رصد تقرير مطول لوكالة “أسوشيتيد برس” الأمريكية، تداعيات إهمال الكرة الأرضية وظاهرة التغيرات المناخية على مدار 29 عاما، رغم العدد الهائل من الاجتماعات الدولية بهدف إنقاذها، مستنكرا الوضع الخطير والحرج الذى وصلت إليه الأرض محطمة الرقم القياسى السنوى لدرجات الحرارة العالمية المرتفعة ثمانى مرات منذ عام 1992.
وذكرت “أسوشيتيد برس” أنه على مدار ما يقرب من ثلاث عقود، يجتمع زعماء العالم فى محاولة للحد من ظاهرة الاحتباس الحرارى، فى الوقت الذى أصبح فيه الكوكب أكثر سخونة وفتكا بعد اختفاء تريليونات الأطنان من الجليد، وتسبب حرق الوقود الأحفورى فى إطلاق مليارات الأطنان من الغازات فى الهواء، بالإضافة إلى مقتل مئات الآلاف بسبب درجات الحرارة المرتفعة، وكوارث الطقس الأخرى التى أذكتها التغيرات المناخية.
وأوضحت «أسوشيتيد برس» نقلا عن الإدارة الوطنية الأمريكية للمحيطات والغلاف الجوى، أن درجة الحرارة العالمية السنوية ارتفعت بنحو 1.1 درجة فهرنهايت (0.6 درجة مئوية) منذ عام 1992، وهو أكثر مما كانت عليه فى السنوات الـ 110 السابقة. وفى الفترة من عام 1993 إلى عام 2019، وضع العالم أكثر من 885 مليار طن (803 مليارات طن متري) من ثانى أكسيد الكربون فى الهواء، من حرق الوقود الأحفورى وصنع الأسمنت، وذلك وفقًا لمشروع الكربون العالمى، وهو مجموعة من العلماء الذين يتتبعون الانبعاثات .
وبالنظر إلى الولايات المتحدة وبالأخص فى ألاسكا، ارتفع متوسط درجة الحرارة 2.5 درجة (1.4 درجة مئوية) منذ عام 1992 ، فى الوقت الذى أعلن فيه برنامج القطب الشمالى للرصد والتقييم، أن القطب الشمالى شهد سخونة ثلاث مرات، وهو معدل أسرع من الكرة الأرضية ككل.
وهنا حذر أندرو شيبرد، عالم المناخ فى جامعة ليدز، من أن هذه الحرارة تعمل على إذابة جليد الأرض، مشيرا إلى أنه منذ عام 1992، فقدت الأرض 36 تريليون طن من الجليد (33 تريليون طن متري)، متسببة فى تقليص الصفائح الجليدية العملاقة فى جرينلاند والقارة القطبية الجنوبية وذوبان الأنهار الجليدية.
وفى سياق متصل، كشفت “أسوشيتيد برس” نقلا عن باحثين بجامعة كولورادو، أنه مع ذوبان المزيد من الجليد فى المحيط، وتوسع المياه مع ارتفاع درجة حرارته، ارتفع متوسط مستوى سطح البحر فى العالم بنحو 3.7 بوصة (95 مم) منذ عام 1992، مشيرة إلى أنه على الرغم من أن هذا الرقم لا يبدو مثيرا للقلق، لكنه يكفى لغرق الولايات المتحدة بالمياه حتى عمق 11 قدما (3.5 مترً) .
وتطرقت الوكالة الأمريكية أيضا إلى تضاعف حرائق الغابات فى الولايات المتحدة، مشيرة إلى أن بيانات مركز مكافحة الحرائق الوطنى، أفادت بأن متوسط الدمار الذى خلفته الحرائق يبلغ نحو 2.7 مليون فدان سنويًا، وذلك فى الفترة من عام 1983 إلى عام 1992. بينما بلغ 7.5 مليون فدان فى الفترة من عام 2011 إلى عام 2020.
وفيما يتعلق بالتداعيات الاقتصادية والخسائر البشرية العالمية، أظهرت قاعدة بيانات الكوارث الدولية، وقوع ما يقرب من 8 آلاف كارثة مناخية حول العالم، مما أسفر عن مقتل 563٫735 شخصا. وبالنظر إلى 732 مدينة حول العالم، وحساب عدد الوفيات الناجمة عن تغير المناخ بسبب الحرارة الزائدة هذا العام، أكد الباحثون تسجيل نحو 100 ألف حالة وفاة، بسبب الحر الناجم عن تغير المناخ سنويًا لمدة 29 عامًا.
وقالت آنا فيسدو كابريرا، مؤلفة الدراسة وعالمة الأوبئة فى معهد الطب الاجتماعى والوقائى بجامعة برن بسويسرا، إن هذه نسبة صغيرة مما يحدث بالفعل، فخلال الأشهر الأربعة الأكثر سخونة فى العام، فإن الحرارة الإضافية الناتجة عن تغير المناخ، مسئولة عن 0.58٪ من وفيات العالم.
وأزاحت الوكالة الأمريكية الستار، عن توقعات منظمة الصحة العالمية، بأن حصيلة الوفيات السنوية بسبب تغير المناخ سيرتفع إلى 250 ألفا سنويا فى ثلاثينيات القرن الحالى.
وأظهرت “أسوشيتيد برس” تعرض الولايات المتحدة لـ 265 كارثة مناخية، تسببت فى خسائر لا تقل عن مليارى دولار، منذ عام 1992، من بينها 18 كارثة هذا العام. كما تسببت تلك الكوارث فى مقتل 11991 شخصًا وكلفت 1.8 تريليون دولار. وأوضحت أنه من عام 1980 إلى عام 1992، كان متوسط خسائر وقوع ثلاث كوارث مناخية فى الولايات المتحدة، تبلغ مليار دولار سنويًا.
ونقلت «أسوشيتيد برس» عن ويليام ك، رئيس وكالة حماية البيئة الأمريكية السابق، الذى ترأس الوفد الأمريكى منذ ثلاثة عقود، قوله إن البيانات التى حللتها وكالة أسوشيتد برس بواسطة مصادر حكومية وتقارير علمية تظهر “كم خسرنا الأرض’’ رغم مفاوضات المناخ الدولية التى توجت باتفاقية باريس عام 2015 وتستأنف حتى اليوم فى القمة المرتقبة المقررة فى جلاسجو باسكتلندا، فى محاولة لتكثيف الجهود العالمية لخفض التلوث الكربونى.
وأعادت «أسوشيتيد برس» إلى الأذهان قمة «ريو» عام 1992 فى ريو دى جانيرو، التى حضرها أكثر من 100 من قادة العالم، لمناقشة الاحتباس الحرارى والقضايا البيئية الأخرى، قائلة إنه ثمة شعور كبير انتاب المجتمع الدولى حينذاك، بالثقة الكبيرة والقدرة على القيام بشيء ما، مشيرة إلى تغير تصريحات لأورين ليونز ــ 91 عاما ــ أحد ممثلى الأمريكيين الأصليين، الذى كان قد شارك فى القمة، والتى قال معلقا عليها «كان هناك أمل حقا وقتها، لكن هذا الأمل قد انقطع الآن، فالجليد يذوب.. كل شيء سييء.. ثلاثون عاما من التدهور».
رابط دائم: