الرئيس السيسى حريص على أن تصبح التزامات الدول فى قمة المناخ مستديمة لأجيال قادمة
بصفتها دولة محورية فى الشرق الأوسط، فإن على مصر مسئولية كبيرة فى مواجهة التغيرات المناخية، التى تبذل جميع دول العالم جهودا كبيرة لمنع وقوع كوارث طبيعية لن ترحم، وكان لحضور الرئيس عبد الفتاح السيسى قمة المناخ الاخيرة بجلاسجو مغزى مهم يؤكد التزام مصر بهذه القضية المصيرية.. مما يترتب عليه التزامات خاصة أخذتها مصر على عاتقها للمساهمة فى مكافحة كارثة الاحتباس الحرارى.
وتسعى القيادة السياسية دائما للبحث عن بدائل للطاقة الكهربائية التقليدية،اعتمادا على أبحاث علمية تركز على الخواص التى أنعم الله بها على مصر، وهى: المناخ المعتدل وأشعة الشمس المتوفرة فى بلدنا طول العام.. ويعد الدكتور هانى النقراشى الخبير فى مجال الطاقة وعضو المجلس الاستشارى العلمى لرئيس الجمهورية من بين أبرز العلماء الذين يقومون بدور ملموس لإيجاد حلول تستهدف توفير الطاقات البديلة فى مصر.
وكان من المهم فى هذه المرحلة،التى يواجه فيها العالم أجمع تحديات كبيرة بسبب التغيرات المناخية ومشكلات الطاقة،أن نحاوره حول تلك القضايا.. وإلى التفاصيل:
كيف ترى دور مصر فى مواجهة التغيرات المناخية؟
فى كل مناسبة تسنح له، يذكر الرئيس السيسى لفظ «الاستدامة» ولم أسمع من رئيس أى دولة أخرى تكرار كلمة «الاستدامة» كما يكررها الرئيس السيسى،مما يعزز حرصه على أن تكون الإجراءات التى يُتفق عليها تتصف بالاستدامة لأجيال قادمة، وبما أن غاز «ثانى أكسيد الكربون» هو المتسبب الرئيسى لظاهرة الاحتباس الحرارى، وهو من ناحية أخرى مرتبط بشكل محورى بإنتاج الكهرباء من الوقود الأحفورى،وإنتاج الكهرباء فى مصر بالدرجة الأولى من الغاز الطبيعى الذى يتسبب فى نصف ما يسببه الفحم من الانبعاثات الضارة، وبالتالى لا تصنف مصر من بين الدول المتسببة بمقدار كبير من الانبعاثات الضارة مثل أغلب دول أوروبا والصين والولايات المتحدة والهند وكلها تحرق الفحم لإنتاج الكهرباء وأيضا لتدفئة المبانى شتاء.
وكيف تفسر سفر الرئيس السيسى إلى جلاسجو والتحدث أمام رؤساء العالم فى حين أن مصر ليست متهمة بتلويث الغلاف الجوي؟ وهل هناك التزامات سوف تضطلع بها مصر فى المرحلة المقبلة؟
وضع مصر كدولة مشتركة مع قارة إفريقيا والعالم العربى، ولها إشعاع حضارى على كل العالم يلزمها أن تكون قدوة لباقى دول العالم.
أما الالتزامات التى ستأخذها مصر على عاتقها فهى مسئولية الجهات التنفيذية، وهى وزارات التخطيط والكهرباء والبيئة والتنمية المحلية وكذلك المحافظات ــ كل فى مجال اختصاصه.
وما أتمناه هنا هو تخصيص إدارة فى كل وزارة من الوزارات المذكورة للاتصال بالوزارات الأخرى، بمعنى وجود إدارة فى وزارة البيئة للاتصال بوزارة التنمية المحلية وأخرى للاتصال بوزارة التخطيط وهكذا، هذا يتبعه زيادة فى عدد الموظفين وهى ضرورية للتنسيق بين الوزارات.
ما الآليات الدولية التى تشارك فيها مصر لمواجهة محنة التغيرات المناخية،وكيف تقوم مصر بالتنسيق فى هذا المجال،وعلى أى أساس يتم التعاون بين الدول فى مجال البيئة؟
لقد بينت قمم المناخ السنوية التى بدأت عام 1992 فى ريو دى جانيرو وحتى آخرها فى 2021 أن التعاون بين الدول أقل من المأمول، بل يصل لدرجة الإحباط للدول المتضررة،مع أن الدول المتضررة غير متسببة فى الوضع المتدنى الحاضر، وقد اتفق المجتمعون فى باريس سنة 2015 أن تدفع الدول الصناعية مبلغ مائة مليار دولار كل سنة للدول المتضررة بداية من سنة 2020، ولكن سنة 2020 مرت ولم تدفع الدول الصناعية ــ وهى المتسببة فى تغير المناخ ــ شيئا ولم تخطط لجمع الأموال ولا لمعايير توزيعها على المتضررين.
مصر لا تملك صلاحية الضغط على دول أخرى لتقوم بالتزاماتها والوفاء بوعودها،التى أخذتها على نفسها.. كل ما تستطيع عمله هو أن تكون قدوة للآخرين فتبين لهم أن التعامل مع الطاقات المتجددة يجب أن يكون على أساس احترام كل المخلوقات على الأرض فلا يطغى الإنسان على باقى المخلوقات،لأن الله سبحانه وتعالى خلق المخلوقات الأخرى لحكمة ما قد لا نعلمها.
فى دراستكم حول كيفية مواجهة التغيرات المناخية فى العالم وضعتم الطاقة الكهربائية فى قلب تصوركم لمستقبل استخدام مصادر الطاقة، فهل يمكن تلخيص وجهة نظركم فى هذا المجال وما هى أهم فوائد الطاقة الكهربائية وهل يمكن الاستغناء التام عن الطاقات الأحفورية؟
لم يطالب أحد بالاستغناء التام عن الطاقات الأحفورية، ولكن المطلوب الواضح هو الإقلال من حرقها إلى ٨٠٪ من الوضع الحالى ليكون ناتج حرقها من ثانى أكسيد الكربون بالقدر الذى تستطيع الطبيعة استيعابه وتحويله إلى خشب الأشجار وأوراقها، لأن النباتات هى أكثر عناصر الطبيعة نجاحا فى تحويل ثانى أكسيد الكربون إلى مخزون لمدد تمتد لقرون من الزمان، ويتبع ذلك بداهة ألا ننقص نحن البشر من الأشجار الموجودة فى الغابات بقطعها أو بحرقها للاستفادة المالية من الأراضى المتبقية.
أما الدعوة التى ظهرت لفترة قصيرة،وهى القبض على ثانى أكسيد الكربون قبل خروجه إلى الهواء ثم ضغطه فى فجوات أرضية،مثل تلك التى تم تفريغها من النفط أو الغاز فمن البديهى أنها لا تمت للاستدامة بصلة، لأن هذه الفجوات ــ إن كانت صمّاء تحفظ محتواها من التسرّب ــ فهى محدودة السعة وامتلاؤها يقدر بعشرين سنة وهذه لا تعدو أن تكون لحظة فى عمر الإنسانية، ونحمد الله أن هذه الدعوة وئدت قبل ولادتها بفضل تنبه الشعوب لضررها عند تسرب الغاز من فجوات تخزينه بسبب الزلازل مثلا.
ولكنها ظهرت مجددا دون ذكر مسماها بوضوح عند الحديث عن الهيدروجين كبديل للنفط ومشتقاته فى إنتاج الكهرباء أو بعض التفاعلات الكيماوية، فسمى الهيدروجين بالأخضر، وهذا واضح أن المقصود به هو إنتاجه من الطاقات المتجددة فقط، أى لا يدخل فى كهرباء إنتاجه ولا نقله أو تخزينه منتج أحفورى. ولما كانت أنظف طرق إنتاج الهيدروجين تتم صناعيا بالتحليل الكهربائى للماء النقى، فمن البديهى أن تكون عمليات ضخ الماء وتنقيته كلها تستعمل الطاقات المتجددة وكذلك الكهرباء المستخدمة فى التحليل الكهربائى.
نشعر فى ثنايا دراستكم بأن إنتاج الطاقة الكهربائية سيفتح آفاقا كبيرة لمصر، ليس للاستهلاك المحلى فحسب،وإنما لتصدير هذه الطاقة الحيوية الى دول لا تحظى بما تنعم به مصر من مناخ متميز ونعمة بزوغ الشمس طوال أيام السنة فيها باستثناءات قليلة، فهل يمكن تقييم كميات الطاقة الشمسية التى تستطيع مصر أن تصدرها للخارج فى العقود المقبلة؟
دراسة المركز الألمانى للطيران وشئون الفضاء DLR ــ والتى اشتركتُ فيها ــ أوضحت أن المتاح من الطاقات المتجددة فى أوروبا يفوق احتياجاتها فهو يقدّر بـ145% من المطلوب ولكن أغلب هذه الطاقات متقلبة فلا يمكن الاعتماد إلا على جزء منها يصل إلى 80% والباقى وهو 20% أوصت الدراسة باستيراده من دول شمال إفريقيا لسد فجوات الإمداد الكهربى التى تحدث عند انخفاض سرعة الرياح ليلا حيث الخلايا الشمسية لا تعطى كهرباء مطلقا، والكهرباء المطلوبة لسد الفجوات قدرت لسنة 2050 بـ 100 جيجاوات (1 جيجاوات يساوى 1000 ميجاوات) على أن تكون مضمونة ومتاحة حسب الطلب، أما اقتراح البديل من شمال إفريقيا ــ وما هو إلا استبدال نفط ليبيا والجزائر بالكهرباء النظيفة ــ فسببه أن الإشعاع الشمسى فى الصحراء الكبرى فى شمال إفريقيا يختلف عن أشعة الشمس فى وسط وشمال أوروبا، فالأولى إشعاع مباشر يحمل فى ثناياه ضوء الشمس وحرارتها بينما أشعة شمس أوروبا تحمل الضوء فقط لأن السحب تمتص حرارة الإشعاع الشمسى، ووجود الإشعاع الشمسى بهذه الجودة فى شمال إفريقيا يتيح استخدام تقنية أخرى غير اللوحات الضوئية وهى تقنية تركيز الإشعاع الشمسى على بؤرة فترتفع درجة حرارتها إلى 550 درجة مئوية،وهى تعادل الحرارة الناتجة من حرق الفحم وهذا هو الهدف أى تركيز أشعة الشمس للحصول على الحرارة المطلوبة لتحويلها إلى كهرباء. ولما كانت فترة سطوع الشمس تتراوح بين 10 و14 ساعة شتاء وصيفا فذلك يكفى لتخزين جزء من الحرارة المكتسبة نهارا لاستعمالها ليلا لإنتاج الكهرباء، وخلصت الدراسة المكملة إلى أن 80 جيجاوات تصدّر من المغرب والجزائر إلى وسط أوروبا والباقى من ليبيا وتونس ومصر وذلك لقرب المغرب والجزائر من أوروبا، ولكن عند بحثى عن الموارد المطلوب توافرها ومقارنتها بالبعد الجغرافى وجدت أن أهم مورد لإنجاح هذا المخطط هو القدرات البشرية القادرة على إتقان العمل وهى تفوق البعد الجغرافى لو نظرنا للمخطط نظرة شمولية،فتوصلت إلى أن 50 جيجاوات يمكن تصديرها من مصر والباقى من دول شمال إفريقيا.
إن الإصرار على استعمال الطاقات المتقلبة بحجة رخص ثمنها ليس إلا تجنيا على نعمة الله التى رزقها لمصر، وهى الإشعاع المباشر، لأن الطاقات المتقلبة تحتاج لطاقة موازنة تتكلف أكثر بمراحل من الوفر الذى خُيّل للمخطط الذى انخدع برخص الثمن دون التعمق فى الإطار المتكامل لمنظومة إنتاج واستهلاك الكهرباء.
رابط دائم: