رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«البطون الخاوية» وثلاثية المناخ والوباء والحروب

هدير الزهار

مشهد لأسرة تلتف حول وعاء فارغ ليس به سوى لقيمات يتقاسمونها.. ومشهد آخر لطفل تظهر عظام جسده وهى مغطاة بطبقة رقيقة من الجلد يبكى بصوت خافت لعله يجد من ينقذه قبل فتك الجوع به، وآخر لأطفال يحملون الصحون فى انتظار القليل من الطعام لتهدأ بطونهم الخاوية، بينما جاء المشهد الأسوأ لأم تعرض أحد أطفالها للبيع للحصول على النقود التى تمكنها من إطعام أطفالها الآخرين.. وغيرها من المشاهد القاسية التى كان عام 2021 مليئا بها، والتى دفعتنا للتساؤل مستنكرين كيف ونحن فى العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين، وبعد ما وصلنا له من طفرة تكنولوجية، لايزال الملايين يفتقرون لأهم أساسيات الحياة (الطعام)!!.

الملايين يتضورون جوعا وسط تحركات دولية تهدف للدعم والمساعدة، وكذلك لإيجاد حلول للأزمات، التى أدت لهذه الأوضاع اللانسانية، والتى يمكن اختصارها فى ثلاث كلمات «المناخ - كوفيد 19 - الحروب».

وقد شهد العام المنصرم الوجه الأسوأ لأزمة المناخ العالمية بحدوث أول مجاعة على الإطلاق ناجمة عنها، وهى المجاعة التى حدثت لسكان مدغشقر، حيث ترك الجفاف الشديد أكثر من 1.3 مليون شخص يواجهون جوعا شديدا، من بينهم نصف مليون طفل باتوا يعانون من سوء التغذية الحاد، ونحو 30 ألف شخص يواجهون ظروفا شبيهة بالمجاعة تهدد حياتهم، حتى إن بعضهم لجأ إلى أكل الصبار والجراد لسد الجوع. وعقب بيع العائلات كافة ممتلكاتهم من أجل الحصول على كميات قليلة من الطعام، أجبرت بعض الأهالى أطفالها على ترك المدارس للعمل، وحتى يتمكنوا من توفير حاجتهم من الطعام والماء. ورغم نجاح المنظمات الإنسانية التى قامت بتوسيع عملياتها فى مدغشقر، فى إنقاذ قرابة الـ 900 ألف شخص من خطر الجوع، إلا أنه مع اقتراب ذروة موسم الجفاف، الذى يستمر من يناير حتى أبريل، تتجدد المخاوف مرة أخرى من حدوث أزمة مماثلة. وتسعى الأمم المتحدة وشركاؤها للحصول على دعم مالى قدره 231 مليون دولار لتغطية عمليات الدعم من أجل توفير الغذاء والمياه والخدمات الصحية لهؤلاء السكان خلال الأشهر المقبلة.

أما الوباء، وبعد ما تسبب به من أزمات اقتصادية طالت دول العالم وحكوماتها وسط محاولات تعافى تدريجية، فقد بات أحد أسباب انعدام الأمن الغذائي، وذلك لما خلفه بما يسمى بـ «بؤر الجوع الناشئة»، والتى تمركزت فى الدول الأكثر تضررا من فيروس كورونا مثل الهند والبرازيل، حيث دفعت أزمة الوباء بعشرات الملايين إلى حافة الجوع، خاصة بعد ارتفاع أسعار المواد الغذائية العالمية بنسبة 40٪، وهى أعلى زيادة منذ أكثر من 10 سنوات. بينما ذكر ماكسيمو كولين، كبير الاقتصاديين فى منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، أنه بسبب تداعيات الوباء وفترات الإغلاق، ارتفع عدد الأشخاص الذين يعانون من نقص الغذاء من 118 مليون شخص فى عام 2020، إلى 768 مليون شخص هذا العام، وهو رقم مخيف لكونه الأعلى منذ عام 2006، فضلا عن أن عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائى - أو أولئك الذين أجبروا على التنازل عن كمية أو نوعية الغذاء - ارتفع بمقدار 318 مليونا ليصل إلى 2.38 مليار.

وتحت عنوان «فيروس الجوع يتكاثر»، أصدرت منظمة أوكسفام الخيرية البريطانية تقريرا، أفاد بأن عدد الأشخاص الذين يموتون من الجوع قد ارتفع إلى ستة أضعاف عن العام الماضي، متجاوزا عدد وفيات كوفيد -19، كما أشار التقرير أيضا إلى أنه كل دقيقة، يموت ما يصل إلى 11 شخصا بسبب الجوع. وقد صنفت أوكسفام البلدان التى مزقتها الحروب، مثل سوريا واليمن وإثيوبيا وهايتى، ضمن أسوأ بؤر الجوع فى العالم، وانضمت إليهم أفغانستان مؤخرا، بعد أن حذرت الأمم المتحدة، أن ما يقرب من 23 مليون من سكانها - أى حوالى 55٪ من الأفغان - يواجهون مستويات شديدة من الجوع.

 وقد حذرت المنظمة من أن ثلثى الوفيات المرتبطة بالجوع على مستوى العالم ناتجة عن الحروب والنزاعات، حيث لا يمكن للناس العيش بأمان أو العثور على الطعام عندما تتعرض أسواقهم للقصف وتدمر المحاصيل والماشية. وفى تقرير لبرنامج الغذاء العالمي، أكد أنه فى الوقت الحالى هناك أكثر من 45 مليون شخص فى 43 دولة يسيرون نحو حافة المجاعة، بزيادة قدرها ثلاثة ملايين شخص هذا العام، ويعود ذلك إلى ارتفاع تكاليف الوقود، والمواد الغذائية، والأسمدة، وكل هذا يغذى أزمات جديدة مثل الأزمة التى تتكشف الآن فى أفغانستان.

ويقدر برنامج الغذاء العالمى تكلفة تجنب المجاعات على مستوى العالم بحوالى 7 مليارات دولار، مقارنة بنحو 6.6 مليار، فى وقت سابق من العام.. وإن كان لدعم وكالات الإغاثة والتأكد من وصول المساعدات للمحتاجين أهمية كبيرة، فإن الأهم هو تكاتف الحكومات وقادتها ورجال الساسة، للعمل على وقف النزاعات وانهاء الحروب، من أجل الوصول للسلام الأشمل وتجنب المزيد من الأزمات الإنسانية.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق