-
أقرأ العمل الأدبى 4 أشهر قبل أن اكتب عنه
-
ليست مهمة الناقد أن يصدر أحكاما على النص.. لكنه فقط يشير له ويشرحه والقارئ من يقرر جودة العمل من عدمه
-
ابن الفارض شاعر صوفى كبير وابن عربى أفسد ديوانه حين شرحه والحلاج صنيعة المستشرقين!
-
جابر عصفور أطلق شعاره «زمن الرواية» فردّ عبدالقادر القط بـ «زمن المسلسل التليفزيونى»!
-
المتنبى أشعر العرب ونزار قبانى ودرويش ظاهرتان فى الشعر الحديث
-
الأجيال الجديدة «متعجلون» وعشرون عاما من العمل لا تصنع ناقدا
يعد الناقد الكبير د. محمد عبدالمطلب الناقد الوحيد تقريبا الذى تخصص فى نقد الشعر عبر كل أجياله من خلال 14 كتابا من بين 33 كتابا أصدرها، وهو الوحيد من النقاد الذى يعد «حجازى» أشعر من «صلاح عبدالصبور»، ويعد «الحلاج» صناعة مستشرقين، ويعترف أن ذوقه الشخصى مع «إمرؤ القيس والمتنبى وأبى تمام وشوقى وحافظ» ولكنه يستوعب كل التجارب ويرحب بها، ويرى أن نزار قبانى ظاهرة شعرية وكذلك محمود درويش، أما أدونيس فكان متعصبا ضد الثقافة المصرية، وقد أفحمه وتصدى له بحضور حجازى و عصفور بالمغرب، ود. عبدالمطلب حاصل على «التقديرية» سنة 2018 ومن قبلها «فيصل» ومن قبلها جوائز «البابطين واتحاد الكتاب وجامعة عين شمس»، وإلى تفاصيل الحوار الصريح جدا مع ناقد مهم جدا ومنصف جدا:
.....................
قرأت لك آخر كتبك «قراءة فى الشعر» وهو كتاب ممتاز ويجمع كل الأجيال فما قصته؟
هذا الكتاب حصيلة سنوات سابقة حيث رجعت لدراساتى القديمة فوجدت دراسات مهمة عن شعراء مهمين، وخفت أن يضيع كل ذلك فجمعتها فى كتاب مستقل وأحببت أن أسجلها فى كتابى «قراءة فى الشعر» لأنى لا أحب عنوان «نقد الشعر».
لأن نقد الشعر يقتضى إصدار أحكام القيمة، هذا جيد وهذا ردىء، ومنهجى النقدى هو عدم إصدار أحكام القيمة التى تضع الناقد موضع القاضى ورجل الشرطة الذى يحاسب الناس على البراءة أو الاتهام، ومهمتى أن أساعد القارئ على إصدار هذا الحكم، فأنا أشير للساعة وأقول إنها مكونة من كذا قطعة، وتعمل بإتقان شديد، فتقول أنت: «الله، إنها جميلة»، فأنت الذى أعجبت وقلت «الله» وليس أنا، ومهمتى كناقد أن أتيح للمتلقى إصدار أحكام القيمة ولست أنا حتى لا أصادر حق القارىء، فإذا قلت عن فلان إنه شاعر جيد، وأنت تحترمنى كناقد قديم وكبير فستأخذ كلامى مسلما به، وأنا لا أريد ذلك.
لماذا لا نجدك باستمرار كناقد فى صحيفة يومية أومجلة أسبوعية بانتظام كغيرك من النقاد؟!
مكثت عامين أكتب مقالا ثابتا فى «الأهرام»، ولكنى الآن نظرى تعب، ولم أعد أقدر على ملاحقة الصحافة اليومية بمقالات نقدية، ولكنى كتبت بالسابق بكل الصحف والمجلات، وأنا فى كتاباتى النقدية لا أتوقف عند جماعة أو زمن معين دون الآخر، بل تبدأكتاباتى منذ زمن «إمرؤ القيس» حتى يومنا هذا.
كم كتاب لك فى نقد الشعر؟
ثلاثة وثلاثون كتابا.
دكتور عبدالقادر القط قال عن «قصيدة النثر» فقال إنها وصلت لطريق مسدود وقد أخذوا فرصتهم الكافية لكنهم لم ينجزوا منتجا مهما، فما قولك؟
رأى د. القط كناقد محترم وكبير ضد «قصيدة النثر» ورأيه يحترم، وكنت أحضر ندوته الأسبوعية، ولكنه هو الذى قدم كل شعراء جيل السبعينيات وسمح لهم بالنشر فى مجلة «إبداع» ونشر دواوين كاملة، بمن فيهم عبدالمنعم رمضان الذى نشر له ديوانا كاملا ثم هاجم د. القط لاحقا، كما نشرلحسن طلب وحلمى سلام وغيرهم، ود. القط ناقد مثالى.
وماذا عن موقفك أنت من «قصيدة النثر»؟
الناقد الحقيقى له ذوقان، خاص، وعام، وذوقى الخاص يحب شعر «إمرؤ القيس والمتنبى وأبو تمام»، وذوقى العام يجعلنى أقرأ وأتابع كل ما يصدر من إنتاج ويحدده ويقدمه للقارئ دون أن يحجر عليه، وكتبت عن «قصيدة النثر» كتابا كاملا عنوانه «النص المشكل»، قصدت فيه دراسة هذه الظاهرة منذ البداية، وهل لها مرجعية تراثية أم لا، وكنت أربط القديم بالجديد، ومذهبى كما قال ابن قتيبه «لا جديد لمن لا قديم له»، والفقهاء زمان قالوا بأحكام للذكر، وأحكام للأنثى،ثم وجدوا جنسا يجمع بين الذكورة والأنوثة سموه «الجنس المشكل»، و»شعر النثر» يجمع بين الشعر والنثر، ولذلك كان عنوانى.
برأيك لماذا اختفت الأسماء الكبيرة من الشعراء، عامية وفصحى،على رغم أن الساحة الأدبية مليئة بعشرات المبدعين؟!
لى كتاب فى شعر العامية عنوانه «دراسة ثقافية فى شعر العامية المصرية» صدر قبل عام، وذوقى الخاص مع الشعر العمودى، ولكن ذوقى العام يتقبل كل الشعر، لدرجة أنى كتبت عن جيل الإحيائيين مثل شوقى وحافظ، كما كتبت عن محمد سليمان من جيل السبعينيات مرورابالفيتورى وهو سودانى ليبى مصرى تونسى، وقال لى إنه ينتسب إلى كل تلك البلاد، كما كتبت عن القط وهو من الرومانسيين.
أعود لسؤالى، لماذا لا يوجد شاعر كبير يشار إليه فى الفصحى أو العامية؟
لأن الشعر لم يعد هو سيد الموقف كما كان قديما، فأصبحت لدينا الرواية، وقد قال عنها نجيب محفوظ «إنها ديوان العرب فى الزمن الجديد»، ثم عاد وتراجع عن هذه المقولة حين أقيم مؤتمر للرواية، كان هو أول من طالب بمؤتمر للشعر، وحين رفع جابر عصفور شعار «زمن الرواية» رفع عبدالقادر القط شعار «زمن المسلسل التليفزيونى»، ولم يعد الشعر هو صاحب السيادة كما كان فى الزمن القديم، وأصبح لدينا المسلسل والفيلم والفضاء الإلكترونى، وأصبح هناك منافسون كثر، كان الشعر هو الجهاز الإعلامى الوحيد قديما فأصبح له أكثر من منافس، ولكنه لم يمت ولن يموت، لأن الشعر يعبر عن جوهر الإنسان بعكس الرواية تعبر عن المجتمع وتحلله وتبرز التأثيرات التى طرأت عليه، وأتذكر بيت الشعر القائل «رأيت القوافى ينتلجن موالجا يضيق عنها أن تولجا»، الشعر يدخل فى المنطقة التى تعجز الإبرة عن الدخول فيها، وهو الوحيد الذى ينفذ إلى جوهر الإنسان، لذلك لن يموت الشعر إطلاقا ما دام الإنسان موجودا، ولكنه لم يعد صاحب السلطة الأوحد.
برأيك ما هى الأسس الحقيقية للشعر العربى؟
أربع ركائز أساسية هى الموسيقى واللغة والخيال والمعنى، وظلت موسيقى بحور الشعر العربى سائدة حتى جاء جيل شعراء التفعيلة فتخلصوا من البحر وجعلوا التفعيلة هى أساس القصيدة، ثم جاءت قصيدة النثر فتخلصت من الموسيقى، وظلت اللغة موجودة قديما وحديثا، وحافظت المدرسة الإحيائية على اللغة والموسيقى، ثم جاءت المدرسة الرومانسية فقدمت الخيال على الموسيقى، ثم جاءت المدرسة الواقعية فقدمت اللغة على الخيال والموسيقى، وظل المعنى آخر ركيزة، لأنى أربط الجديد بالقديم، وأذكر للجاحظ مقولة خطيرة جدا قالها فى القرن الثانى الهجرى هي: «المعانى مطروحة فى الطريق يعرفها العربى والعجمى وإنما الشأن فى إقامة الوزن وتخير اللفظ وسهولة المخرج وكثرة الماء، إنما الشعر صياغة ودرب من التصوير وجنس من التخليق»، وكل نظريات الشعر والنقد الحديث لا تخرج عن مقولة الجاحظ، فكلنا نتكلم عن الحب، والفارق بيننا كيف عبر كل واحد منا عن الحب، ولذلك قلت إن رابع ركيزة للشعر هى المعنى، وشعراء قصيدة النثر تخلصوا من المعنى أيضا، وأصبحوا يقولون أشياء بلا معنى بكل حرية، لكن إذا شئنا الرجوع لجذورنا سنجد أن قصيدة النثر كانت لها أصول قديمة، فقصيدة «أقفر من أهله» مليئة بالكسور العروضية وبعض النقاد قالوا إنها كانت خطبة اترجزلها وأرسلها، إذن كان هناك إحساس بذلك، لدرجة أن كفار قريش اتهموا القرآن بأنه شعر، ونزل قوله «وما هو بقول شاعر»، والعربى يعرف الشعر تماما، ويعرف قواعده، فكيف يتهم القرآن بأنه شعر؟.. ردى أن العربى كان صاحب عقيدة أنه يمكن التعبير عن الشعر بصيغة نثرية، وإلا كانوا مجموعة من المجانين، وهم لم يكونوا مجانين، بل كان يوجد وعى قديم بالتعبير عن الشعر بصيغة نثرية تعتمد على اللغة والخيال بدرجة كبيرة، لكن إسقاط الخيال واللغة من الشعر يجعله نثرا عاديا لا صلة له بالشعر. ومع ذلك فقصيدة النثر كتب بها عدد من الجيدين أمثال «رفعت سلام وحلمى سالم وعبدالمنعم رمضان وعلاء عبدالهادى» وغيرهم، أما حسن طلب فكتب قصيدة التفعيلة وأحيانا يضع جملا نثرية!
لماذا لم يعد عندنا شاعر كبير مثل صلاح عبدالصبور؟
المنافسة للشعر من وسائل الإعلام والدراما لأخرى جعلت الشعر يتراجع للخلف، فالرواية لها السبق وتقدمت، وكذلك المسلسل التليفزيونى والفيلم السينمائى والمسرح والوسائط الإلكترونية، وكل هذا لم يكن موجودا فى زمن صلاح عبدالصبور، ومع ذلك أنا أعتبر حجازى أشعر من صلاح عبدالصبور.!
كيف، أول مرة يصرح ناقد كبير مثلك بذلك؟!
حجازى صاحب الصيغة الشعرية، وصلاح عبدالصبور صاحب الفكرة الشعرية، وكما قلت لك الجاحظ قال لنا إن المعانى مطروحة فى الطريق، وصلاح عبدالصبور قال لنا إن ثلاثة أرباع الشعر العربى هو أبو العلاء المعرى، لأنه كان فيلسوفا يتكلم عن الفكر، وقال إنه قرأ بعض أشعار المتنبى وقال إنه خرج منها صفر اليدين، لأنه يبحث عن الفكرة وليست الصيغة، والشعر صيغة وليس فكرة، وحجازى لما تقرأ له تقول «الله»، ومثلا حين مات أبوه كتب يقول له: «رسالتى إليك يا أبى حزينة فى البدء والختام فإن هاجت شوقك القديم للكلام هبنى لقاء فى المنام»، هذه هى العظمة التى تؤثر فيك وتجعلك تدمع، وحين يقول «أعبر أرض الشارع المزحوم لا توقفنى العلامة أسير حيثما كنت بالحب والبغض وأكره السآمة أدفع رأسى ثمنا لكلمة أقولها لضحكة أطلقها أو ابتسامة أسافر الليل فجأة ولا أرجو السلامة»، هذا هو حجازى.
صلاح صاحب فكرة شعرية، وحجازى صاحب صيغة شعرية كالمتنبى، وعن نفسى أحفظ نصف ديوان حجازى على الأقل، ولكن صلاح قرأت له ولم أحفظ له شيئا لأنه تأثر بـ «إليوت» فجاءت الفكرة أولا وكثير من تعبيراته خانه فيها الوصف لأن الفكرة مسيطرة عليه، وكثير من النقاد يعتبرونه الأول فى جيله، وأنا الناقد الوحيد الذى أعتبر حجازى أشعر منه، ولا شك أن الاثنين شاعران من العظماء لا جدال.
جيلك من النقاد منهم جابر عصفور وحسن عبدالله وصلاح فضل، أين الجيل التالى من النقاد القادر على مواكبة شلالات الإبداع اليومية فى ساحة الأدب؟!
مصطفى الضبع وأخوه محمود بخير ومن النقاد المحترمين، ولكى يصبح الناقد ناقدا بحق وعندما يمر نصف قرن على الأقل فى القراءة والكتابة كما فعلنا، ويوجد نقاد ولكن تجاربهم لم تكتمل ولم تتجاوز تجربة أحدهم عشرين سنة، إضافة أن الجيل الجديد موجه نظره تجاه الغرب، وترك الثقافة العربية، والنص العربى يحتاج إلى تقاليد عربية، وعندما تقرأ نقد الرواية عند «بارت» تجد 57 تقنية من حوار حر مباشر وسرد وخلافه، وعندما قال المبدعين بوجود 70 محسنا بديعيا قالوا «هذا كلام فارغ»، واتجهوا لاستخدام تقنيات الغرب، هنا مشهد، وهنا موقف، ولكى أناقش رواية أو ديوان شعر كنت أقرأه لأربعة أشهر على الأقل، إلى أن أشعر أنى أنا الذى كتبته، واليوم تجد الناقد يتسلم رواية اليوم ويناقشها غدا، كيف؟!.. فتقاليد النقد اختفت، وصارت عملية آلية تقليدا للغرب ودون تفرغ للقراءة المتعمقة مع ربط التراث القادم بالتراث القديم، للأسف هذا غير موجود، ولذلك لن تجد مثل جابر عصفور أو محمد حسن عبدالله وغيرهما ممن قاموا بالربط بين القديم والجديد، والجيل الجديد متعجل، وهدفه أن يناقش ديوان شعر فى يومين ورواية فى يوم، كيف؟!
هل الجوائز عندنا تذهب لمستحقيها من الأدباء عادة أم تشوبها مجاملات وشللية؟
غالبية الجوائز تذهب لمن يستحقها، وبعض الأحيان لغير من يستحقها، وعلى سبيل المثال محمد سليمات تقدم للتقديرية ثلاث سنوات ولم يحصل عليها مع أنه جدير بها، وأنا من المحكمين فى الجوائز وغالبا تصادف من يستحقها، وأحيانا تقع مجاملات، وعن نفسى لما حصلت على جائزة «فيصل» العالمية أثاروا اللغط من حولى، وقد سبق وحصل عليها من قسمى بكلية آداب جامعة عين شمس د.عبدالقادر القط وعز الدين إسماعيل والمرحوم مصطفى ناصف وأنا، أى أربعة فقط من جامعة عين شمس، ومن جامعة القاهرة شوقى ضيف فقط، والمحكمون فيها على مستوى دولى.
هل تعتقد أن الشعر كابداع ومن سيظل يكتب له الأستمرار؟
وطالما أن هناك إنسانا سيظل الشعر، وهناك أربعة فنون من الشعر موجودة، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: «لن تدع العرب الشعر حتى تدع الإبل الحنين»، وأول من عرف الشعر هو الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: «الشعر من كلام العرب جزل تتحدث به فى نواديها»، وللأسف الناس يظنون أن الشعر انحسر، لا، الشعر منذ أن ظهر وله مجال خاص، والرسول قال «تتحدث به العرب فى نواديها» أى أنه له مجال خاص، وليس فى عرض الطريق، وانتشر شعبيا مع «الأعشى وزهير» ثم مع «جرير والفرزدق» ثم مع «المتنبى وأبى تمام» ثم مع «حافظ وشوقى» وانتشر أخيرا مع «صلاح عبدالصبور وحجازى»، تلك هى الثنائيات التى جعلت من الشعر فنا شعبيا وجماهيريا، ولكن على العموم الشعر فن النخبة، ومن يريد أن يفهم الشعر ويجيده لابد أن يفهم اللغة، وللأسف اللغة ضاعت وتضيع لأن التعليم عندنا اليوم توزع بين المدارس الدولية ومدارس اللغات، مما جعل العربية ليست ذات بال، وإذا ضاعت اللغة العربية ضاع الشعر وضاعت الهوية وهذه قضية كبيرة جدا ومحزنة وتحتاج لمؤتمرات، حتى فى الصحف الكبرى تقع أخطاء كبرى مثل كلمة «يتواجد» والصواب «يوجد» لأن «يتواجد» من «الوجد» وهو إظهار الفرح أو الحزن، ومثل كلمة «سويا» والصواب «معا»، وأحيانا أقرأ فى الصحافة عناوين خاطئة لغويا، مثلا النسب للجمع خطأ، فلا ننسب للجمع «رجال» بل «رجلى»، والمطار «الدولى» وليس «الدولى» بصيغة الجمع وتشديد الواو، وإذا ضاعت اللغة فقل على الشعر السلام لأنه من لا يعرف لغة لن يتذوق الشعر العربى، مثلا المتنبى حين يقول «كفى بك داء أن ترى الموت شافيا وحسب المنايا أن يكن أمانيا»، فهو بدلا من أن يقول «كفى بى» قال «كفى بك» أى لم يعد من ذهوله يشعر بنفسه فخاطبها كشخصية أخرى، والمبالغة هنا فى تمنى الموت فيها معنى عظيم، ثم يقول «وأعلم أن البين يشجيك أنينه فلست فؤادى إن رأيتك شاكيا»، الله على هذا المعنى، وأذكر أن أحد الولاة كان يهاجم المتنبى باستمرار ومرة هجاه فى حضور أبى العلاء المعرى، فقال له المعرى: «لو لم يكن للمتنبى إلا بيته الوحيد.. يا منازل..إلى آخر البيت» فقال الوالى لحراسه: «احملوا هذا الأعمى وألقوه فى الشارع»، وحين عاتبوه قال لهم: «إن هذه القصيدة فيها بيت يقول فيه المتنبى.. وإذا أتتك مذمتى من ناقص فهى الشهادة لى بأنى كامل»، أى أراد أن يعرض بى، المتنبى أشعر شعراء العرب بلا نقاش وبلا جدال.
ما رأيك فى الشعر الصوفى؟
ابن عربى حين وضع ديوانه الأول «ترجمان الأشواق» كان رائعا جدا، لكن حين قالوا إن الشيخ فسد وأحب بنتا عندها 14 سنة، شرح ديوانه نثرا فأفسده، لكن التصوف فيه شعر يصل للقمة وآخر يصل للحضيض، فشعر الحلاج فى نظرى كلام فارغ، ولما تقرأ كتابه «الطواسين» تشعر أنك أمام رجل غير متزن عقليا، ولكن المستشرقين هللوا للحلاج ورفعوه وجعلوه أعلى المتصوفين فى الشرق لأنه قال «على دين الصليب يكون موتى لا البطحا أريد ولا المدينة»، فصرح بأنه لا يريد مكة ولا المدينة فالمستشرقون رفعوه ونحن سرنا من خلفهم على عماء، وكتابه «الطواسين» وديوانه كلام فارغ، لكن ابن الفارض مثلا شاعر رائع جدا وهو من أفضلهم، وانظر إليه وهو يقول «قلبى يحدثنى بأنك متلفى روحى فداك عرفت أم لم تعرفى»، هذا بيت يساوى ديوانا من الشعر، وصلاح عبدالصبور تأثر بالشعر الصوفى، وكذلك محمد عفيفى مطر وأحمد سويلم ومحمد أبو دومه.
كيف وأين تضع محمود درويش شاعر فلسطين الأكبر؟
من أجود الشعراء، وكتب قصيدة النثر، وأتذكر كنا فى ندوة بالأردن، وقلت إنه لأول مرة يكتب درويش قصيدة النثر، فرفع يده وقال: «قل أول مرة وآخر مرة»، وكنا فى الندوة صباحا وبالقاعه خمسة وعشرون فردا، فقلت له ذلك بألم، فقال لي: «درويش بالليل وليس بالنهار»، وبالفعل مساء بالمسرح الرومانى بالأردن بعمان وإذا بى أجد فى المسرح أكثر من ثمانية آلاف فرد يرددون معه قصيدته «سجل أنا عربى»، فنظر لى من فوق المسرح وأنا بالصف الأول وقال لى «هذا أنا»!.. درويش ظاهرة شعرية وكانت أمسياته بالقاهرة يؤمها الآلاف، وكذلك نزار قبانى فى معرض الكتاب لدرجة أن الحضور لنزار خارج القاعة كانوا أكثر من الموجودين بداخلها، ونزار ظاهرة شعرية وكتب قصيدة النثر فى ديوانه «مائة قصيدة حب».
فماذا عن أدونيس، هل جدد فى الشعر أم أفسده؟
أدونيس كان معاديا للثقافة المصرية، وكنا فى المغرب، وقال فى مؤتمر إن المصريين يتهموننى بالتعصب ضدهم دون أن يقدم أحدهم دليلا على تعصبى، وكنت جالسا وبجوارى حجازى وجابر عصفور خلفنا، وقلت له: أليس لك كتاب عن الشعر العربي؟ قال: نعم، قلت: ألم تكتب عن الشعر المهجرى 13 صفحة؟ قال نعم، وكتبت عن مدرسة الإحياء؟ قال: نعم، قلت: وأعطيتها ستة أسطر، ولولا الإحيائيون ما قلت أنت الشعر ولا غيرك ثم تزعم أنك غير متعصب ضد الثقافة المصرية!.. والله العظيم قال لى أمام كل الناس: «يا سى محمد ماذا أفعل؟» قلت له «اكتب مقالا اعترف فيه بالخطأ وصحح خطأك» فقال لى «حاضر» ولم يكتب!.. ثم قلت له: إنك سخرت من شوقى لأنه بعد أن أقام فى باريس عاد يقول «ريم على القاع بين البان والعلم»، ولأن شوقى غنى وصاحب ثقافة غنية وليس فقيرا ثقافيا فلم يذهب لباريس مفلسا بل كان يمتلك ألف وخمسمائة سنة من الشعر، فلن يأتى لنا إلا بما يفتقده مثل «شعر الملاحم وشعر الأطفال والمسرح الشعرى» لأنه شاعر غنى ولم يجمع «زبالة باريس»، وشوقى شاعر عبر عن كل شىء، ولى دراسة عنه اسمها «من شاعر الأمير إلى أمير الشعراء»، وأفحمت أدونيس ولزم الصمت، ومشكلته أنه يريد أن يكون شاعر العربية الأوحد، ولا أنكر أن أشعاره الأولى جيده، لكن عتابى عليه أنه لم يكن محايدا أمام الثقافة المصرية.
لماذا برأيك النقاد من جيلك يعيدون ويزيدون فيما ذكروه من قبل؟!
أعذرهم لأن تقدم السن له حكمه، وعن نفسى لا أستطيع أن أكتب ما كنت أكتبه قديما.
ما هى تفاصيل يومك؟
كنت زمان أقضى خمس ساعات فى القراءة صباحا، وحاليا النظر لم يعد كما كان وأتابع مع طبيب عيون، وأذهب لجامعة عين شمس يوما واحدا فى الأسبوع لطلبة الدراسات العليا، وأعد حاليا كتابا عن «الشعر والاتجاه القومى» من قبل الإسلام لليوم، من العصر الجاهلى والشعر ضد الفرس، وقصيدة نزار عن القدس، وقصائد نازك الملائكة وخاصة «الكوليرا» وقصيدة عبدالعزيز المقالح «العبور» عن الجيش المصرى، وغيرها.
تخصصت فى نقد الشعر فهل كتبت الشعر؟وهل اقتربت يوما من نقد الرواية؟
لقد دخلت النقد نهاية السبعينيات فى حين كان معظم أفراد جيلى نجوما من جابر عصفور وصلاح فضل ومحمد حسن عبدالله ويوسف نوفل وغيرهم، وأذكر وأنا فى الكلية كان يوسف نوفل يقول الشعر فينال إعجاب البنات، وأنا لا أعرف كيف أقوله، وأنا محب للشعر ولا أمتلك موهبة كتابته وكتبى الـ 14 فى نقد الشعر هى تعويض عن حرمانى من قوله!.. وكنت أحب أن أصبح شاعرا وعجزت!.. وكان يوجد شاعر رومانسى زميل لإبراهيم ناجى وهو الصحفى صالح جودت، وكان له قصيدة منشورة فى «المصور» عنوانها «عيناك»، فرحت نقلت القصيدة وأخبرتهم أنى سأقولها فى المؤتمر القادم، وكان معنا صديق سودانى اسمه «عوف» وحين بدأت ألقى القصيدة قال لى: «انتظر يا فرعون» وأكمل هو القصيدة، وأخرج من حقيبته مجلة «المصور» التى مضى عليها عشر سنوات، فتوقفت عن محاولة قول الشعر!.
هل نقدت الرواية؟
لى ثلاثة كتب فى نقد الرواية مع التركيز على الأجيال الجديدة، وكتاب منهم عنوانه «السرد النسوى» ناقشت فيه معظم أعمال الروائيات المعاصرات، ولى دراسة عن محفوظ باعتباره أسطورة مصر فى القرن العشرين.
رابط دائم: