رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

بريد الجمعة.. يكتبه: أحمد البرى
الطائر الحائر!

أحـمــد البــــــرى

تستوقفنى كل جمعة رسائل قرائك التى تتناول تجاربهم فى الحياة، وأستفيد من ردودك عليها، ومساندتك لهم لمواصلة حياتهم فى هدوء واستقرار، وها أنا أكتب إليك حكايتى مع الحياة، عسى أن تبصّرنى بما أفعله فى أيامى المقبلة، فلقد نشأت فى إحدى قرى محافظات الدلتا، وتربيت تربية ريفية، حيث التحقت بالكتاب، ثم المدرسة، وكنت متدينا بطبيعة أهل الريف فى ذلك الوقت، فالصلاة فى المسجد لازمة، وحضور الجنائز فرض عين، واحترام الكبير، وغير ذلك من الأخلاق الطيبة، ومرت سنوات، وأتممت التعليم الثانوى، ثم دخلت الجامعة، وكنت خطيبا «منبريا» طوال تلك الفترة، وبعد تخرجى، سافرت إلى دولة عربية، وعملت مدرسا بها، وبعد انتهاء عقدى، عملت مدرسا بالأزهر الشريف، ثم مهندسا بوزارة الرى، وتزوجت من إحدى قريباتى من الدرجة الثالثة، ورزقنى الله منها ولدين وبنتا تعلموا جميعا فى الأزهر، الأول مهندس والثانى طبيب امتياز، والبنت تدرس بكلية الطب.  

 وقد بدأت مرحلة جديدة فى حياتى منذ حوالى ستة عشر عاما، حيث اتجهت إلى العمل الحر بجانب الوظيفة الحكومية، إذ توليت إدارة إحدى المؤسسات، وأعطانى الله من فضله الكثير، وأصبحت تاجرا معروفا فى منطقتى بالقاهرة الكبرى، وتحوّلت حياتى تماما، وصار لدىّ مال كثير، ووعدت أبنائى بأن من يتفوق منهم، سأمنحه سيارة جديدة هدية منى، وبالفعل نفذت ما وعدتهم به، ولكن للأسف الشديد، مع هذا النجاح، وتوافر كل مستلزمات الحياة الرغدة، كانت حياتى مع أمهم غير مستقرة بسبب العلاقة الزوجية، حيث إنها كانت ترفضها إلا على فترات متباعدة، قد تصل إلى شهور، وندبت حماتى لحل هذه المشكلة، فلم تفلح فى إقناع ابنتها بأن تعطينى حقوقى الزوجية بشكل طبيعى مثل الزوجات والأزواج، فتكلمت مع حماتى فى الزواج بأخرى مادامت مصّرة على موقفها، فقالت: «لك هذا؟»، وقد تسألنى: كيف صبرت على زوجتك كل هذه السنين، دون أن تفكّر فى الزواج من غيرها، أم أنك أردت الزواج بعد أن تيسرت أحوالك المادية إلى درجة تلبية جميع مطالب أبنائك، وشراء سيارة لكل منهم؟، فأرد عليك بأنها منذ زواجنا، وهى تنتهج معى هذا النهج، ولكن لم يكن الأمر بهذه الضخامة.  

وتزامن ذلك مع تعرضى لمشكلة مع شركائى بالتجارة، وكانت عبارة عن «بلطجة» منظمة ومخطط لها ومدروسة جيدا من أحد الشركاء، حيث استولى على التجارة، ثم بعد حوالى ستة أشهر، ومن خلال وسطاء، أعيد لى نصف تجارتى، وخططت للعمل والنهوض من جديد، بل واستعادة ما تبقى من تجارتى عند خصمى، وفى أثناء عملى، وبعد الفشل الذريع فى حل مشكلة زوجتى معى، ورخصة حماتى لي بالزواج، ارتبطت بزوجة ثانية، وأخفيت عن حماتى هذا الزواج، ولكن أم أبنائى عرفت به، فخططت للتخلص منى، إذ كنت قد استخرجت لها توكيلا عاما، خلال أزمتى مع شركائى، فاستدرجت الأبناء فى صفها، ونقلت كل شىء عندنا باسمها دون أن أعلم، وما عرفته فيما بعد أنها أجرت عملية «غسل مخ»، وإعادة ترتيب مع أبنائها بمساعدة أخوالهم وحماتى التى أعطتنى تصريحا بالزواج، وبلا سابق إنذار عقدوا جلسة عائلية لم أعلم بها، وقرروا إبعادى عن الأسرة، وجردونى مما أملك حتى مالى فى البنوك، وسيارتى، ثم أبلغوا عنى مباحث تنفيذ الأحكام، حيث كانت علىّ أحكام مخالفة مبان وممارسات كهرباء، واحتجزت فيها أربعة أشهر.. لقد فعلوا ذلك بعد أن رتبوا أوضاعهم، وسكنوا فى مكان لا أعلم عنه، ولا عنهم أى شىء، وخرجت من السجن، وقد تم لها ما أرادت، ودخلت معها فى مشكلات قضائية استغلنى فيها المحامون، وتعرضت لأزمة نفسية عميقة، كدت فيها أن أفقد عقلى، ولكن الله ألهمنى أن أتلو القرآن باستمرار، فختمته كل يومين أو ثلاثة حتى عاد لى اليقين والرضا، وبدأت مشروعا تجاريا جديدا لا يحتاج إلى رأس مال كبير، ورفعت دعوى للعودة إلى عملى، وعلمت أن زوجتى الحالية هى التى أبلغت أبنائى بارتباطى بها، وتغيرت معى كثيرا، وافتعلت مشاجرات يومية معى، حيث إنها تزوجتنى من أجل أموالى، ولتحقيق مصالحها الشخصية، ولما عرفت بما فعله بى أبنائى وأمهم، لا تريد الاستمرار معى.

لقد صرت كالطائر الحائر، الذى لا يدرى أين يحط برحاله، طلبا للراحة، وسعيا إلى بدء مرحلة جديدة من الحياة، وأرغب فى أن أواصل حياتى مع إنسانة أخرى متعلمة مثقفة، تعلم أن لها ربا، وأننا جميعا راحلون ونأخذ بيدىّ بعضنا، ونعود إلى الله، فتمضى بنا الحياة مستقرة بعيدا عن المتاعب والأزمات، وعندى الآن مشروعى الخاص، وسيارة، وأستطيع أن أبدأ من جديد فى كل شىء، فهل هذا ممكن؟. 

 

 ولكاتب هذه الرسالة أقول:

برغم جهدك الدءوب، وتعدد مجالات العمل التى تجمع بينها، ونجاحك فيها، فإنك لم تحسن تقدير الأمور، ولم تضع النقاط على الحروف، وتتحرى الدقة فى خطواتك التى اتخذتها بلا تفكير، وكلها خاطئة للأسف الشديد، فلقد أقمت مبانى مخالفة، ولم تدفع فواتير الكهرباء التى تقول أنك أدخلتها بنظام «الممارسة»، فكانت النتيجة أنك تعرضت للحبس أربعة أشهر، وإنى أسألك: لماذا لم تدفع ما عليك للدولة، وأنت صاحب أموال ومشروعات تجارية، ولديك الكثير من الأملاك، أم أن الحبس كان لأسباب أخرى؟!، ولماذا تهربت من دفع الغرامات، قبل أن يصل الأمر إلى القبض عليك لتنفيذ الحكم الصادر ضدك؟، ثم ما الذى جعل شركاءك يفضون «شراكتهم» معك؟، ولماذا لم تبلغ حماتك بزواجك بأخرى، وهى التى قالت لك: إنه حق لك مادامت زوجتك تمتنع عنك؟، وعلى أى أساس ارتبطت بالثانية، وأنت تعلم مخاطر «الزواج السرى» من كل الوجوه؟، فالارتباط فى النور، والإشهار هو السبيل الوحيد لتحاشى ما يترتب على إفشائه فيما بعد على جميع الأطراف، وأولها زوجتك، ثم أبناؤك الذين من الطبيعى أن ينحازوا إلى أمهم، وكيف تحرر توكيلا عاما لزوجتك الأولى، وأنت تعلم تماما التقلبات التى سوف تترتب على معرفتها بارتباطك بضرة لها؟!.

 

إنها أسئلة كثيرة تكشف بوضوح حالة التخبط التى ألمّت بك، ومازلت تعانى آثارها بعد غدر زوجتك الثانية التى تعيش معك كما هو واضح من رسالتك، ولا أظنك طلقت أيا من زوجتيك، أم أبنائك، والأخرى التى جلبت لك المتاعب، بعد أن انتهت فترة «العسل»، وظهر وجهها الحقيقى، وما كانت ترمى إليه من ارتباطها بك.

وبرغم كل شىء، فإن ما فعلته أم أبنائك باستغلال التوكيل الذى حررته لها، أمر غير مقبول، إذ لا يجوز لها أن تتصرف فى كل ما يخصك إلا بإذنك، وما فعلته إثم، وتصرفها باطل شرعا، لما فيه من «الغرر»، ثم كيف تقصد بالتوكيل معناه العام، وهى تعلم أنه لم يُرِد به إلا أمر خاص، بمعنى أنها لا تملك من التصرف إلا ما يقتضيه إذنك لها، من جهة النطق، أو من جهة العرف، لأن تصرفك بالإذن، ولا يحق لها أن تتصرف إلا فى حدود اتفاقك معها، لكن القانون له منطوق التوكيل، وهذا هو الخطأ الذى ارتكبته، وأرجو أن يستوعب الجميع هذا الدرس، فيتحرون الدقة فى كل خطوة يخطونها، وكل تصرف يقدمون عليه.

أما عن زواجك الثانى، فإذا كان حقا لك باعتباره زواجا شرعيا رسميا وموثقا، فإنه ليس حقا مطلقا، فهو مقيد بعدد من الشروط والضوابط التى وضعها الشرع والقانون، مراعاة لحقوق الزوجة الأولى النفسية والقانونية أيضا.

وإذا كانت المرأة لا تطيق أن تكون لها ضرة، فلماذا تقبل الارتباط برجل متزوج، أم أن كل واحدة تكيف الأمور حسب هواها؟.

إن المؤسسة الزوجية مثل أى مؤسسة أو شركة فيها عقد، والعقد شريعة المتعاقدين، ولكنها معرضة لتقلبات الحياة ومشكلاتها، وهنا يأتى دور «الإصلاح الأخلاقى» ــ إن صح التعبير ـ ليستوعبا بعضهما البعض، ولا يتحولا إلى نقيضين، وكنت أتمنى من زوجتك الأولى أن تلبى رغبتك فى علاقتكما الخاصة، فبرغم امتناعها عنك، فإنها تنكر عليك زواجك بأخرى، لكنك لم تجد سبيلا لتلبية رغبتك الجسدية إلا الزواج الثانى الذى جرّ عليك متاعب جديدة بعد أن علمت أم أبنائك به، وهكذا صرت زوجا على الورق لزوجتين، لكل منهما مآرب وأهداف، والآن تريد أن تتزوج الثالثة، وهذا هو الخطأ الجديد الذى سوف تقع فيه.. إذ لابد أولا أن تحسم أمر زوجتيك، فتطلقهما إذا كانت العشرة قد أصبحت مستحيلة معهما، وأظنها كذلك، ثم تمنح نفسك فترة من الوقت، تكون قد تعافيت خلالها من آلام هاتين الزيجتين، ووضعت قدميك على طريق جديد من الشفافية والوضوح والاجتهاد والنجاح، ووقتها ستجد من تقدرك، وترتبط بك، ولتعلن زواجك منها، ولكن إياك أن تتغافل عن مد جسور الود مع أبنائك، حتى تحافظ على صورة الأب فى أعينهم، ولا تهتز ثقتهم فيك، فبدون التواصل معهم، واطلاعهم على الحقيقة والمتاعب التى مررت بها، لن تصفو نفوسهم لك، ولن يرتاح بالك، وعليك من الآن أن تأخذ فى الاعتبار المشاعر التى قد تحس بها، خصوصا بعد الزيجة الثالثة، ومنها التوتر الشديد والقلق المستمر، وربما المعاناة من الفتور العاطفى، وسيطرة مشاعر عدم الثقة فى النفس عليك، بل ربما العدوانية فى بعض الأحيان والابتعاد عن الآخرين، فبدون التدقيق فى كل هذه الأمور، سوف تظل حيرتك مستمرة، ولن تستقر أوضاعك.. كن حريصا وواضحا وحاسما فى أمورك، وإياك أن تمسك العصا من المنتصف، وفقك الله وسدد خطاك.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق