رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

رحــيل كـبير الأســاتذة

د. أحمد سالم

رحل الخميس 21 أكتوبر الفيلسوف المصرى حسن حنفى، رحل أستاذ الجيل الرمز والمعنى، وخلف وراءه إرثا عظيما فى الفكر والثقافة، عاش حسن حنفى راهباً متجرداً من أجل رسالته البحثية والعلمية، فكان علامة بارزة فى جامعة القاهرة، وتاريخ الفكرى المصرى الحديث، إذا دخل المحاضرة غير وعى تلاميذه فهو الأستاذ والفيلسوف الذى كان يؤمن بدور الفكر والفلسفة كرسالة للوعى، ولم يكن يسعى لشهرة ولا جاه ولا مال، فكان الفيلسوف والمفكر والمصلح الذى يؤمن برسالة الفكر، وبأن الفكر ينبغى أن يكون حالماً، ومهموما بهموم الوطن وأحلام الشعب وآلامه، ولذا تداخل لديه دوره كفيلسوف مع دوره كسياسى أو مواطن فاختلط فى فكره المعرفى بالأيديولوجى، والفكرى بالسياسى، وبدت بنيته الفكرية حاملة للتناقض فيما وصفه فؤاد زكريا بأن كتاباته تحمل رقصة المتناقضات الجنونية، وحين سألته عن طبيعة التناقض القائمة فى مشروعه الفكرى كان يقول لى: لماذا تعتقد أن الحقيقة هى وليدة الاتساق لم لا تكون الحقيقة وليدة التناقض بتلك الروح الهيجيلية كان حسن حنفى يحمل رسالته الفكرية المشحونة بهموم وطنه وآلام الشعوب العربية.

أسس حسن حنفى مشروعه الفكرى المعنون بالتراث والتجديد ليقدم قراءته الخاصة لإعادة قراءة تراث الذات القديم وفقاً لمتطلبات الواقع المعاصر وهمومه وآلامه وأحلامه، فقدم قراءته لعلوم القرآن والحديث والتصوف وعلم الكلام وأصول الفقه والفلسفة الإسلامية، كان فيها حسن حنفى شديد الاعتزاز بالذات وإرثها التاريخى الحضارى، وكان يرى أن أى نهضة معاصرة لا يمكن أن تحقق إلا بانطلاقها من إرث تراث الذات الحضارى، ذلك لأن التراث هو الذى يحدد الملامح العامة للشخصية القومية، وهو المخزون النفسى لدى الجماهير، وأثارت قراءته للتراث الجدل والنقاش وحفزت العقول على الاشتباك مع اطروحته الحية المثيرة للجدل، والمحركة للمياه الراكدة فى تاريخنا الثقافى.

وفى قراءته لعلم الكلام فى كتابه «من العقيدة إلى الثورة»، تبنى حسن حنفى تيار المعتزلة بروح عصرية جديدة، حاول البحث من خلال قراءته إلى عودة المركزية للإنسان والتاريخ فى علم الكلام، محاولا تأسيس لاهوت تحرير جديد، يركز على توظيف العقيدة من أجل تحرير الإنسان والأرض، والتركيز على قضايا المجتمع، وينتقل فى قراءاته علم الكلام من مركزية الله إلى مركزية الإنسان، ومن اللاهوتى إلى الأنثروبولوجى، والتركيز على الاجتماعى بديلاً عن الغيبى، وقد تأثر حسن حنفى فى قراءاته لعلم الكلام بالفكر الغربى الذى هضمه، فكان هناك تأثير كبير للفلاسفة الغربيين عليه من أمثال هيجل وماركس وهوسرل، وفيورباخ.وفى موقفه من التصوف كان حريصا على تقديم قراءة للتصوف تنقله من التجربة الفردية إلى الأثر الاجتماعى له، وذلك فى كتابه «من الفناء إلى البقاء»، فكان يرى أن التجربة الفردية للاعتقاد الصوفى التى تنصب على التجربة الفردية للإنسان لابد أن تنفتح على الاجتماعى، ولا تنغلق على نفسها، وأن تتحول من الفناء إلى البقاء، ولهذا قدم التأويلات الاجتماعية المختلفة لمعتقدات الصوفية حتى يكون للتصوف أثره فى تغيير واقع المجتمع، ولا يصبح التصوف منغلقا على الحياة الفردية فقط، وأن لا نكون سلبياً ولا انسحابياً.

وتصدى حسن حنفى بالدفاع عن أصالة الفلسفة الإسلامية ضد مقولات المستشرقين بأن الفلسفة الاسلامية هى فلسفة يونانية مكتوبة باللغة العربية، وأن أعمال فلاسفة الإسلام كالفارابى وابن سينا، وابن رشد هى مجرد اعادة انتاج لأعمال أفلاطون وأرسطو، فرأى أن فلاسفة الإسلام إنما نقلوا أعمال فلاسفة اليونان بروح الثقافة الإسلامية، ومن أجل خدمة القضايا المركزية فى ثقافتنا وهى الله والطبيعة والإنسان، فوظفوا المنطق اليونانى ومقولاته فى اثبات وجود الله الواحد، ووظفوا السببية فى تفسير الطبيعة، فلم تكن الفلسفة اليونانية سوى القوالب والأوعية التى وظفها فلاسفة الإسلام للتعبير عن قضاياهم الإسلامية، ولم يكن تأثر فلاسفة الإسلام بفلاسفة اليونان سوى نتاج انفتاحهم على ثقافات الآخر وفقاً للمشترك الإنسانى العام، والعقل الكونى الحاكم للفكر البشرى.

ومن جانب آخر كان حسن حنفى حريصاً على أن يقدم قراءة لتراث الغرب فيما عرف بتأسيسه لعلم الاستغراب فى مقابل علم الاستشراق، وكان ذلك مقدمة لتؤسس الكثير من المعاهد فى العالم الإسلامى لعلم الاستغراب، حيث دعا حسن حنفى إلى دراسة تراث الحضارة الغربية بوصفها تجربة حضارية لها حدودها وتطوراتها واخفاقاتها، ونادى بضرورة رد الغرب إلى حدوده الطبيعية، وإلى دراسته وبحثه ونقده ليس بوصفه صاحب حضارة عالمية وكونية تمجد الرجل الأبيض على حساب بقية الأجناس، وتمجد الحضارة الغربية على حساب بقية الحضارات الأخرى، ولكنه أراد دراسة التجربة الحضارية الغربية بوصفها حلقة فى تطور الحضارة الإنسانية، وأن علينا فى العالم الإسلامى أن ننفتح على كافة التجارب الحضارية الأخرى بوصفها تقدم النماذج البديلة للحضارة الغربية.

ولم يسعف العمر حسن حنفى ليضع فى مشروعه الموقف من الواقع الراهن لكنه على مستوى الثقافة الجماهيرية أسس ما يعرف باليسار الإسلامى، ووضع أهدافاً كثيرة لليسار عليه أن يحققها، وهى ارساء دعائم العقلانية والحرية والعدالة الاجتماعية، والتنمية، وتحرير الأرض من المستعمر، وكافة القضايا الملحة فى واقع المجتمعات العربية الإسلامية، ودعا كل فصائل الفكر العربى إلى الانضمام تحت لواء اليسار الإسلامى من العلمانيين والليبراليين والإسلاميين، وإلى تناسى الخلافات الأيديولوجية، والاتفاق حول الأهداف الكبرى الملحة فى واقع المجتمعات العربية لأن هذا وحده هو السبيل إلى النهضة والتقدم، وبغير ذلك ستظل قوى وتيارات الفكر العربى تناضل من أجل صراعاتها الداخلية تتعارك مع بعضها البعض، وتقصى بعضها البعض، وتهدر قواها فى معاركها الداخلية متناسية الأهداف الكبرى لاحتياجات شعوبها. رحل حسن حنفى ليترك لنا مشروعا فكريا كبيرا لم ينل حظه من الاهتمام داخل وطنه فى الوقت الذى كان تأثيره كبيرا فى بلاد ما وراء النهرين وماليزيا وإندونيسيا وتركيا وباكستان وأذربيجان، وكان له تأثير كبير فى المغرب العربى وتونس والجزائر، وخلف وراءه العشرات من التلاميذ فى هذه البلاد فكان تأثيره خارج مصر أكبر بكثير من تأثيره داخل مصر، رحل حسن حنفى أحد أهم رموز مدرسة الاصلاح الدينى، فقد كان امتدادا كبيرا لرفاعة الطهطاوى، والأفغانى، ومحمد عبده، وأمين الخولى، وعبدالمتعال الصعيدى، ومحمد أحمد خلف الله.

وداعا حسن حنفى الذى ترك فى العديد من تلاميذه آثرا بارزا، فمن يدخل أرضه الفكرية لا يخرج منها إلا وقد غير العديد من أفكاره ومعتقداته الساكنة، فقد ملك القدرة على إشعال نار الفكر فى عقولنا، وداعا لمن كان مهموما بهموم وطنه ومعاناة بلاده وأمته، وداعاً من أنزل الفلسفة من عالم الأفكار إلى واقع المجتمع لقد رحلت عنا بجسدك ويظل أثرك باقيا كحال كل العظماء فى التاريخ الإنسانى.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق