رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مواجهة التحديات ترسم مستقبل الحكومة اليابانية الجديدة

فاطمة محمود مهدى
الاشادة بفوميو كيشيدافي مجلس النواب بعد اختياره رئيسا للوزراء

التحديات أمام الحكومة اليابانية الجديدة عديدة ، ولقد بدأت بالفعل فى فتح ملفات مهامها من أجل تحقيق نقلة نوعية فى الشأن اليابانى داخليا وخارجيا، بعد فوز الائتلاف الحاكم فى الانتخابات الوطنية، وتعهدت الحكومة الجديدة بتنفيذ برنامج طموح يتناسب مع الأهداف المرجوة لدولة تمثل ثالث أكبر اقتصاد.

وكان رئيس الوزراء السابق يوشيهيدى سوجا، قد أضطر للتنحى بعد عام واحد من توليه المنصب، نتيجة الاستياء الشعبى وعدم الرضا من أدائه فى مواجهة كورونا وتداعياتها. ولذلك فإن الاختبار الأول للحكومة الجديدة هو نجاحها فى إدارة ملف الجائحة، وتعزيز قدرة الدولة فى دعم المشروعات الصحية ،هذا إلى جانب ملفات النمو الاقتصادى، والاستقرار السياسى، والأمان الاجتماعى،وهى ملفات تحتاج إلى إعداد خطط تفصيلية لتحقيق التنمية المنشودة. وقد وضع فوميو كيشيدا رئيس الوزراء اليابانى الجديد، الذى انتخب كزعيم جديد للحزب الليبرالى الديمقراطى فى نهاية سبتمبر الماضي، هذه القضايا على قائمة أولوياته ،بعدما قاد حزبه وشريكه فى الائتلاف «كوميتو» للفوز فى الانتخابات الوطنية، وهو ما ضمن له تشكيل حكومة جديدة، وشمل التشكيل الوزارى الجديد أكثر من عشرة وجوه تتولى مناصب وزارية لأول مرة، وتم الإبقاء على الحقائب الأهم فى أيدى وزراء الحكومة السابقة ذاتهم، وضمت الحكومة ثلاث نساء تولين مناصب وزارة التطعيم ووزارة القطاع الرقمى، ووزارة معنية بالتعامل مع مسألة تراجع معدل المواليد، ويرى الخبراء أن حكومة كيشيدا تهدف إلى التوازن و تعكس شخصيته فى حرصه على عدم خلق أعداء.

فوميو كيشيدا ــ64 عاما ــ رئيس الوزراء الجديد رقم 100 فى تاريخ اليابان، قال عن توليه المنصب: «أعتقد أنها ستكون بداية جديدة بالمعنى الحقيقى للكلمة. أريد أن أتعامل مع التحديات بعزيمة قوية وعزم ثابت لمواجهة المستقبل». وتعهد رئيس الوزراء اليابانى بالعمل على برنامجه الاقتصادى بشكل فورى، بعد فوزه فى الانتخابات، وانعكست نتيجة فوزه إيجايباً على الأسواق. وأشار كيشيدا إلى تنفيذ حزمة «واسعة النطاق لتحفيز الاقتصاد» دون أن يحدد تكلفتها. وجدير بالذكر أنه قد أقرت حكومة شينزو آبى السابقة أكبر حزمة تحفيز اقتصادى فى البلاد بلغت 108 تريليونات ين.

ونقلت وكالة «بلومبرج» للأنباء عن كيشيدا القول ، أنه سيتم تعزيز الإعفاءات الضريبية للشركات التى ترفع الرواتب، إضافة إلى أنه سوف يسعى إلى تمرير ميزانية إضافية فى أقرب وقت ممكن وجعل الاستثمار فى الطاقة النظيفة له الأولوية.

وتهدف الخطط التفصيلية لتحفيز الاقتصاد إلى العودة لمعدلات النمو العالية التى كان عليها الاقتصاد اليابانى، حيث يبلغ الناتج القومى لليابان حاليا نحو 4.9 تريليون دولار سنوياً. ويسعى كيشيدا إلى رسم طريق نحو رأسمالية يابانية جديدة، تقوم على تقوية وتعزيز دور الطبقة الوسطى فى المجتمع الياباني، من خلال تطبيق خطة للتعامل مع الفوارق التى فاقمتها السياسات الداعمة للأعمال التجارية التى اتبعها رئيس الوزراء السابق سوجا، والعمل على توزيع عادل ومحفز لأرباح الشركات، بحيث تستفيد الطبقة الوسطى مثل العاملين بتلك الشركات من الأرباح المحققة لأصحابها، من أجل تقليل الفجوة بين الأغنياء والفقراء، كما تنتهج سياسة كيشيدا الاقتصادية تحفيزكل عناصر العملية الإنتاجية والاستهلاكية، ودعم عمليات التحول الرقمي، والاستثمار فى التكنولوجيا، وينظر الخبراء إلى سياسة كيشيدا على أنها امتداد لسياسة رئيس الوزراء الأسبق، شينزو آبى.

وبشكل عام، أظهرت بيانات اقتصادية ارتفاع مؤشر مشتريات قطاع التصنيع فى اليابان خلال أكتوبر الماضي، وزيادة الصادرات الجديدة لقطاع التصنيع، مما يعد نموا للنشاط الاقتصادى، وتحسن بالإنتاج بعد أشهر من التراجع. كما ارتفع مؤشرالمبيعات بزيادة الطلب وذلك بفضل رفع القيود المرتبطة بمواجهة فيروس كورونا المستجد، رغم استمرار الضرر من التأخيرات المستمرة فى سلاسل الإمداد وهى أزمة عالمية.

ولايمكن أغفال حقيقة ،أن الوباء أدى إلى أكبر ركود اقتصادى باليابان على الإطلاق، حيث انكمش الاقتصاد اليابانى بنسبة 27.8% سنويا، ولذلك يجب على الحكومة الجديدة أن توازن بين إجراءات احتوائها لكورونا وإعادة إنعاش الاقتصاد، عند التعامل مع تحدى إصلاح المنظومة الصحية ،وقد قررت الحكومة اليابانية الجديدة وضع خططاً لحزمة إنفاق مرتبطة بالوباء، وتعزيز قدرة المنظومة الصحية لعلاج مرضى كوفيد 19، ودعم مشروعات الرعاية الصحية بشكل عام، كما ستبدأ اليابان فى إعطاء سكانها جرعات معززة من لقاحات كوفيد اعتباراً من ديسمبرالمقبل. ونشرت وكالة «بلومبرج» عن كيشيدا القول «بأنه من المحتمل تسريع عملية تشكيل لجنة للنظر فى زيادة رواتب الممرضات وغيرهم فى قطاع تقديم الرعاية الصحية خلال الأيام القليلة المقبلة، وسوف يتم الكشف عن أحدث الخطط للتعامل مع وباء كورونا بحلول منتصف الشهر الحالى».ومن القضايا التى يجب على الحكومة الجديدة معالجتها ،تطبيق شبكة فعالة للأمان الاجتماعى، وإعادة النظرفى شبكة الرعاية الاجتماعية، ودعم الشباب. والتعامل مع التحديات التى تفرضها الأزمة الديموجرافية المتزايدة فى اليابان الناتجة من تدنى معدل المواليد، وتزايد معدل الشيخوخة السكانية، ولذلك تم تعيين وزارة تختص بهذا الشأن لحل المشاكل المترتبة على هذه الازمة .وهناك بعض القضايا التى يجب على الحكومة الجديدة إتخاذ خطوات لحلها مثل تقلص القوى العاملة، وتدنى الترتيب العالمى لليابان فى تمكين المرأة.

ولقد شارك كيشيدا فى قمة «كوب 26»، وهى أول مناسبة دولية يشارك فيها بصفته رئيساً للوزراء، وأكد التزام اليابان بالأهداف المناخية،وتوليها دوراً ريادياً فى العمل باتجاه صفر انبعاثات فى آسيا، وسوف تشمل خطط كيشيدا للطاقة النظيفة تقديم الدعم المالى للدول الآسيوية، وإنشاء محطات شحن للسيارات الكهربائية وتصنيع البطاريات، وكذلك التمسك ببلوغ الحياد الكربونى بحلول عام 2050 .

وهناك تحديات إقليمية ودولية لايمكن تجاهلها تواجه الحكومة اليابانية الجديدة،من أبرزها الخلافات اليابانية الروسية على جزر الكوريل التى سيطر عليها الاتحاد السوفيتى السابق، أثناء الحرب العالمية الثانية، والتى رفض كيشيدا من قبل التوقيع على اتفاقية سلام تنهى هذا الخلاف مع موسكو، وكثيراً ما تحدث كيشيدا عن سيادة بلاده على الجزر الأربع التى يطلق عليها الأقاليم الشمالية، ولكن خبرة كيشيدا فى السياسة الخارجية كونه وزير خارجية سابقا، تعطى فرصة لتفعيل المفاوضات مع روسيا حول هذه القضية. وعلى الجانب الآخر تطالب الصين باستعادة جزر سينكاكو الواقعة فى بحر الصين الشرقى و تحت سيطرة اليابان، وهناك الخلافات اليابانية مع كوريا الشمالية على خلفية البرامج النووية والصاروخية لكوريا الشمالية، وقضية اليابانيين المختطفين فى كوريا الشمالية منذ السبعينيات والثمانينيات، بالاضافة إلى الخلاف التاريخى بين كوريا الجنوبية واليابان حول قضايا عالقة منذ الاحتلال اليابانى لها.

وانضمام اليابان ضمن تحالف «كواد» الذى يضم الولايات المتحدة والهند وأستراليا، يوجب عليها التعامل مع قضايا شائكة مثل الأوضاع فى تايوان، وضمان حرية الملاحة فى بحر الصين الشرقى وبحر الصين الجنوبي، ومنع القرصنة، وهو ما دفع اليابان لتوسيع مفهومها للمادة التاسعة من الدستور، الخاصة بمشاركة القوات اليابانية فى عمليات عسكرية فى الخارج، والقتال من أجل الحلفاء عبر المساهمة فى عمليات حفظ السلام.

ومن أكبر التحديات التى تواجه السياسة الخارجية اليابانية، ضرورة عمل توازن فى العلاقات بين اليابان والصين «أكبر شريك تجارى» وأمريكا «أقوى حليف أمنى»، ولقد تم إجراء محادثة هاتفية بين جو بايدن الرئيس الأمريكى ورئيس الوزراء الياباني، أكدا فيها أن تحالف البلدين هو حجر الزاوية للسلام والازدهار فى منطقة المحيطين الهندى والهادى،كما قام الرئيس الصينى شى جين بينج بإجراء محادثة هاتفية مع رئيس الوزراء اليابانى، وأشار شى خلال المحادثة إلى أن الصين واليابان جارتان قريبتان، وأكد أن حسن الجوار هو كنز أى بلد. وأن الحفاظ على العلاقات الودية والتعاونية بين الصين واليابان وتطويرها يتماشى مع المصالح الأساسية للبلدين وشعبيهما، ويفضى إلى تحقيق السلام والاستقرار والرخاء فى آسيا والعالم. وأكد كيشيدا أنه فى ظل الظروف الدولية والإقليمية الحالية، تدخل العلاقات اليابانية الصينية عصرا جديدا.يمكن من إدارة خلافاتهما من خلال الحوار، و أن اليابان مستعدة للعمل مع الصين لمواصلة تعزيز التعاون الاقتصادى .

ويبقى نجاح الحكومة اليابانية الجديدة مرهونا بمدى تعاملها مع ملفات التحديات الداخلية، واداراتها للأزمات مثل مواجهة الجائحة، وإنعاش الاقتصاد، وكذلك ممارستها لسياسة خارجية تعتمد على الدبلوماسية، والموازنة بين الأولويات الأمنية والاقتصادية، بما يحقق لها مكانة ريادية بين دول العالم.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق