أكد تقرير صادر عن المجلس العالمي للمعالم والمواقع (إيكوموس) أن قائمة التراث العالمى تضم حاليا 869 موقعا ثقافيا و13 موقعا طبيعيا و39 موقعا مختلطا، موزعة على 167 دولة، وتعكس هذه المواقع، القيم الثقافية والطبيعية فى دول العالم، وفى مقاربة مهمة أتحدث عن تجربة مغربية في الحفاظ على تراثها المتنوع، وما يحدث هذه الايام من اهتمام كبير توليه مصر لاستعادة الوجه البديع للقاهرة التاريخية، حيث تمضي مصر قدمًا في مشروع جديد لاستعادة القاهرة التاريخية، الذى يمثل موقعا تراثيا عالميا مترامي الأطراف تم بناؤه على مدى ألف عام، ويضم الكثير من الآثار.
وأتحدث عن مدينة فاس المغربية، العاصمة العلمية ذات التقاليد العريقة، التي ظلت فترات طويلة عاصمة لحكم عدد كبير من ملوك المغرب، وبها جامع القرويين، وهو أقدم من جامعتي أوكسفورد والسوربون، ولعب دورا ملحوظا في الحياة السياسية بالمغرب، وبالقرب منه تمتد أسواق فاس العريقة وتتجمع فيها الحرف التقليدية، محتفظة بطابعها القديم، فهناك حرف الجلد والنحاس والحياكة وغيرها، وقسمت الأسواق حسب الحرفة، وهى تشبه إلى حد كبير منطقة خان الخليلي بالقاهرة، وعندما تتجول في شوارع المدينة تجد الحياة بها زاخرة غنية، متنوعة المظاهر والذوق الرفيع، ولا يوجد حد للمتعة الروحية والحسية فيها، فغنى قصورها وجمال متاحفها وزخارف مبانيها يجعلك تعشقها، وعندما تجوب حواريها وأزقتها تسمع حفيف أشجارها، كأنه يذكرك بتاريخها العتيق، وتراها عند بزوغ الفجر، وتلالها قد أضيئت بضوء النهار، وعند الغروب، تغطى حمرة الشفق سقوفها وقبابها في منظر بديع مثير للأشجان، وفى فاس تجد كل الفصول، ففيها الشتاء يلبس حلة بيضاء، والربيع بخضرته، والصيف بصفاء سمائه وزرقتها.. إنها تحمل بالفعل عبق التاريخ ومن يزورها يحس أنه يتنفس فعلا هواء العصور الوسطى.
وبينما تستعد حكومتنا للانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة، فإنها تضع لمسات جمال فى القاهرة القديمة، بجامع الازهر العريق، وتعيد وجهها التاريخي كمنطقة جذب سياحي، بتحسين واجهات المباني القديمة وتحويل الوكالات والحانات الى فنادق "بوتيك"، وسيركز جزء كبير من العمل الأولى على ترميم الأحياء حول البوابات الثلاث الكبرى التي بنتها الأسرة الفاطمية، التي حكمت البلاد قرنين من الزمان بعد فتحها القاهرة عام 969 م.
إن القاهرة التاريخية تزخر بالورش والأسواق والمساكن، وأرى أن الحفاظ على الحرف التي تمارس في بعض الشوارع أمر مهم، مع الحفاظ على طابع المنطقة، فقليل من المدن في العالم لديها العديد من طبقات التاريخ التي تعود إلى فترة طويلة جدًا كما هى الحال في القاهرة القديمة، لذا فالاهتمام سيكون شاملا، السكان والحرف والنسيج التاريخي والبنية التحتية، ولن يقتصر على الآثار وحدها. فالقاهرة التاريخية التي تحتضن تلك الروائع المعمارية، لعبت دورا كبيرا في تطور التعمير وكانت نموذجا بارزا لمدينة تاريخية حية، كما أن الاهتمام بالجوانب اللامادية للتراث الثقافي ضروري، ليس فقط في الإطار الحرفي والتقنيات التقليدية، بل أيضا فيما يتعلق بالذاكرة وإعادة الإعمار، وأتمنى، ومشروع القاهرة الفاطمية يخطو في تنفيذه تلك الخطوات المحسوبة برعاية الدولة، أن يشعر السائح عندما يزورها بأن التاريخ عاد مرة أخرى ليطل بأمجاده وعظمته ويتنفس فيها عبق تاريخها العريق.
د. حامد عبد الرحيم عيد
المستشار الثقافى المصرى الأسبق بالمغرب
رابط دائم: