-
بياتو رائد توثيق «الكباش» عبدالله قديس من مصورى الأقصر الأوائل
لأكثر من ألف عام، كانت رحلة إنشاء ملوك مصر القديمة طريق الكباش، بداية من الملكة حتشبسوت التى كانت أول من قام بتمهيد الطريق مرورا بتوت عنخ آمون وأمنحتب الثالث، وصولا إلى الملك نختنبو الأول. وهى الرحلة التي سيتمكن المرء من التعرف على تفاصيلها بمجرد الاطلاع على معرض الصور المزين لجانبى «طريق الكباش» بصوره الـ ٧٣ .
ومع قصة التشييد، سيتمكن المرء من متابعة فترة زمنية بالغة الأهمية من تاريخ الأقصر، وتمتد إلى نحو مائة عام من خلال اللوحات المصورة، الخاصة بتاريخ أعمال الكشف عن طريق الكباش، والهيئة التى كانت عليها الآثار المصرية بالأقصر، قبل بدء أعمال الكشف عن المنطقة الآثرية بالقرن التاسع عشر.
التقت «الأهرام» بالدكتور فرانسيس أمين، الباحث التاريخى، وصاحب أكبر مجموعة من الصور النادرة الخاصة بتاريخ الاكتشافات الأثرية بالأقصر، الذى قام بإهداء وزارة السياحة والآثار مجموعة كبيرة من الصور التى تم استخدامها فى معرض الصور المفتوح على جانبى طريق الكباش.
الرواد الأجانب فى الأقصر
يقول الدكتور فرانسيس إنه على مدى أعوام حياته، قام بجمع الآلاف من الأفلام الخاصة بالصور التى توثق للآثار المصرية، ووقائع الحياة بالأقصر، بداية من الجيل الأول للمصورين الأجانب، الذين قاموا بتصوير الأقصر. والبداية كانت بالمصور الإيطالى الشهير أنطونيو بياتو، الذى جاء إلى الأقصر وافتتح محلا خاصا بالتصوير فى عام 1862 وتوفى 1906.
وتمكن بياتو من التقاط صور مهمة جدا لتاريخ الأقصر قبل أن تبدأ عمليات اكتشاف الآثار بها. وقد اعترف عالم الآثار الفرنسى الشهير ماسبيرو بأهمية أرشيف الصور الخاص ببياتو، لما قام به من عملية توثيق للأقصر فى تلك الفترة، فعمليات الحفاظ على الآثار وصيانتها لم تبدأ بشكل منهجى وقانونى منظم إلا مع إنشاء مصلحة الآثار عام 1858، ومع تعيين أوجست مارييت، الشهير بمارييت باشا، ناظرا لمصلحة الآثار .
وقد كان لبياتو تلاميذ فى مجال التصوير من أبناء الأقصر، وأهمهم عبد الله قديس، الذى عمل معه سنوات وتعلم منه مهنة التصوير، وأصبحت مهنته التي اشتهرت بها عائلة قديس الأقصرية. وقد قام عبد الله قديس عام 1912، بالتعاون مع صديق سيف بإنشاء مركز «قديس وسيف» للتصوير عام 1912 إلا أنهما انفصلا عام 1939. وأصبح لكل منهما مكانه الخاص للتصوير، وقد تمكن قديس من توثيق فترة تاريخية مهمة من تاريخ الأقصر .
وعن الجيل الثانى من المصورين الأجانب فى الأقصر، يوضح فرانسيس للأهرام أنه ظهر بقوة بعد اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون. وقد كان أحد أهم مصورى هذا الجيل، هنرى ليشتر، الذى وصل إلى مصر عام 1910، ومن القاهرة انتقل إلى الأقصر، ومعه علوم وفنون مدرسة متطورة فى مجال التصوير. وافتتح الأستوديو الخاص به أمام أحد الفنادق الشهيرة بالأقصر وقتها، وعمل مع مركز «شيكاغو هاوس»، الخاص بدراسة المصريات والتابع لجامعة شيكاغو. وقد ظل المصور الخاص بهم فى الفترة من عام 1929 حتى وفاته عام 1940.
قال الدكتور فرانسيس: «تمكنت من خلال علاقاتى بعائلة العادلى التى كانت تتعاون مع ليشتر، وورثت منه أصول مهنة التصوير، من شراء جميع أفلام النيجاتيف التى قام بتصويرها للأقصر، والتى كانت من بينها بالطبع صور خاصة بطريق الكباش».
أعمال الحفر .. كما توثقها صور لا تقدر بثمن
العنصر البشرى.. بطل الصورة
ومن بين آلاف الصور التى قام بتجميعها على مدى السنين، نجح فى اختيار 65 صورة مختلفة لأعمال الحفر بطريق الكباش ليتم وضعها ضمن مجموعة العرض المتحفى على الطريق، ومن بينها أول صورة تم التقاطها وتظهر بها «الكباش»، وهى صورة خاصة بـ«ماكسيم دو كام»، التقطها عام 1849 وتظهر بها الكباش الموجودة أمام معبد خنسو.
وتضاف إلى ذلك مجموعة أخرى من الصور الخاصة بالكباش، التى تعود لانطونيو بياتو والتى تظهر بها الكباش الموجودة فى مدخل الكرنك فى مراحل مختلفة. فتظهر أجزاء كبيرة منها مدفونة تحت طبقات الطمى قبل أعمال الحفر والاكتشاف. وصور أخرى تظهر بها الكباش وهى مغمورة بالمياه أثناء موجات الفيضان، بينما تسبح الدواب مثل الأبقار والجاموس فى المساحات المملوءة بالماء بجوار الكباش.
ومن بين الصور شديدة الجمال وعظيمة القدر بالنسبة لأهميتها التوثيقية، كانت تلك التى اعتاد السائحون على التقاطها لطريق الكباش ولمعبد الكرنك من أعلى البليون الأول، التى تكشف عن دقة وجمال إبداع المصرى القديم والتناسق الشديد بين المكونات المختلفة للمعبد. وقديما كان هناك «مدق» وطريق صاعد، يصل السائحون من خلاله إلى أعلى البليون الأول لالتقاط الصور، ولكن تم إغلاقه منذ الستينيات .
ويؤكد فرانسيس أن من أهم ما توصل له فى عملية البحث بين أرشيفات الصور القديمة، كانت العلاقة بين العنصر البشرى، وخاصة العمال، مع الكباش، وتحديدا لحظة الكشف الأول عن تمثال «الكباش». فكان يتم توثيق العامل فيما يقوم باحتضان التمثال الذى تم الكشف عنه لتوه، ولكن بحرص شديد.
ووثقت هذه الصور عمليات الحفر والاستكشاف، التى بدأها العالم الأثرى زكريا غنيم، ومن بعده العلماء الأثريون الدكتور محمد عبد القادر، ثم محمد عبد الرازق، وصولا للدكتور محمد الصغير والدكتور منصور بريك، والدكتور مصطفى الصغير حاليا. وتدل تلك الصور على مقدار الجهد الذى تم بذله من أجل الوصول إلى «الكباش»، وهى ضمن أهم الآثار المصرية التى تعرضت لكثير من الأضرار بسبب سلوك الأهالى وجهلهم بأهمية تلك التماثيل ومحيطها الأثرى، ولكنْ علم وإصرار العلماء وتعاون الأجيال الواعية من أبناء الأقصر مهد إلى تتويج جهود دامت 70 عاما لإعادة «طريق الكباش» إلى الحياة وإلى العالم بدءا من يوم الخميس المقبل فى حفل عالمى يليق بها وبتاريخ الأقصر ومصر.
رابط دائم: