إن العمارة هى واحد من أهم أشكال توثيق الأحداث التاريخية وحفظها بالذاكرة الجمعية للناس لذا سجلت الحضارات تاريخها بالمعمار.. ولذا تٌخلد الدول انتصاراتها التاريخية بالنصب التذكارية حتى تكون حاضرة ومجسدة دائما نصب أعينهم، ولتنتقل الذكرى من جيل لآخر.
وكانت أقواس النصر هى واحدة من تلك الأشكال لذا انتشرت فى دول مختلفة و توارثتها الأجيال لتٌرسخ بالعمارة ذاكرة الزمان والمكان فى عقول الشعوب.
................
ومن هذا المنطلق وضع الدكتور أحمد عوض المتخصص فى مجال العمارة والفنون التطبيقية تصميمه المقترح لقوس النصر المصرى.. ولكنه تصميم بمذاق مصرى فرعونى فريد.
فتصميم عوض الذى اعتمد على نتائج دراسة علمية أجراها فى تخصص الفنون التطبيقية بعنوان «المفهوم الحضارى للحيز الداخلى بالبيئة المبنية وأثره على الأمن القومى المصرى» هو تصميم تتحقق فيه ظاهرة تعامد الشمس التى اهتم بها المصرى القديم ووفقا للحسابات الدقيقة التى أجراها من خلال برامج متخصصة فى حساب حركة الأجرام السماوية جاءت النتائج المذهلة لأبحاثه بتزامن موقع شروق الشمس فى كل من يوم الشهيد الموافق يوم 9 «مارس» وهو اليوم الذى شهد استشهاد الفريق «عبدالمنعم رياض» إبان حرب الاستنزاف مع موقع شروق الشمس فى يوم النصر الموافق يوم 6 «أكتوبر»، بفارق يقارب النصف درجة قوسية فقط، وتلك الحقيقة العلمية تُمكن من تحقيق ظاهرة تعامد أشعة شروق الشمس على البناء المعمارى للتصميم المقترح عن قوس النصر المصرى من كل عام فى حدث يفسره عوض قائلا: «حين أشرقت شمس يومئذٍ للشهيد أبت أن تعاود ذات المشرق إلا بالثأر وهى ذات الفلسفة التى اعتنقها المصرى القديم حيث يُمثل حدث الشروق اليومى للشمس واقعة نصر قوى النظام الكونى وهزيمتها للفوضى طبقاً للمعتقدات والأساطير المصرية القديمة، وتيمناً بذلك النصر الأسطورى وضع الملك «رمسيس الثانى» صدارة معبد «أبو سمبل» فى مواجهة شروق الشمس إبان يومى احتفالات بعينها وشيد بناءه كنصب تذكارى يدون على أركان عمارته وقائع معاركه وانتصاراته على أعدائه. وبشكل عام فإن حدث شروق الشمس يٌمثل أحد مظاهر النصر فى الموروثات المصرية عبر ذاكرتها الجمعية وجذورها الحضارية».
وبجانب الفلسفة والعقيدة فقد استطاع المصرى القديم بالفعل أن يحفظ مناسبات بعينها فى الذاكرة الجمعية تجاوز بها حدود الزمان والمكان لذا وضع عوض تصميم قوس النصر لدمج مفردات العمارة والفنون المصرية القديمة من أساطين وأفاريز ووحدات زخرفية، مع مفردات الفنون القبطية والعمارة الإسلامية من مقرنصات وتشكيلات نحتية لأنهم جميعا يعبرون عن هوية الشخصية المصرية فى تشكيل جديد معاصر.
ويتضمن التصميم وضع مقصورة مركزية على المحور الرئيسى للبناء تتضمن كتابة النشيد الوطنى كصحيفة على جدارها الغربى من الداخل، وعلى ذات المحور صارى مركزى يرفرف أعلاه علم مصر ويتوج أعلاه شعار الدولة المصرية فى قلب البهو الرئيسى للتصميم. وعلى هذا النحو تتعامد أشعة شروق الشمس على كامل كلمات النشيد الوطنى داخل المقصورة المركزية وعلى الصارى المركزى وراية علم الجمهورية، كما تتعامد أشعة شروق الشمس أيضا على شعار الدولة المصرية وذلك فى يوم الشهيد الموافق 9 «مارس» ويوم النصر الموافق 6 «أكتوبر» من كل عام.
ولم يكتف عوض بهذا التزامن بل وضع التصميم على نحو يكفل وجود قرص الشمس أعلى راية العلم المصرى فى يوم الاحتفال بعيد «تحرير سيناء» الموافق يوم 25 «ابريل» من كل عام وذلك قبيل غروب الشمس بما يقارب ساعة من الزمان، وكأن الشمس بذلك تحكى فى صورة رمزية شهادتها عن قصص الفداء والثأر والنصر.
كما تضمن التصميم وحدة تشكيلية تصطف بتكرار رأسى وأفقى فى تسلسل متنوع الأطوال ثابت العروض، ليٌحفر على صفحات أوجهها الرخامية أسماء الشهداء والأبطال ممن ناضلوا فى المعارك ويقول عوض: «ذلك الاصطفاف المتكرر للتصميم يجسد بدوره اللحمة الوثيقة بين أطياف الشعب المصرى فى مواجهة كافة التحديات».
ويضم التصميم فى ساحة الواجهة الجنوبية جداريات تحكى السجل التاريخى للانتصارات العسكرية بداية من معركة «مجدو» إبان مجد مصر القديمة، وعلى الجهة الأخرى تم تخصيص ساحة الواجهة الشمالية بجداريات عن السجل التاريخى للانتصارات الشعبية مثل ثورة 1919. وقد وضعت تفاصيل تلك الانتصارات التاريخية فى عرض متحفى افتراضى ضمن نطاق الدور الأرضى للمقصورة التى وضع لها تصور اقتصادى وسياحى متكامل حيث يتضمن الاقتراح وجود ساحات ومتنزهات ومناطق انتظار للسيارات والحافلات.
حيث يتكون مبنى قوس النصر المصرى من دور أرضى وثلاثة طوابق متكررة، يحتوى الدور الأرضى على ساحات الدخول الرئيسية والعرض المتحفى الإفتراضى، ويحتوى الدور الأول على شرفات الزوار وعرض المكتبة الرقمية ومكاتب إدارية، ويحتوى الدور الثانى على أربعة مطاعم ومقاه سياحية ذات طابع تراثى عن مدن القناة التى شهدت معارك تاريخ مصر الحديث، ويحتوى الدور الثالث على قاعة كبار الزوار والصالونات الملحقة وقاعة كبرى متعددة الأغراض.
وأخيرا يقترح الدكتور أحمد عوض صاحب التصميم أن يتم تنفيذه بالعاصمة الإدارية ويضع مقترحه المتكامل بين أيدى المسئولين الذين سبق واستجابوا لمقترحاته حول ظاهرة تعامد الشمس التى وثقها فى أبحاثه السابقة فى 9 معابد كما نجح فى تحقيق ظاهرة التعامد على وجه تمثال الملك رمسيس الثانى الموجود بالبهو الرئيسى للمتحف المصرى والتى تتحقق منذ ثلاث سنوات بالمتحف فى يومى 21 أكتوبر و21 فبراير وهى المواعيد الأصلية لحدوث الظاهرة قبل نقل المعبد والتى تم تنفيذها بنجاح مع فريق من مهندسى المتحف والإداريين تحت رعاية المشرف العام للمتحف.
رابط دائم: