائج تعطى ارقاما مخيفة عن انحرافات داخل الاسر الواحدة التى لاتنتبه إلى اى مشكلة الا بعد وقوع الكوارث وهذا دليل على ان الوجود مع الابناء لابد ان يكون وجودا فعليا وتربويا ويبنى على اسس اخلاقية ودينية لإعادة التربية مرة اخرى.
رابط دائم: