يرافقه كظله منذ بدء تكوينه فى رحم أمه وحتى الشباب، واضعا بصمته القوية على جميع مناحى حياته، يؤثر فى صحته الجسدية والعقلية، وأحيانا يكون المحرك الفعلى لقراراته المستقبلية. إنه «التغير المناخى»، تلك القضية غير العادلة التى نشأت نتاج ممارسات خاطئة لأجيال سابقة، ويحصد ثمارها «الفاسدة» أجيال أخرى لا ذنب لهم فى شىء، لكنهم بالتأكيد سيدفعون الثمن باهظا جدا.
الخسائر المادية لتغير المناخ مثل حرائق الغابات والعواصف الوحشية وموجات الحرارة التى لا تنضب، أصبحت الخلفية لكوابيس بعض الأطفال فى أحلامهم، وهى أيضا جزء من الواقع الذى سيواجهونه كأشخاص بالغين، فمع تفاقم حالات الجفاف والفيضانات التى تؤدى إلى تدهور إنتاج الغذاء، سيتحمل الأطفال العبء الأكبر من الجوع وسوء التغذية، ومع ارتفاع درجات الحرارة، إلى جانب ندرة المياه وتلوث الهواء، سيشعر الأطفال بأخطر تأثير للأمراض التى تنقلها المياه وأمراض الجهاز التنفسى الخطيرة. ونظرا لأن العالم يشهد ارتفاعا مطردا فى الهجرة المدفوعة بالمناخ، فإن حياة الأطفال ومستقبلهم سيكونان الأكثر اضطرابا.
فى أغسطس الماضى، أفادت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) أن نصف أطفال العالم البالغ عددهم 2.2 مليار طفل معرضون «لخطر شديد للغاية» من آثار تغير المناخ، كما أظهر تحليل جديد نُشر مؤخرا فى مجلة «العلوم» أنه فى ظل السياسة المناخية الحالية، فإن الأطفال المولودين فى عام 2020 سيواجهون فى المتوسط موجات شديدة الحرارة خلال حياتهم أكثر بسبع مرات من أجدادهم، بالإضافة إلى ذلك، سيتعرضون فى المتوسط لـ 2.6 مرة من حالات الجفاف، و 2.8 ضعف عدد فيضانات الأنهار، وما يقرب من ثلاثة أضعاف عدد المحاصيل الفاسدة، وضعف عدد حرائق الغابات، مقارنة بالأشخاص الذين ولدوا قبل 60 عاما!
ليس هذا وحسب، فقد أشار التحليل أيضا إلى أن العبء الأكبر لهذه الآثار الخطيرة لأزمة المناخ، سيتحملها الأطفال فى البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، والأطفال الأكثر ضعفا بما فى ذلك أولئك الذين يعيشون فى ظل النزاع، والأطفال الأكثر تضررا من فيروس كورونا، والذين يعانون عدم المساواة والتمييز. وحسب ما لاحظ مركز التنوع البيولوجى فى ولاية أريزونا الأمريكية، فإن الأطفال الذين يولدون فى براثن الفقر لا يقودون أزمة المناخ، لكنهم سيعانون من تأثيرها بشكل كبير، حيث سيكون الطفل المولود فى الولايات المتحدة مسئولا عن ما يقرب من سبعة أضعاف انبعاثات الكربون لطفل مولود فى الصين، و 168 ضعف تأثير الطفل المولود فى بنجلاديش.
نتيجة لما سبق، يرفض عدد متزايد من الشباب الآن إنجاب الأطفال، أو يفكرون فى إنجاب عدد أقل منهم. فخلال العام الماضى، أنشأت النساء فى المملكة المتحدة حركة تسمى Birth strike أو «إضراب عن الإنجاب»، معلنات أنهن لن يتكاثرن حتى يتصرف العالم معا بشأن المناخ!
أحد المخاوف الرئيسية التى ذكرتها هذه المجموعة هو أنه بإنجابك طفل، فإنك تفعل شيئا سيئا لكوكب الأرض، فأنت تضيف شخصا آخر سيتسبب فى المزيد من انبعاثات الكربون، بالإضافة إلى أطفالهم، بالإضافة إلى أحفادهم... وما إلى ذلك، فى سلسلة لا تنتهى من العار الإنجابى!
يقود هذا المنطق دراسات تدعى إظهار أن إنجاب طفل يؤدى إلى كمية هائلة من انبعاثات الكربون، بطريقة أكثر بكثير من الانبعاثات الناتجة عن خيارات نمط الحياة الأخرى، مثل قيادة السيارة أو تناول اللحوم.
لكن هذا ليس صحيحا، فوفقا لتقرير جديد صادر عن منظمة Founder pledge
أو «تعهد المؤسسين»، وهى منظمة توجه رواد الأعمال الملتزمين بالتبرع بجزء من عائداتهم للجمعيات الخيرية، فإن هذه المجموعة لا تأخذ فى الحسبان التغييرات المحتملة فى سياسات الحكومات فى المستقبل تجاه قضية المناخ، ومنها مثلا تسهيل الانتقال إلى الطاقة الخضراء وحظر بيع السيارات المسببة للتلوث، وفرض أسعار الكربون وما إلى ذلك من التزامات تعدت بها دول العالم فى قمة المناخ الأخيرة فى جلاسجو. أما النقطة الأخرى التى يغفلها مناهضو الإنجاب هو أن انبعاثات الفرد تتجه نحو الانخفاض فى معظم البلدان الغنية. قد لا يبدو الأمر بهذه الطريقة فى ضوء إخفاقات سياسات المناخ، لكن هذا صحيح؛ حتى فى الولايات المتحدة، انخفض نصيب الفرد من الانبعاثات منذ عام 2005. وبالتالى إذا كنت شابا يتوق إلى أن يكون والدا لطفلين، يمكنك تخطى رحلتين عبر المحيط الأطلسى وستوفر نفس الكمية من الكربون!
هناك تخوف آخر يدفع بعض الشباب إلى عدم الانجاب متمثلا فى أن وجود طفل فى هذا العصر سيكون بمثابة الحكم بأن يعيش حياة بائسة على كوكب شديد الحرارة، وهنا يرى الخبراء أنه لا ينبغى استخدام هذه المخاوف كطريقة للضغط على الآخرين بشأن خياراتهم الإنجابية، مؤكدين أنه إذا التزام الجميع بمسئولياته تجاه قضية المناخ، سنترك لـ «ورثة الكوكب الشرعيين» حياة أكثر سعادة وأقل معاناة.
رابط دائم: