-
سلوى بكر: هناك تراجع فكرى فى مصر والسطحية تهيمن
-
حجازى: نعيش أزمة ثقافية وليس لدينا تيارات أو مذاهب
-
درويش: آخر معركة كانت منذ عشرين عاما حول النقد
-
راضى : الظروف العالمية والاقتصادية وراء الظاهرة
المعارك الأدبية والفكرية هى حالة ثقافية غالبا ما تحوى حراكا أدبيا وتباينا فى وجهات النظر والبحث عن قضايا مهمة، حيث تثرى مناقشات الأدباء والمثقفين وترتقى بمستوى ثقافة قرائهم، كما تعتبر مظهرا من مظاهر التوهج والتجديد والانطلاق فى عالم الفكر والأدب، وتعكس الرغبة فى فرض أو ترسيخ الرؤى الجديدة. لتكون حديث العامة وليس الخاصة من المثقفين بما يثار من قضايا ثقافية وفكرية..
فى 2021 وقبلها بأعوام قليلة غابت تلك المعارك الأدبية والفكرية عن الساحة وغاب أيضاً متابعوها. فما هو تفسير اختفاء وغياب هذه الظاهرة؟
تقول الكاتبة سلوى بكر : المشكلة الاساسية تكمن أولا فى التعليم، لأن التعليم فى مصر بوضعه الراهن لا يخلق عقلا نقدياً يستطيع أن يولد أفكاراً جديدة ترصد المجتمع بما يعينهُ على التقدم إلى الأمام.
ثانيا: هناك عقود طويلة هيمنت فيها الأفكار الدينية الرجعية على المجتمع، وحجبت كل فكر يختلف عن الوجود الحقيقى داخل المنابر المجتمعية المتباينة، ومنها المنابر التعليمية والمنابر الثقافية وغيرها. فهذا الفكر أدان وشجب كل فكره تناقضه، ما أدى إلى غياب أفكار جديدة وتولد وجهات نظر جديدة داخل المجتمع يمكن التحاور حولها.
ثالثا: ثقافة النفط التى أملت شروطها على الحياة الثقافية ليس داخل مصر ولكن على العالم العربى كله. فهى اعتمدت على المغريات المالية واعتمدت على كل ما هو سطحى، وكل ما هو له بريق خارجى دون جوهر داخلى. كل هذا أدى إلى تراجع الأفكار داخل المجتمعات العربية. وأدى إلى غياب حوار ومناوشات فكرية..
ظروف عالمية
يقول د. عبد الحكيم راضى : ربما الظروف العالمية الناتجة عن جائحة كورونا التى قد خيمت على المجتمعات كلها قد تكون من ضمن الأسباب وليست كلها. حيث ترتبت عليها آثار متعددة منها الصعيد الثقافى الذى حدث فيه نوع من الانكماش عندما تحولت كثير من اللقاءات العلمية والفكرية فى كل المجالات إلى اجتماعات «أون لاين» مثل اجتماعات مجمع اللغة العربية، والمحاضرات فى الجامعات والمدارس وغيرها..
أعتقد أن افتقاد التواصل المباشر أو الحيلولة دون الاتصال المباشر كان سببا فى هذا.
ويضيف: ذلك إلى جانب الظروف الاقتصادية التى سيطرت على المجتمعات فكان هناك نوع من الانكماش الاقتصادى بطبيعة الحال، وهذا له عواقبه على كل النشاطات التى تمارسها المجتمعات فى تلك الفترة. وفى هذه الحالة ننصرف إلى الضروريات أكثر مما ننصرف من الانشغال بالفكر والنقاش الأدبى.
غياب المذاهب والمدارس
يقول الشاعر أحمد عبد المعطى حجازى: إذا كانت المعارك قد غابت فيجب أن نطرح السؤال على الأفكار، حيث لم يعد أصحابها يدخلون فى حوار أو صراع حولها.
فلكى تقوم معركة لابد أن يكون هناك على الأقل فريقان يمثلان الرأى والرأى الآخر. فريقان لهما مذاهب أو تيارات مختلفة عن بعضهما البعض. فريق كان موجودا من قبل وجاء آخر جديد يريد أن يحل محل الأول، أو على الأقل يسعى للحصول على مكان بجانبه.
ويضيف: لابد من أن نحدد تلك التيارات والأفكار، ونحدد تلك الفرق والمذاهب والمدارس الأدبية والفكرية التى نسأل عن عدم وجود معارك بينها.
فهل هذه التيارات والمذاهب لم تعد موجودة وبالتالى لم تعد هناك معارك. إذاً معنى ذلك أن هناك أزمة ثقافية حقيقية هى التى يجب أن نسأل عن أسباب غيابها.
ويقول الشاعر سمير درويش إن آخر معركة ثقافية تابعتها، ويمكن أن ينطبق عليها الاسم، كانت منذ نحو عشرين عامًا، بين د.عبد العزيز حمودة ود.جابر عصفور، حول موضوع «نظرية النقد العربية» الذى يظهر ويختفى كل حين، ويشهد سجالًا بين فريقين من النقاد: الأول يرى أن النقد -كما الثقافة والحضارة بشكل عام- إنسانى، كنتيجة لما أحدثه تطور وسائل الاتصال من جعل العالم قرية صغيرة، يسمع فيها الجميع الصوت عند خروجه بالضبط، وأن «المشكلات» الاقتصادية والاجتماعية أصبحت تؤثر وتتأثر بمثيلاتها حول العالم بشكل كبير، وبالتالى يحدث ذلك فى الثقافة، ويسوقون أمثلة على ذلك بأن أكثر المؤثرين فى نظرية النقد ليسوا من (المركز).. والثانى يرى أن ثمة اعتسافًا فى محاولة تطبيق نظريات غربية على نصوص من بيئات مختلفة ومخالفة، وأن تراثنا النقدى فيه ما يمكن الاتكاء عليه لإنتاج نظرية تخصنا، مثل عبد القاهر والجرجانى وكتابيه «أسرار البلاغة» و«دلائل الإعجاز».. ويذهب هذا السجال إلى ثنائية (التراث والمعاصرة)
لا مجلة ثقيلة
يضيف درويش قائلا: هذه (المعارك) غائبة، رغم كثرة الإصدارات فى الشعر والسرد والنقد والعلوم الإنسانية بشكل عام، فمنذ (العراك) الكبير حول شرعية «قصيدة النثر» فى أواخر التسعينيات وبداية الألفية، لا توجد نقاشات لافتة، خصوصًا بعد أن ربحت قصيدة النثر السجال، وانتقل (الصراع الخافت) إلى «قصيدة الفيس بوك» و»القصة القصيرة جدًّا» و«القصة الشاعرة»، وهذه المصطلحات التى لم تلق رواجًا، وبالتالى لم تصنع معارك ثقافية.
فى مصر لا نملك مجلة ثقيلة تُحرِّك المشهد الثقافى وتطرح عليه أسئلة جديدة ومهمة وتجذب إليها كبار الكتاب والنقاد والمثقفين مثلما كان يحدث فى الكاتب والثقافة والرسالة، والمجلات الموجودة بالفعل محدودة التوزيع، ولن نجد بين المطبوعات عناوين لافتة مختلفة، بل إن الإدهاش يأتى من الطبعات الجديدة للكتب القديمة، كما نجد فى بعض سلاسل هيئة قصور الثقافة التى تعيد طباعة كتب رواد النهضة، كما أن انحسار القراءة سبب مهم فى هذا النطاق، فقد اختفت المبادرات التى كانت تشجع على زيادة معدلات القراءة، مثل «القراءة للجميع» و«كتاب فى جريدة».. وغيرهما.
زمن اللاسؤال.
أما الشاعر رجب الصاوى فيرى أن المعارك الأدبية لا تحتدم إلا بوجود حياة ثقافية تتعدد فيها وجهات النظر ، وهذا ما نفتقر إليه ، كما أن المعارك الأدبية لا تثار إلا بوجود أسئلة جوهرية تحتاج إلى إجابات معاصرة ، ونحن منذ سنوات طويلة نفتقر إلى تلك الأسئلة التى تحتاج إلى جهد الإجابة والمحاولة، فهذا زمن اللاسؤال، فكل الأشياء أصبحت سواء، ولم يعد لدينا سوى أن نأمل فى الأمل .
ويقول الأديب حجاج أدول: الثقافة بفكرها هى وتد الخيمة الأساسى، هى الوتد الحافظ وليست هى الآمرة المباشرة. وإن رصدنا السلبية الغالبة، فلا يستطيع أحد أن ينفى وجود العقول المستنيرة بمعاركها الإيجابية الشجاعة. وإن كان المتنبى فى هذا البيت «وَتَعظُمُ فى عَينِ الصَغيرِ صِغارُها.. وَتَصغُرُ فى عَينِ العَظيمِ العَظائِمُ» يخال لنا أنه يشير لحالنا قاصدا، فبيته لا يغشى على شامل بيتنا، بل على أكثر حجراته!.
رابط دائم: