الشرط القاسى
ـ حسام العنتبلى ـ المحامى: تعليقا على رسالة «الشرط القاسى» ببريد الجمعة أقول: «إنه حقًا شرط قاس، كما كتبتَ، لأب حائر، فالمفاضلة بين أمرين أحلاهما مُرٌ، ومُرهُما علقمْ، في قصة، تَسَرَّبَتْ أحداثها فى النفوس فَحَزَنَتْ، واستدعت الدموع للعيون فَبَكَتْ، فاهتز لها القلب، واعتصرته الآلام، على ابن تِسْعٍ تاقَ لِحِضْن أمه فلفظته، ولاذ بغيرها فرفضه، فَسَكَنَتْ نفسَه البريئة، أحزانٌ بلا ذنب، وعاشت سنُّه الصغيرة، مأساةً بلا رأب، وباتت تبحث طفولته الضعيفة، عن أي أم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.. طفل يتيم، وما هو بيتيم، بل شُبِّهَ له، فغدا يُشبِهه، وأبوه يأبى أن يبتعد عنه فيفقده، كما يَخشى إن أقام معه، ألا يقدر على رعايته، لانشغاله بعمله، فيصدق فيهما قول الشاعر :
ليس اليتيم من انتهى أبواه
وخلَّفاه ذليلا
إن اليتيم هو الذى تلقى له
أمًا تَخَلَّتْ أو أبًا مَشغولا
فينبغى على الأب، ألا يثق بزوجة، غادر قلبها الحنان، فَنُزِعَت من ضميرها الرحمة; بل أضحت غير مأمونة على الطفل، إن هي انفردت به، أو وجدته وحده، أو غاب عنه أبوه، وقد أفصحت عن سوء نيتها، وصرَّحت بسواد طويتها، لذا لا أمان للابن معها، ولا اطمئنان للأب عليه، فالموقف جَدْ صعب، والأمر جَدْ مُخِيف، فكثيرا ما قرأنا، عن حوادث لنساءٍ، فقدنَ الحنان، فضللنَ الطريق، فقتلن طفلا، غيلة وحقدا، وغيرة وانتقاما، فالغيرة لغير الحب، شر يُوَلِد البُغض، والبغض يُوَلد الحِقد، والحقد يدفع للكيد، والغِل، والانتقام، وأنه من كيدهن، إن كيدهن عظيم، فليس أمام الأب; إلا أن يكون لطفله، أبًا وأمًا، وصَدرا وحِضنا، ومَرتَعا ولَعِبا، ففي كنفه يسعد، وفي حضنه يرقُد، وفي حضوره يَأمن، ويُمسى من الآمنين، والله يحفظهما.
سر السعادة
ـ مصطفى عبد الغنى ـ المحلة الكبرى: الإحسان سبب السعادة الحقيقية بين الزوجين، وحق عليهما، فالإحسان عطاء بلا حدود، وهو خلق جميل ينبئ عن صفاء القلب، وينطق بالوفاء، واعتراف بالفضل وعرفان للجميل، ومنتهى قصد السالكين، فبالإحسان يشترى الحب، ويخطب الود وتكسب النفوس، والمحسن لا يؤذى أحدا، فإن آذاه أحد عفا وصبر، وصفح وغفر، وإذا عامل الناس، عاملهم بالفضل، فالإحسان صفة من صفات الله، فسبحانه هو المحسن في خلقه، والمحسن إلى مخلوقاته، وبيده الخير كله، وله ينسب الفضل، ومن الإحسان العظيم، الإحسان بين الزوجين، بأن يحسن الرجل إلى زوجته، بحسن معاشرتها، وحثها على الخير والطاعة والإنفاق عليها بالمعروف، وإعطائها حقوقها المالية والنفسية من غير ظلم، وعلى الزوجة أن تحسن إلى زوجها بطاعته بالمعروف والسعي إلى رضائه قدر المستطاع، والاعتناء ببيته وماله وأبنائه، وصيانة نفسها عما يخدش العرض والشرف، فالذي يحسن إلى الناس ينشرح صدره، ويشعر بالراحة النفسية وقد ذكر ابن القيم أن الإحسان من أسباب انشراح الصدر فقال: (إن الكريم المحسن، أشرح الناس صدرا وأطيبهم نفسا، وأنعمهم قلبا، والبخيل الذي ليس فيه إحسان، أضيق الناس صدرا وأنكدهم عيشا وأعظمهم هما وغما «.
ما أجمل الستر!
ـ محمد مدحت لطفي أرناءوط: يروى أن مَلِكًا فيه عرج وعور، أراد أن تُرسَم صورة له تُخفِي عيوبه، فأرسل إلى الفنَّانين والرسَّامين فأبَوا ذلك، فكيف يرسُمون لوحةً له دون إظهار عيبه الظاهر «العرج والعور»؟ فقام أحد الرسَّامين وقال: أرسمها لك، فرسمه وبيده بندقية الصيد، وقد أغمض عينه العوراء، وثنَى قدمه العرجاء، وكأنه مستندٌ لاصطياد هدفه، ومن أعظم النِّعم أن تنالَ ستر الله عليك، فماذا لو كشَف سترَه عنك؟، فماذا لو كانت للذنوب رائحةٌ؟، هل نستطيع أن نجالس بعضنا بعضًا؟، وماذا لو كُتِبت ذنوبنا على جباهِنا فاطَّلع عليها الناس؟، وماذا لو كتبت على جدران بيوتنا الذنوب التي يقترفُها سكان هذا البيت أو ذاك؟.. والله لولا ستر الله علينا ما جالَسَنا أحدٌا، فكم من أسرةٍ ستحطم، وكم من زوجة ستُطلَّق، وكم من صاحب سيفارق صاحبه، وكم من خليل سيترك خليله، وكم من أرحام ستقطع، وكم من عَلاقة إنسانية ستمزَّق لو كُشِف ستر الله؟.. ما أجملَ الستر وما أعظم بركتَه وأبهى حُلَّته، فهو خُلُق الأنبياء، وسمة الصَّالحين، يورث المحبة، ويُثمر حسن الظَّن.
الاستسلام للحزن
ـ أحمد حمزه نمير: لا يوجد إنسان على وجه الأرض لم يذق مرارة الأحزان ، سواء فقد حبيب أو قريب أو صديق غال، أو مصيبة ألمت به،مهما علا شأنه أو قل!، وإذا نظرنا لمن حولنا ولكل من نعرفه سنجده قد مر بظروف قاسية، فأشد الناس بلاء الأنبياء، والصالحون ثم الأمثل، فالأمثل، وحتى رسول الله صاحب هذا الحديث مرّ بتجارب صعبة ومريرة ابتداء من موت السيدة خديجة، وعمه أبو طالب وحتى ابنيه إبراهيم والقاسم، وجميع بناته في حياته ماعدا فاطمة رضي الله عنها، والشدائد التي مر بها وأصحابه في دعوته من عذاب وتنكيل وحصار من أهل قريش، وهذا للدلالة على أنه لا يوجد من هو أعظم من سيد البشر أجمعين، ولكنه أبتلى أيضا، وقد مرت به من المُلمات والأحزان ما تنوء به الجبال، وكل الناس يمُرون بتجارب مريرة وينجحون في تجاوز الأحزان بالإرادة القوية واستجماع قوى الإيمان بالقدر، شره قبل خيره لتستمر الحياة من جديد، مع طي الأحزان في سجل النسيان؛ للوصول لما هو أفضل من الماضي، وإلى مراحل حياتية مستقرة نسبيا، ولا داعى للتوقف طويلاً بعد التجارب الحزينة، والصدمات التي قد نُفاجأ بها من حين لآخر خاصة ممن لا نتوقع منهم ذلك».. ويقول تعالى: «وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ» (آل عمران 139)، وقال تعالى أيضا: «إِنَّمَا النجوى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» (المجادلة10).
وقد أخبرنا القرآن الكريم أن بعد العسر يسرا، وتخبرنا تجارب الأيام أن البشرى والسعادة تعقب المصائب والأحزان، فما بعد الضيق إلا الفرج، وما بعد الصبر إلا الفوز والثواب العظيم عند الله، فعن أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلَاءِ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْماً ابْتَلاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ».
رابط دائم: