رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

عام ونصف عام على إقرار القانون دون إصدار لائحته التنفيذية
«تجارة» البيانات.. تنتظر العقاب

تحقيق ــ نيرمين قطب

  • الـ «داتا» تعرض للبيع بمبالغ زهيدة .. و«التفاصيل الشخصية» ترفع السعر
  • خبراء التكنولوجيا: حماية البيانات الشخصية تبدأ من المواطن ولا توجد معلومة «بسيطة»
  • هل ترغب فى الاستثمار فى هذا المشروع الجديد؟
  • لدينا حالة إنسانية تحتاج لتبرعك!
  • ننصحك بشراء هذا النوع من فلاتر المياه فهو الأفضل لصحتك.
  • هل شاهدت العروض الجديدة على السلع التى نقدمها؟

تلك العبارات نماذج لمئات الاتصالات والرسائل التى تحمل عروضا وخدمات وتصل لآلاف المواطنين يوميا عبر الهاتف المحمول أو الأرضى أو عبر الرسائل النصية أو حتى بريدك الإلكترونى والـ»واتساب»، ولكنها تخطت مفهوم الإعلان وأصبحت لغزا يحير المواطن، خصوصا عندما تبدأ المكالمة بسلسلة من البيانات الشخصية، التى قد تشمل اسمك بالكامل والمهنة ومنطقة سكنك وتصل فى بعض الأحيان لتقديم عروض مفصلة تناسب وضعك المادى أو خططك المستقبلية لشراء سلعة بعينها!

لكن اللغز ليس غامضا كما يتصور البعض، إنه فقط تجارة جديدة شهدت رواجا خلال السنوات الماضية وهى «تجارة البيانات».

 

 

 

فتلك «البيانات» الشخصية مثل الاسم والسن وجهة العمل ومنطقة السكن والتى يعتبرها البعض «بسيطة»، أصبحت «سلعة» تباع وتشترى، ويبحث عنها أصحاب الأعمال والتجار والشركات على اختلاف مستوياتهم، فمع التطور والتكنولوجيا ظهرت أهمية إنشاء وتكوين «قواعد البيانات» التى يمكن من خلالها تحديد «العملاء المحتملين»، ومن خلال بعض البرامج الخاصة بتحليلها يمكن الوصول بسهولة لمتوسط دخلك، وقدرتك الشرائية المتوقعة، مما يسهل بدوره تفصيل عروض تناسب تطلعاتك وامكاناتك.

جولة على «أسواق قواعد البيانات» على الإنترنت تعطى مؤشرات عن هذه التجارة وأبعادها فمن خلال إعلان على صفحة مخصصة لبيع «الداتا» - كما يطلق عليها اختصارا - كتب المعلن : «لدينا خدمة بيع قاعدة بيانات تحتوى على بيانات الشركات والعملاء والأعمال، وتشمل معلومات متنوعة مثل الاسم والايميل ورقم الهاتف والتخصص، وتكون محدثة باستمرار، أما السعر فيصل إلى 300 دولار، بينما وجه آخر إعلانه إلى «كل صاحب مشروع.. الصغير قبل الكبير ولكل «سيلز» عنده «تارجت» يريد أن يحققه.. وثالث روج لبضاعته بقوله : لدينا بيانات تشمل الاسم والمحافظة ورقم موبايل/ و«إيميل» .. والسعر مفاجاة!

أما أخطر تلك الإعلانات فيعرض للبيع قاعدة بيانات تشمل العنوان والايميل والمشتريات والوظيفة التى يمكن من خلالها الوصول لشخصيات مؤثرة أو أصحاب المؤسسات الكبرى والمشاهير، وآخر يدعى إمكانية بيع داتا البنوك، وداتا أصحاب العقارات، بالتواصل مع الرقم الأخير المعلن أكد صاحبه أن لديه بيانات تصل إلى 5 ملايين «وحدة» كما يدعى، وأن سعر الداتا المعروضة يتوقف على تحديد «فئة المستهدفين» من النشاط، وأصر على الحصول على مبلغ 3 آلاف جنيه مقدما مقابل كل البيانات، وبعد «فصال طويل» وافق على بيعها مقابل 1000 جنيه!

التعدى على الحرية

عرضنا ما رصدناه على أحمد عصمت، خبير تكنولوجيا الإعلام والتحول الرقمى الذى وصف استخدام قواعد البيانات فى غير أهدافها بـ«التعدى على الحرية الشخصية»، وقال إنه حرر بدوره محضرا ضد مرشح أحد الأندية الرياضية الذى حصل على رقمه الشخصى وأمطره برسائل دعائية خلال حملة انتخابات النادى طوال الأسابيع الماضية.

ويحذر: «الأمر أعمق من تداول اسمك ورقم هاتفك، فمن خلالهما يستطيع أى متخصص، أن يحصل على المزيد من المعلومات عنك، فعلى أقل تقدير جميع الحسابات البنكية أصبحت مرتبطة بأرقام المحمول والبريد الإلكترونى». ويضيف: «أدعو الجميع للحرص وعدم الإساءة لبياناتهم الشخصية، فكم منا عايش مشهد أرباب المعاشات الذين يطلبون بحسن نية المساعدة من غرباء فى عملية سحب أو ايداع على الماكينات .. وهو أمر فى غاية الخطورة».

ويطالب بضرورة تربية الأجيال الجديدة على ثقافة حماية البيانات وخصوصيتها، ليكونوا قادرين على مواجهة موجات الاختراق، فالأمر لم يقتصر على البيع، فمثلا بعض قنوات اليوتيوب كانت توضح كيفية سحب البيانات من مواقع التواصل الاجتماعى.

إقبال المستهلكين

كان ضروريا أن نرصد موقف بعض تعليقات مشترى قواعد البيانات والتى تقدم مؤشرات عن وجود إقبال كبير على سلع جديدة، فالتعليقات تشمل بيانات شخصية، يقدمها المواطن بكل بساطة لتجار البيانات، ثم يتساءل: من أين حصلوا على رقمى وبياناتى الشخصية؟

وهو سؤال طرحته إسراء محمود (ربة منزل) على أحد المتصلين من جمعية خيرية الذى لم يعطها ردا محددا، فأصرت على تصعيد الاتصال لمستوى أعلى ولكنها لم تحصل على إجابة شافية، حيث قال لها المسئول عن الفريق إن الجمعية توفر لهم البيانات وعليهم الاتصال وعرض الحالات فقط.

أما محمد عثمان (مهندس مدني) فكان أغلب ظنه أنه من الممكن أن تكون بعض الشركات والأندية الخاصة متورطة فى تسريب البيانات، عندما تقوم بطلب ترشيح أشخاص للاستفادة من عروض تلك الشركة - أو ذلك النادى - ومنحها أرقامهم وأسماءهم. التطور السريع للتكنولوجيا وتوافر البيانات والقدرة على الخروج منها بمعلومات مهمة عن أصحاب تلك البيانات، استدعى ضرورة وجود إطار قانونى وتشريعى لتداول هذه «السلعة» الجديدة، فصدر قانون حماية البيانات الشخصية رقم ١٥١ لسنة ٢٠٢٠ الذى يتوافق مع اللائحة الخاصة بالاتحاد الأوروبى، ليضع ضوابط وأطرا تنظم وتحكم حرية تداول البيانات الشخصية، وينص على إنشاء مركز حماية البيانات ليكون مسئولا عن الرقابة على تنفيذ القانون، وإصدار التراخيص والتصاريح والاعتمادات للشركات التى تقوم بمعالجة واستخدام البيانات الشخصية للمستخدمين وغيرها من الأدوار المهمة التى لم تتحقق حتى الآن نظرا لعدم صدور اللائحة التنفيذية للقانون بالرغم من مرور نحو عام ونصف على إقراره.

الذراع التنفيذية

«مركز حماية البيانات سوف يكون أشبه بالذراع التنفيذية للقانون ومواده التى تضفى المزيد من الخصوصية على تداول البيانات الشخصية التى يجرم قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات بالفعل تداولها دون موافقة وقبول من صاحب البيانات»... هكذا يوضح الدكتور محمد حجازى استشارى تشريعات التحول الرقمى والابتكار والملكية الفكرية والرئيس السابق للجنة التشريعات والقانون بوزارة الاتصالات، ويقول: «لكن قانون حماية البيانات يضع المزيد من الضوابط والإجراءات فيما يتعلق بالتعامل مع البيانات سواء على مستوى جمعها او تحليلها أو استخدامها فى التسويق، فحماية تلك البيانات يعد التزاما دستوريا يتعلق بحرمة الحياة الخاصة». يضيف: أهمية القانون تتزايد فى ظل اتجاه الدولة للتحول الرقمى، وضرورة رفع مستويات حماية البيانات، وهو ما يقدم رسائل إيجابية تتعلق بالاستثمار فى مصر وجذب الشركات العاملة فى مجال صناعة البيانات العملاقة والذكاء الاصطناعى ومجالات التكنولوجيا، حيث قامت دول عربية مجاورة بوضع سياسات وسن تشريعات متوازنة للبيانات والمعلومات تتسق مع التجارب العالمية، وهو ما انعكس على قيام الشركات العالمية بالاستثمار فى تلك الدول، من خلال بناء مراكز بيانات عملاقة والاستثمار فى تكنولوجيات الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعى وغيرهما.

ويرى حجازى أن حماية البيانات الشخصية تبدأ من المواطن نفسه الذى تغيب عنه هذه الثقافة، فنرى العديد من المواطنين يقدمون بيانات شخصية فى غاية الأهمية وهم لا يدركون خطورة ذلك.

ويضرب مثلا بالشباب الذين يسجلون أرقامهم الشخصية وبريدهم الإلكترونى فى محلات الملابس لتلقى العروض الجديدة، أو داخل الكافيهات التى يترددون عليها باستمرار، وكل هذه الأدوات هى فى الواقع وسائل لجمع بيانات يمكن من خلالها التعرف على معلومات كثيرة عن الشخص وأماكن تردده ومتوسط إنفاقه، مما يساعد فى توقع متوسط دخله وأسلوب إنفاقه، كل ذلك من خلال ما يعرف بـ«تحليل البيانات».

ويوضح أن القانون لا يجرم جمع البيانات أو تحليلها بشكل مطلق ولكنه يؤكد ضرورة الحصول على موافقة صاحب البيانات على هذا الإجراء، وأن تكون الموافقة موثقة بأى صورة من صور التوثيق، وأن يتم إعلامه بكيفية استخدام هذه البيانات، والأهم من ذلك أن القانون لا يمنع تداول البيانات وإنما ينظم تداولها، ويعاقب فقط على تداولها أو تحليلها دون موافقة من المواطن أو صاحب البيانات، وتصل العقوبات إلى الحبس والغرامة لتداول البيانات دون موافقة الشخص المعنى بالبيانات، وتشدد العقوبة إذا ارتكب ذلك مقابل الحصول على منفعة مادية أو أدبية، أو بقصد تعريض الشخص المعنى بالبيانات للخطر أو الضرر.

كما يضع القانون حدودا وضوابط لعملية استخدام البيانات الشخصية فى التسويق الإلكترونى، أهمها ضرورة موافقة العميل على تلقى الرسائل الدعائية، وتوضيح طرق رفض الحصول على هذه الرسائل أو الخروج من هذه القوائم، كما منح القانون مهلة زمنية للجهات التى كانت تتعامل مع البيانات الشخصية للعملاء المحتملين أو عملائها الحاليين بصورة تزعج العديد منهم لتوفيق أوضاعها.

أوجه قصور

الدراسة التى أعدها مركز بحوث القانون والتكنولوجيا بكلية القانون بالجامعة البريطانية بالقاهرة عن قانون حماية البيانات الشخصية، أظهرت وجود ما سمته أوجه قصور فى بعض مواد القانون، وقدمت الدراسة النقدية اقتراحاً لمجموعة من التعديلات عليه، بعد إجراء مقارنة بين القانون واللائحة الأوروبية، لحماية البيانات (GDPR) باعتبارها الإصدار الأكثر أهمية، فى تنظيم خصوصية البيانات على المستوى العالمى خلال العشرين عاماً الماضية، وبحسب الدكتور حسن عبدالحميد، عميد كلية القانون بالجامعة البريطانية، ومدير المركز، فقد تم إرسال نسخ من الدراسة لكل الجهات الرسمية المسئولة عن إصدار اللائحة التنفيذية للقانون.

ويقول: «فرضت التكنولوجيا الكثير من الأسئلة وأوجدت أيضا جرائم جديدة وعلاقات تتطلب من المشرع وضع قواعد لتنظيمها، ودراسة المشاكل القانونية الناتجة عن استخدامه».

وتؤثر الثورة التكنولوجية على كل قواعد القانون ليس فقط فيما يستجد من جرائم إلكترونية، وأيضا الاقتصاد الرقمى المتعلق بالتجارة الإلكترونية والقضاء الإلكترونى، كل ذلك تحت عنوان كبير تهتم به الدولة اسمه التحول الرقمى.

ويضيف: أصبح للعالم الافتراضى اقتصادات ومفهوم مختلف بمعزل عن العالم الواقعى وتجاوزت تلك الاقتصادات التوقعات ووصلت للمليارات، وبخاصة فى مجال التجارة الالكترونية وظهرت تجارة المعلومات، نتيجة توافر البيانات الضخمة ومعالجتها.

ويعتبر أن استغلال البيانات الشخصية أصبح ظاهرة، يهتم بدراستها علم الاجتماع القانونى، ويضيف: لذلك درسنا القانون وطرحنا عدة مقترحات استباقا للائحة التنفيذية لقانون حماية البيانات الشخصية التى لم تصدر حتى الآن، بالرغم من أن المشرع حدد مدة لصدورها، كما أن تطبيق القانون دون لائحة تنفيذية (صعب) لأنها ترسم الطريق لفهم مواده».

ويقول: «أوصت الدراسة وقدمت مقترحات تساعد فى فهم نصوص القانون وتطبيقها بشكل سلس، حيث نص القانون على عدة التزامات يجب أن تؤديها الشركات، ولم يوضحها القانون، ولابد أن تظهر بشكل محدد فى اللائحة التنفيذية، وعن ارتباط القانون بحرية تداول البيانات واستخدامها، يوضح أن الحق فى الحصول على البيانات وتداولها لا يتنافى مع الحق فى الخصوصية، وهو حق مضمون بموجب الدستور والقانون، ولكن لابد من وجود عملية تنظيم لتداول البيانات الشخصية من أهمها وجود موافقة أصحاب البيانات على استخدامها. ويضيف: «الحق فى الخصوصية ثقافة غائبة فى المجتمع المصرى وهناك خلط بين الشأن العام والخاص، ونعانى اختراق هذا الحق بقصد أو دون قصد وهو ما يتطلب رفع وعى المواطنين فى هذا الصدد».

ويشير إلى أهمية وجود قانون لحماية البيانات الشخصية لتحسين بيئة الأعمال فى مصر، ويطالب بضرورة وجود رؤية كاملة للقوانين المتعلقة بتنظيم الحياة الرقمية فى مصر.

كيف نحمى البيانات؟

ولكن كيف نحمى البيانات الشخصية لحين صدور اللائحة التنفيذية للقانون؟

يجيب الدكتور أسامة مصطفى، خبير تكنولوجيا المعلومات أن ذلك يبدأ من المواطن نفسه الذى يجب أن يعى أهمية تلك البيانات وخطورة تداولها، فرقم الهاتف ليس معلومة بسيطة، ولكن كثيرا من المواطنين يضعون أرقامهم على صفحات التواصل الاجتماعى، سواء على إعلانات أو فى تعليق لطلب خدمة، وبالتالى تكون متاحة لعدد كبير من جامعى البيانات، فإنشاء قواعد البيانات قد يتم من خلال جمعها بعدة طرق منها المؤتمرات والندوات والفعاليات التى نسجل فيها البيانات، والمطاعم والمحلات التى تطلبها لإرسال العروض وغيرها من الطرق البسيطة وغير المباشرة، وتأتى المشكلة فى إعادة استخدام تلك البيانات التى يسجلها المواطن لغرض محدد فى غير أهدافها، مثل بيعها لشركات أخرى، فمثلا شركات التسويق العقارى تملك قاعدة بيانات واحدة، لذا يفاجأ المواطن الذى يتواصل مع شركة بعينها بورود اتصالات من شركات أخرى عديدة تعرض عليه خدماتها. وللأسف يصعب على المواطن الآن تحديد مصدر تداول بياناته، ولحين صدور اللائحة التنفيذية للقانون، لا يوجد إجراء يمكن اتخاذه فيما يتعلق بالجرائم التى حددها القانون، وإن توافرت بعض البدائل، ففى واقعة معروفة تم بالفعل تغريم إحدى شركات إبادة الحشرات التى تسببت فى إزعاج المواطنين برسائلها على نطاق واسع جدا. ويبقى الحل فى رفع وعى وثقافة المواطن بأهمية بياناته الشخصية هو خط الدفاع الأول عنها.

.. أخيرا حاولنا التواصل مع مسئولين بوزارة الاتصالات، لاسيما المختصين بالجانب الإعلامى للتعرف على أسباب عدم صدور اللائحة التنفيذية لقانون حماية البيانات الشخصية، وكررنا المحاولة، ولم نتلق منهم رداً حتى توقيت كتابة هذا التحقيق!

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق