الفنان القدير ماهر سليم الذى رحل عن عالمنا قبل شهرين واشتهر بأداء شخصية زيكا فى مسلسل بوجى وطمطم كما اشتهر بأدوار كثيرة متنوعة ليست كبيرة الحجم ولكنها كبيرة التأثير أو على حد تعبيره «يعرف الممثل من أول جملة».. كان صاحب رؤية إخراجية ومشروع فنى متميز لم يجد للأسف الاهتمام اللائق.. الكل وضعه فى تصنيف الممثل الكوميدى خفيف الظل أو الكاراكتر.. وللنقاد بعض العذر فأغلب أدواره التمثيلية كانت تحمل هذه السمات
ولعل من أبرزها دور المريض النفسى فى فيلم حب البنات الذى يذهب إلى عيادة النجم أشرف عبدالباقى ويشكو له أن زوجته المتوفاة تراقبه وأن وفاتها مجرد خدعة وحيلة ذكية منها.. ولم يقدم إلا مشهدا واحدا فى الفيلم كان من أطرف المشاهد وأكثرها جاذبية وكذلك فى فيلم «جواز بقرار جمهورى» حيث لعب دور بائع الترمس على الكورنيش والذى يحكم فى الخلاف بين هانى رمزى وحنان ترك فيزيد من اشتعاله وحدته..
وكان من بين الوجوه التى آمن بها يوسف شاهين وتعاون معه فى عدة أفلام منها اليوم السادس والمهاجر واسكندرية كمان وكمان واسكندرية نيويورك ثم هى فوضى مع خالد يوسف تلميذ يوسف شاهين وربما أنصفته الدراما التليفزيونية أكثر من السينما حيث قدم مساحات أكبر فى مسلسلات ناجحة منها زيزينيا وأرابيسك وبوابة الحلوانى وحارة اليهود والقاهرة كابول وآخر اعماله فى الآنسة فرح وفرصة تانية.
ولكن الحقيقة كان المسرح هو العشق الأول لماهر سليم والذى شهد أجمل تجاربه ممثلا ومخرجا ومديرا لمسرح الطليعة ثم رئيسا للبيت الفنى للمسرح فى فترة من أصعب الفترات التى أعقبت ثورة 25 يناير حيث كانت التظاهرات والمطالبات بالتعيين فى كل مسارح مصر وحالة من عدم الاستقرار لم تمكنه من تحقيق ما كان يحلم به.. ولأن صاحب هذه السطور كان من الأصدقاء المقربين لماهر سليم وشاهد على تجربته المسرحية منذ الزيارة انتهت التى أخرجها سمير العصفورى 1983 ولعب بطولتها محمود ياسين وشويكار واحمد راتب وعبد الله فرغلى وشارك فيها محمود شكوكو وكان لماهر سليم دور بارز لفت الانتباه ورشحه بعد ذلك لدور أكبر فى مسرحية العسل عسل والبصل بصل أيضا من إخراج سمير العصفورى عن مقامات بيرم التونسى وربما كانت هذه المسرحية هى الآولى من نوعها عام 1986 التى تتجه لمسرحة القصائد الشعرية وتحويل إبداعات بيرم فى الأزجال والمقامات لعمل مسرحى شديد الجاذبية ومكتوب بحرفية عالية ويحتوى على أغانى بديعة لحنها الموسيقار على سعد وشارك فى غنائها محمود قاسم وسهير طه حسين مع نجوم العرض د. أحمد حلاوة ويوسف رجائى وزايد فؤاد وماهر سليم وآخرين.
وقد شاهدت هذا العرض مرات عديدة وكان سببا فى توثيق علاقتى بالصديق العزيز ماهر سليم وبسبب حفظى أشعار بيرم التونسى كان يمازحنى بقوله «ماتيجى تشتغل معانا ملقن مادمت تحفظ الحواراكثر منا» وعندما قرر ماهر أن يجرب الإخراج كان لازال متأثرا بعرض العسل عسل فاتجه إلى أشعار والد الشعراء فؤاد حداد وصاغ مع صديقه الشاعر ابراهيم عبد الفتاح من قصائد فؤاد حداد عرضا فنيا بديعا يحمل عنوان «كروان الفن» وتألق فيه كل من جمال قاسم وفاطمة الكاشف وحسن الديب كما تألق الموسيقار وجيه عزيز فى صياغة الأغانى البديعة لشاعرنا فؤاد حداد وبعد نجاح التجربة عمل ماهر سليم على تقديم ديوان ميت بوتيك أيضا لفؤاد حداد فى عرض مسرحى ساخر ثم قدم تجربة ثالثة فى مسرحة الأشعار بعنوان ورنيش من كلمات إسلام خليل.. وللأسف كان هذا اللون من المسرح الاستعراضى يحتاج إلى تكلفة مادية أعاقت استمرار المشروع وعندما تحمل ماهر سليم مسئولية ادارة مسرح الطليعة ومن بعده ادارة البيت الفنى للمسرح وتنازل عن طموحه الخاص ممثلا ومخرجا من أجل إتاحة الفرصة للزملاء خاصة وان البعض منهم كان يعترض على وجوده لقلة ما صادف من الشهرة والنجاح وكانت أخلاقه الرفيعة تمنعه من الرد على الإساءة ومعاملة الجميع بحب وتفان وابتسامة لاتفارق شفتيه.
عندما جاء لزيارتى قبل عامين فى المستشفى بعد إجراء عملية جراحية ظل يذكرنى بما كان بيننا من مواقف طريفة منها إقامته لليلة فى بيتنا واستيقاظه مرعوبا على وجه كلب ابى «سلاطينو باشا» الذى كان من نوع الجيرمان شيبرد وفى حجم الحصان الصغير ينظر إليه متفرسا ويظنه لصا دخل للسرقة ثم غالبه النعاس وهو لا يقدر على الصراخ خوفا من انقضاض الكلب عليه وظللنا نضحك رغم خطر الضحك على الخيوط الجراحية وقتها.. وعندما مرض أخى الفنان المبدع ماهر سليم واتصلت به تليفونا طلب منى عدم الزيارة وقال: عند خروجى ان شاء الله نذهب للصلاة معا فى مسجد السيدة نفيسة وبالفعل كنا على الموعد نصلى خلف جثمانه وقد سبقنا.. إلى دار الحق.
رابط دائم: