محمد بن عيسى أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة فى المغرب أحد أبرز المثقفين والسياسيين فى الوطن العربى، شغل منصبى وزيرى الخارجية والثقافة فى المغرب، وأسس «منتدى مهرجان أصيلة للفنون والثقافة والفكر”، فى عام 1978 ليكون « هايد بارك « العرب يجمع فيه رموز الفكر والأدب والسياسة لتعزيز الحوار بين الثقافات والحضارات ،عاش وتعلم فى مصر فى طفولته وارتبط بعلاقة خاصة بها.
فى حواره مع الأهرام، يروى بن عيسى شهادته عن الواقع العربى السياسى والثقافى، ودور منتدى أصيلة الثقافى فى التقريب بين الثقافات وتفاعل الأفكار، ومعرض مفتوح للفنون، ودورالثقافة والفن فى خدمة التنمية..وإلى تفاصيل الحوار..
أكثر من أربعة عقود على انعقاد منتدى أصيلة فما سر استمراريته طوال هذه الفترة؟
العنصر البشرى أساس استمرار أى شىء بجانب العنصر التنظيمى، فالمؤسسة التى لها مورد دخل ثابت تبقى وتتواصل. ولعل استمرار منتدى أصيلة السنوى يتوقف على من سيخلف الجيل الحاضر ممن يعملون فى مؤسسة المنتدى، وكذلك إلى أى حد سيكون هناك موارد ثابتة تتولى منها المؤسسة الصرف على متطلباتها كرواتب الموظفين والعمال، غيّرت جائحة كورونا الكثير فى العالم، وفى المنتدى فبسببه تقلصت مواردنا نسبة 80%. ونحن الآن نعيش على الديون حتى لا نوقف الموسم الثقافى السنوى.
قضايا العام االحالى
حفل هذا الموسم بالعديد من الأنشطة والندوات التى تؤكد الشراكة بين دول المغرب والساحل وكذلك مستقبل العروبة فى عصر التحولات الإقليمية والدولية.. لماذا تم اختيار هذه القضايا؟
منذ بدايتنا فى أواخر السبعينيات كنا نشعر بأنه لابد أن يكون هناك حوار ثقافى وتبادل آراء بين النخب، خاصة فى «عالم الجنوب»، العربية والإفريقية والآسيوية وأمريكا اللاتينية ، وكذلك مع نخب الشمال فى مكان يتمتع بظروف الحرية والأمن، يعبر فيه الإنسان عن آرائه بدون قلق، لذلك تم اختيار مدينة أصيلة مسقط رأسى وفيها عائلتى وجدودى، حيث فكرت أنا وصديقى الفنان التشكيلى الراحل محمد المليحى فى تأسيس هذا المنتدى. أنا تعلمت فى مصر وعملت فى أمريكا ودول إفريقيا السوداء ووصلت إلى قناعة كاملة بأنه لابد أن يكون لنا فى العالم العربى وإفريقيا بقعة يتحدث فيها الناس بعقولهم وقلوبهم وتكون خالية من الخوف. كان عندى حلم ومازلت أعتقد أن الثقافة مورد مثل البترول .. ومصر خير مثال على ما أقول. فقد عاشت مصر فترات كانت تدخل إليها موارد من الفن والثقافة أكثر من أى موارد أخرى.كما تعمل هوليوود فى أمريكا لها موارها أكثر من شركات عملاقة فى مجال السيارات فى العالم. رفعنا شعار «الفن من أجل التنمية»، كان غرضنا من الشعار أن نبدأ فى صناعة جيل جديد ونشر الوعى لدى المواطن بأهمية الإبداع والثقافة.
كيف يمكن أن نكرر تجربة أصيلة فى دول عربية وإفريقية أخرى؟
هذا السؤال يطرح دائما، التجربة ليست وعاء تحمله لمكان آخر .. كل تجربة تعيش فى بيئتها بمحاسنها ومساوئها إذا نقلتها إلى مكان آخر قد تعيش وقد لا تعيش.
واقع الثقافة العربية
كيف ترى واقع الثقافة فى عالمنا العربى الآن؟
أرى الواقع الثقافى مثل الواقع العربى .. فى بعض الأحيان تكون رؤيتى منعدمة . يوجد ضباب كثيف، الأزمات متداخلة، ليست هناك أزمة واحدة لها خصوصيتها ولا تؤثر فى الآخرين، الشعوب حينما تعانى فإن أول ما يعكس ذلك هو ثقافتها، لذلك نجد أن النخب تكون هى أول من ينهض وأول من يذوى.
هل تتفق مع من يرى تراجع دور النخب وانصراف الشباب ؟
ليس فقط تراجعاً،وإنما هناك نوع من التهميش والتخلى عن النخب من جانب السياسيين خلافا لما كان فى الماضى منذ نحو خمسين سنة، حينما كانوا يبحثون عن الأسماء والكفاءات الفكرية التى يحبها الناس وينبهرون بأفكارهم. الحاصل الآن فى العالم العربى هو العكس نتيجة الظروف .. فأى عالم عربى نتحدث عنه الآن؟ إنه عالم ممزق فيه حروب كثيرة، وحالة إفلاس فى عدد من دوله، لا أعتقد أن هناك من يعرف ماذا سيحدث غدا فى قادم الأيام ؟ وهذا هو موضوع ندوة "الديمقراطية وماذا سيكون مصير العروبة" خلال هذه الدورة. أى وطن عربى نتحدث عنه؟وأين هى حدوده، هذه أسئلة قد لانجد لها جوابا الآن، ولكنها تنذر بأن هذا الوجود فى خطر.أبناؤنا الصغار وأحفادنا قد لايعرفون العربية ، الهويات أصبحت متداخلة، حيث نلاحظ الآن ذوبان الهوية المحلية ولا أقول حتى القومية، هذا هو الموضوع .
دور الجامعة العربية
من خلال خبرتكم الطويلة كوزير خارجية سابق ــ كيف ترى دور الجامعة العربية فى تحقيق التنمية فى الوطن العربى وسبل تطويره؟
لقد ربطتنى بالأخ عمرو موسى علاقة أخوة وصداقة طيبة جدا،و قلت له ذات مرة ..هل تتخيل نفسك فرعون العرب فتترك شيئا مثل الذى تركه الفراعنة من إرث عظيم؟ ..فقال كيف؟ فقلت له :أن تترك شيئا مثلما ترك الفراعنة الأهرامات وأبو الهول وذلك إذا استطعت أن تحول الجامعة العربية إلى برنامج مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائى (UNDP) بدلا من الكلام عن الدفاع والتعاون المشترك، وهو أن نمحو الأمية من العالم العربى خلال عشر سنوات ونخصص 5 مليارات دولار لهذا الغرض مثلا، وتوفير السكن اللائق للمواطن العربى،ثم بعد مرور السنوات العشر نستطيع أن نتحدث عن التعاون المشترك.
ترتبط مصر والمغرب بعلاقات متميزة على جميع الأصعدة .. كيف يمكن دعم وتطوير العلاقات الثقافية ؟
هذا التعاون كان قائما فى فترة زمنية مضت مع عدة مواقع وجمعيات فى المغرب واتحاد الكتاب ومع منتدى أصيلة، معظم العقول المصرية مثل لطفى الخولى ، لويس عوض، إحسان عبدالقدوس ، فاروق حسنى وغيرهم كثر حضروا إلى أصيلة. الحقيقة أن هذا الموضوع يجب التعامل معه بجدية، خاصة الجسر الثقافى بين مصر والمغرب يجب أن يعود ترميمه وتقويته.نحن الآن نعيش ظروفا صعبة تهدد الكيان، مايجرى فى ليبيا وفى تونس وما يجرى أيضا فى الجزائر ومنطقة الساحل .أعتقد أن المغرب ومصر يمكنهما أن يلعبا دورا كبيرا فى إفريقيا بحكم أنهما أقدم دولتين مؤثرتين فى القارة. هذا الأمر الذى يجب أن يؤخذ مأخذ الجد.
رابط دائم: