رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

فى بوادر أزمة جديدة بين واشنطن وموسكو..
الكونجرس.. والتهديد بعدم الاعتراف بولاية جديدة لبوتين

د. سامى عمارة
> فلاديمير بوتين وباراك أوباما خلال لقاء سابق شابه التوتر

بعد فشلها فى الإطاحة بالرئيس فلاديمير بوتين أكثر من مرة سواء من خلال تأليب فصائل المعارضة الداخلية تارة، وإشعال نيران «الثورات الملونة» فى روسيا وما جاورها من جمهوريات الاتحاد السوفيتى تارة أخرى، ومحاولة تجديد انتخاب دميترى ميدفيديف رئيسا لروسيا لولاية ثانية فى عام 2012 تارة ثالثة، عادت الولايات المتحدة الى سلاح التهديد والوعيد من خلال إعلان الكونجرس الأمريكى عن «عدم الاعتراف ببوتين رئيسا لروسيا، فى حالة ترشحه للانتخابات الرئاسية المرتقبة فى عام 2024».  

 

منذ تدهور العلاقات الشخصية بين الرئيسين فلاديمير بوتين ونظيره الأمريكى الأسبق باراك أوباما مع بداية سنوات تولى الأخير سدًة الحكم فى البيت الأبيض فى يناير 2009 والعلاقات الروسية الأمريكية تجنح نحو المزيد من التدهور الذى بلغ ذروته مع بداية سنوات تولى الرئيس جو بايدن لمنصبه رئيسا للولايات المتحدة فى مطلع العام الحالي. وعلى الرغم من ظهور بعض بوادر التفاؤل مع انعقاد أول قمة جمعت الرئيسين بوتين وبايدن فى جنيف فى يوليو الماضي، فإن العلاقات بين البلدين تظل بعيدة عن الانفراجة التى طالما علقت عليها موسكو بعضا من آمالها. وفى الوقت الذى كانت تعقد فيه موسكو الأمل على احتمالات تقليص مساحات الخلافات بين البلدين، تحولت واشنطن صوب التصعيد، تارة بإعلانها احتمالات قبول أوكرانيا وجورجيا مرشحين لعضوية حلف الناتو رغم ما سبق وحذر منه لبوتين على اعتبار ان ذلك «خط أحمر» لن تسمح موسكو بتجاوزه من جانب أى كائن من كان، وأخرى بالدفع بسفن ومقاتلات الولايات المتحدة والناتو إلى حوض وسماء البحر الأسود فى مناورات هى الأكبر فى تاريخها نوفمبر الحالى، بعد أخرى مماثلة جرت فى يوليو الماضى وشاركت فيها أربع من البلدان العربية على مقربة مباشرة من شبه جزيرة القرم والحدود الروسية.

وها هو الكونجرس الأمريكى يحاول صب المزيد من الزيت فى أتون نيران خلافات البلدين، بسبق الأحداث وما قد تسفر عنه من تطورات، ليعلن خلال الأيام القليلة الماضية بيانه الذى انتفضت موسكو معه لتعلن رفضها الحاسم أى محاولات تعنى فى طياتها التدخل فى الشئون الداخلية لروسية. وكان اثنان من أعضاء الكونجرس الأمريكى تقدما مع نهاية الأسبوع الماضى بمشروع قرار يقولان فيه «إن الكونجرس الأمريكى لن يعترف بفلاديمير بوتين رئيسا لروسيا فى حال ترشحه للانتخابات الرئاسية المرتقبة فى عام 2024 «. ورغم أن الرئيس بوتين لم يحسم أمره بعد ولم يعلن أحد على الصعيد الرسمى عن قرار نهائى أو شبه نهائى عن أن الرئيس بوتين سوف يترشح لفترة ولاية خامسة فى عام 2024 موعد نهاية ولايته الرابعة والأخيرة حسب نص الدستور الروسى السابق، قبل تعديله والاستفتاء الشعبى عليه فى صيف عام 2020، فإن الكثير من المؤشرات والتصريحات كانت ولا تزال تشير إلى أن هذه التعديلات وما واكبها من قرارات وإجراءات تعد العدة لاستمرار الرئيس بوتين رئيسا لفترة قد تستمر لولايتين أخريين حتى عام 2036. وذلك ما أثار حفيظة المعارضة الليبرالية فى الداخل، والغالبية الساحقة من الدوائر الغربية فى الخارج.

ويذكر المراقبون أن الجدل يحتدم حول هذه القضية منذ عام 2007 أى قبيل انتهاء الولاية الثانية والأخيرة للرئيس فلاديمير بوتين، وعقب إعلان بوتين حول انه لن يُقْدِم على إجراء أى تعديلات دستورية من شأنها ان تمنحه الفرصة لفترة ولاية ثالثة فى عام 2008. غير أن ما فاجأ به بوتين مواطنيه فى الداخل، والأوساط السياسية والدبلوماسية فى الخارج بالإعلان عن «ترشيح» رفيقه وتلميذه دميترى ميدفيديف خلفا له فى الرئاسة، آثار الكثير من الجدل فى حينه، وإن توقع العالم آنذاك ان ذلك لم يكن سوى خطوة فى اتجاه عودته الى سدة الحكم فى الكرملين فى عام 2012. وتداول الكثيرون فى الداخل والخارج هذه الأخبار بوصفها «توريثا» على طريقة بوتين، وهو ما قبله البعض على مضض، وإن توقع آخرون احتمالات «عدم تحقيق بوتين لأمنياته حول العودة الى سدة الحكم فى الكرملين». وكشفت المصادر عن الكثير من محاولات الرئيس السابق دميترى ميدفيديف النكوص عما وعد به أستاذه ورئيسه فلاديمير بوتين بالتخلى عن الحكم مع انتهاء تاريخ فترة الرئاسة، وهو ما راح يعمل من اجله اعتبارا من العام الثانى لولايته والتى واكبت بداية سنوات حكم الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما الذى طالما أعرب عن ترحيبه وارتياحه للتعامل مع ميدفيديف. ويذكر الكثيرون فى الداخل والخارج أيضا تلك الأجواء «الليبرالية» و«الانفراجة الديمقراطية التى شهدتها الساحة السياسية الروسية آنذاك، فى وقت تضاءلت فيه خلافات الأوساط ذات الميول الموالية للغرب مع النظام الحاكم فى الكرملين. وتعالت الأصوات الموالية لميدفيديف تنادى بمنحه الفرصة لفترة ولاية ثانية من أجل استكمال مشروعه «الليبرالى الديمقراطي»، وهو ما لم يكن يروق لرئيس الحكومة فلاديمير بوتين ورفاقه من معسكر القوميين فى روسيا. وفى محاولة للالتفاف حول ما خلص إليه بوتين بعد عودته الى الكرملين فى عام 2012 من قرارات ومخططات تحفظ للدولة الروسية مكانتها ومواقعها التى تستحق على خريطة السياسة الدولية، تحولت الإدارة الأمريكية إلى ما سبق وكشفت عنه من خطط نجحت فى تنفيذ بعضها فى عدد من بلدان الفضاء السوفيتى السابق، ومنها جورجيا وأوكرانيا وقيرغيزيا. وجنحت واشنطن وحلفاؤها من بلدان الاتحاد الأوروبى صوب مواصلة تدخلها فى الشئون الداخلية لبلدان المنطقة، ومنها أوكرانيا برعايتها لثورتها البرتقالية.

وهكذا تحولت الأطراف المعنية الى «اللعب على المكشوف». فقد أعلنت واشنطن والدوائر الغربية توجهاتها التى كانت ولا تزال تستهدف الإطاحة بنظام الرئيس بوتين، ومواصلة نهج الناتو فى التوسع شرقا، والتهام ما بقى من بلدان الاتحاد السوفيتى السابق، ما دفع الجانب الروسى إلى الاتجاه المعاكس بإعلانه ضم شبه جزيرة القرم ورعاية توجهات عدد من مقاطعات جنوب شرق أوكرانيا التى أعلنت انفصالها عن أوكرانيا من جانب واحد، فضلا عن مواصلة تدعيم قواته المسلحة وتحديث أسلحته بما تجاوزت معه مستوى تسلح بلدان الناتو، حسب تصريحات الرئيس فلاديمير بوتين. وعادت موسكو الى دعم حليفتها بيلاروس التى كادت تروح ضحية مخططات الإطاحة برئيسها ألكسندر لوكاشينكو فى صيف عام 2020. غير ان لوكاشينكو سرعان ما عاد عن «محاولات اللعب على كل الحبال»، وتوقف عن غزله مع الدوائر الغربية، ليعود إلى أحضان الشقيقة الكبرى روسيا التى وجد فيها السلوى والملاذ.

وبمقتضى قواعد «اللعب على المكشوف»، بدأ كل من الجانبين ترتيب أوراقه ومواقعه من خلال الكثير من الإجراءات التى تخلص بوتين بموجبها من «رفيق العمر» دميترى ميدفيديف، الذى «استقال» او «أقيل» من منصب رئيس الحكومة فى إطار ما جرى إقراره من تعديلات دستورية ، وترضيته بمنصب شبه إدارى كنائب لرئيس مجلس الأمن القومى الروسي، فى نفس الوقت الذى استطاعت فيه القوى الموالية للجبهة الشعبية والحزب الحاكم إعداد ما يلزم من اجل فوز مرشحيهما بالغالبية الساحقة من الأصوات فى الانتخابات التشريعية بما يكفل لها الأغلبية الدستورية فى مجلس الدوما، والمجالس المحلية النيابية، ومناصب المحافظين فى معظم الأقاليم والمقاطعات. وما أن تحول الجانبان الروسى والأمريكى ومعهما الاتحاد الأوروبى إلى البحث عما من شأنه تخفيف حدة التوتر والبحث عن الحلول السلمية للخلافات القائمة، حتى خرج كل من ستيفن كوهين وجو ويلسون عضوى الكونجرس الأمريكي، للتقدم بمشروع القرار الذى أشرنا إليه عاليه.

وقد انتفض الكرملين ومعه مجلسا الاتحاد والدوما للرد على هذا المشروع الذى اعتبره دميترى بيسكوف الناطق الرسمى باسم الكرملين «تدخلا سافرا فى الشئون الداخلية لروسيا». ومن جانبه قال فياتشيسلاف فولودين رئيس مجلس الدوما «إنه ليس من حق أعضاء الكونجرس الأمريكيين تقرير من سيكون رئيس روسيا». وأضاف قوله «إن روسيا لا تتدخل فى انتخابات الولايات المتحدة، وعلى الأمريكيين أن يفعلوا الشيء نفسه بعدم التدخل فى الانتخابات الروسية. وخلص الى تأكيد أن الروس اتخذوا الخيار الصحيح بانتخاب بوتين على رأس الدولة. اما قسطنطين كوساتشوف نائب رئيس مجلس الاتحاد فقد سارع الى ادانة مبادرة كوهين وويلسون التى اعتبرها «تدخلاً فى الانتخابات الرئاسية فى روسيا وفى الشئون الداخلية للدولة». وقال ما نصه:«هذا «استفزاز يهدف إلى تعطيل التطبيع الناشئ للعلاقات الثنائية». ونقلت وكالة «سبوتنيك» الحكومية الروسية عن فلاديمير جباروف النائب الأول لرئيس لجنة الشئون الخارجية لمجلس الاتحاد، تصريحاته حول «إنه إذا تم تبنى هذا القرار، فقد يؤدى ذلك إلى قطع العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة». ونقلت وكالة أنباء «سبوتنيك» عن السفارة الروسية فى واشنطن ما صدر عنها من تصريحات تنتقد فيها البيان الصحفى الذى أصدره عضوا الكونجرس الأمريكى ووصفته بأنه «محاولة من جانبهما للانخراط فى الدعاية الذاتية على حساب حالة إرهاب الروس، محكوم عليها بالفشل» على حد تعبيرها. وقالت السفارة «إن الوقت قد حان للمشرعين لمعالجة الوضع فى الداخل (الأمريكي)، بدلاً من محاولة التدخل فى الشؤون الداخلية لروسيا».

ومن اللافت فى هذا الصدد تكرار انخراط الكونجرس الأمريكى فى حملات العداء لموسكو على مدى عقود طوال، واستصداره القوانين التى يشهرها سلاحا فى حملاته المعادية لروسيا. ويذكر التاريخ العديد من هذه القوانين التى طالما كانت حجر عثرة على طريق تطبيع العلاقات بين البلدين، ومنها «تعديل» جاكسون وفينيك الذى أصدره الكونجرس الأمريكى بمبادرة من عضوى الكونجرس هنرى جاكسون وفينيك ضد الاتحاد السوفيتى السابق حول فرض القيود على التجارة مع الاتحاد السوفيتي، عام 1974، بسبب «تقييد حرية هجرة اليهود السوفيت» آنذاك. ورغم إطلاق حق هجرة اليهود السوفيت، بل واستئناف العلاقات الدبلوماسية بين الاتحاد السوفيتى وإسرائيل قبل زوال الاتحاد السوفيتى فى عام 1991، فقد ظل «التعديل» قائما منذ 1974 حتى عام 2012 تاريخ إلغائه إبان سنوات ولاية الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما. ومن سخريات القدر فى هذا الشأن ان أوباما الذى بادر بإلغاء تعديل «جاكسون وفينيك»، عاد وأقر ما يسمى قانون «ماجنيتسكي» الذى صدر عن الكونجرس الأمريكى بمبادرة من الحزبين الجمهورى والديمقراطي، وحمل اسم المحامى الروسى الذى قضى نحبه فى السجن. وينص القانون على فرض عقوبات سياسية واقتصادية على عدد من كبار الشخصيات الروسية التى اعتبرها مسئولة عن وفاة ماجنيتسكى فى السجون الروسية. وها هو الكونجرس فى سبيله إلى مناقشة قانون آخر يحمل طابع العداء لروسيا وقياداتها السياسية، تكريسا لتقليد تواصل سياسات العداء من جانب الإدارة الأمريكية والإبقاء على القيود، أياً كانت توجهاتها ومضامينها، فى العلاقة مع روسيا، تحت شتى الذرائع وبموجب مختلف المبررات.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق