رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

تحديات الثقافة والمثقف المصري فى عالم «المابعديات»

هبة عبد الستار

فى محاولة جادة لفهم وتحليل أزمات الثقافة وأسباب تراجع دورها منذ عقود، عالميا وعربيا، وفقدان المثقفين التأثير على خيارات الجماعات وسلوكياتهم فى عالم «المابعديات» ؛ يطرح الباحث نبيل عبد الفتاح كتابه الجديد الحرية والحقيقة: تحديات الثقافة والمثقف المصرى، الصادر عن دار ميريت، مبرزا كيف يواجه العقل والإبداع فى مصر تحديات كبرى فى ظل تحولات استثنائية مثل ثورة الرقمنة والذكاء الصناعى، والإناسة الروبوتية، وعالم ما بعد الحقيقة، وعالم ما بعد جائحة كورونا، محذرا من مخاطر تأثير تلك التحولات على فرض قطيعة تاريخية كبرى فى منظومات المعرفة واللغة والفكر والفنون.

يوضح عبد الفتاح أن جائحة كورونا وضعت الجميع أمام تحديات مختلفة، ومعها بعض الأفكار الدينية التى أصبحت أمام أسئلة جديدة، وصعبة فى عالم «المابعديات» الذى فرض متغيرات جديدة وقوض أفكارا ونظما، وهندسات اجتماعية وسياسية، مصحوبة بالاضطراب، وتفاقم الأزمات، وأنظمة الرقابة السياسية، والرقمية المتعددة مما جعل حياتنا وأفكارنا ومناهج تحليلنا للظواهر والمشكلات موضعا لمساءلات عديدة، فى ظل انفجار للشعبوية، وتشظى الهويات الكبرى، والولع بالاستهلاك المفرط، وسيطرة العقل والرغبات الرقمية على أفعالنا وسلوكياتنا مما شكل ثقافة جديدة تغيرت معها مفاهيمنا وحياتنا.

يؤكد أننا بحاجة ماسة إلى صدمة الحقيقة حول واقعنا وإنتاجنا الثقافى والفكرى، وضرورة تفكيك أوهام التمركز المصرى حول الذات كبداية، ويلفت إلى أن تغيير الرؤى، والسياسات الثقافية، يدور حول ثنائية الحرية والحقيقة، فالأولى هى المفجر الرئيس للإبداع والتجديد، والحقيقة كصدمة لواقع التراجع لدور الثقافة والمثقف، وغياب الطلب السياسى والاجتماعى على الثقافة والمثقفين، وعدم إدراك الكثيرين لهذا التغير، واستمرار الصور النمطية السائدة، حول تراجع دور المثقف لمصلحة الداعية الدينى، والناشط السياسى.

يحلل المؤلف جذور الأزمات التى تواجهها الثقافة المصرية مثل عدم تكيف بعض مكوناتها مع تحولات العالم المتغيرة، وتراجع الدور الثقافى المصرى إقليميا مع بروز مراكز ثقافية جديدة بالمنطقة، وانفصال الثقافة عن السياسات العامة لاسيما التعليمية، وغيرها من الأسباب. ويرصد تأثير رفع سلاح التكفير الدينى والحسبة والدعاوى القضائية لترهيب المثقفين على إعاقة الفكر المصرى كله (المدنى، والديني). ويتتبع التغيرات التى طرأت على صورة المثقف المصرى فى المراحل التاريخية السابقة، وكيف أدى العنف الرمزى والمادى ضد المثقفين إلى تشويه صورة المثقف فى الوعى الجمعى لبعض الفئات الاجتماعية الداعمة للإسلام السياسى.

واحدة من أبرز نقاط القوة بالكتاب هى تحليله الاجتماعى المتعمق للسمات الرئيسية للثقافات فى عالم «المابعديات» المعولم والثورة الرقمية، وما بعدها ورصده طبيعة التغيرات الاجتماعية السياسية، والثقافية التى أفرزها عالمنا المتغير، ويتمثل أبرز هذه السمات فى قدرة مواقع التواصل الاجتماعى على بناء مجالات عامة افتراضية نوعية يستطيع من خلالها الأفراد التوحد حول قضايا نوعية أو حول بعض الهويات والتفضيلات مما كسر القيود المفروضة على المجال العام السياسى والثقافى الفعلى. كما أدت الثورة الرقمية إلى بروز سلطة المرئى والرقمى على الورقى المكتوب، وبروز لغة وإشارات ومجازات رقمية تختزل وتبلور التعبير الذاتى الفردى، والجماعى فى خطاب التغريدات الرقمى والمنشورات على الفيس بوك، أثر ذلك على الإنتاج الثقافى وأدى لبروز قدرة الجمهور العادى على تكوين عالمه الاستهلاكى للسلع الثقافية وفق ذوقه وهواه، متجاهلا السلطات السياسية والدينية والأخلاقية، أو سلطة المثقفين المنهارة.

من بين السمات أيضا، الانكشاف الفردى، وتقلص مساحات الخصوصية الفردية والاجتماعية، للفرد، والدولة، وإعادة بناء الأفراد والجماعات لتواريخهم وذاكراتهم. من ناحية أخرى أتاحت الثورة الرقمية فى إطارها العولمى وما بعده دعم أشكال الحفاظ على تراث المجموعات الصغرى من خلال الواقع الرقمى. وبروز أشكال المناصرة والتشبيك للدفاع عن الحقوق الثقافية للمجموعات الصغرى، ومعها آليات دفاعية عن هوياتها المتخيلة أيا كانت سردياتها وتضامناتها فى ظل انتفاضة الثقافات الصغري!

لقد أدت الثورة الرقمية وثقافتها إلى تشكل نمط ثقافى رقمى جديد، وفجوات معرفية وإدراكية وجيلية داخل المجتمعات العربية.

يؤكد المؤلف وجود حاجة ماسة إلى الثقافة والمثقف كمحرك من محركات التغيير، إلا أن ذلك يحتاج إلى المبادرات الفردية والجماعية القادرة على الحركة والتفاعل والتغيير، لاسيما فى ظل حريات افتراضية ورقمية هائلة، لعبت دورا فى تحريك بعض المجتمعات العربية فى المرحلة الماضية، وقادرة على إحداث بعض من التغيير فى الواقع الفعلى .

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق