أغلب ما تبقى من إرثه المصور، حفنة من الصور الفوتوغرافية التى توثق العديد من المناسبات و المواقف المختلفة له وهو فى السنوات الأخيرة من حياته التى امتدت حتى الخامسة و الستين . تتأمل تلك الصور التى تلقيها أمامك بكرم شديد محركات البحث فتهمس: ما هذا أديبا، إن هو إلا نجم سينمائى بامتياز! يرفض أن تُلتقط له الصور إلا وهو بكامل أناقته ، حيث رابطة العنق والمنديل الحريرى والشعر المصفف بعناية، أما الشارب فيشهد على مقاييس الوسامة قبل سبعين عاما . من يمكنه أن يصدق أن هذا الخمسينى الوسيم المتأنق هو نفسه الفتى الواقف بتردد على أبواب الشباب باحثا عن نفسه دون جدوى، فيقرر إطلاق لحيته و ارتداء نظارة بعدسة واحدة تتماشى مع زى غريب اختاره بدقة ثم يمشى فى شوارع المدينة يجوب طرقاتها وساحاتها حافى القدمين؟
إنه الكاتب الأمريكى وليام فوكنر «6 يوليو 1897 ــ 25 سبتمبر 1962» الذى حلت ذكراه الشهر الماضى، حاز أرفع الجوائز العالمية مثل « نوبل للآداب 1949» و«بوليتزر 1955» ، كما أن روايته «الصخب و العنف» حلت فى المرتبة السادسة ضمن أفضل مائة رواية بالإنجليزية فى القرن العشرين. عاش فى ولاية ميسيسبى التى تعد قلب الجنوب النابض فى أمريكا، التى قدر لكاتب هذه السطور زيارتها فى عام 2005، ولاية تمتاز بثراء الطبيعة حيث الزراعة و النهر وصمت الأشياء الذى يكاد يطبق على أنفاسك ، المواطنون من أصل أفريقى هم الأغلبية بين السكان ، أجساد ضخمة فارعة لا يبدو أصحابها اجتماعيين تماما. فى هذه الأجواء، وجد الرجل المحب للعزلة ، الكاره للصخب باعتباره شكلا من أشكال «العنف» ذاته ، فتفرغ للإبداع . جاءت لغته محملة بلغة شاعرية ويعود ذلك إلى أنه بدأ حياته شاعرا قبل أن يتحول لكتابة الرواية و يحقق فيه إنجازات مدهشة رغم أن أول روايتين له لقيتا فشلا ذريعا! أما قوة الوصف لديه وعمق السرد البصرى فنتيجة مهارة والدته وجدته لأمه فى الرسم و الفن التشكيلى عموما.
من أشهر مقولاته التى يبدو فيها متشائما بعض الشىء: «من الجيد أنهم جعلوا الحب يسكن الكتب، فربما لم يكن ليجد له مكانا آخر خارجها».
وحول قوة الإرادة وأهمية العزيمة يقول: «لن تستطيع السباحة لآفاق جديدة، حتى تصبح شجاعا كفاية ليختفى الشاطئ من أمام ناظرك».
وله مقولة أخرى شهيرة يبدو فيها متأثرا بوصوله لسن الستين: «لا تجهد نفسك فى السعى لإلحاق الهزيمة بالزمن، لأنها معركة خاسرة، الانتصار فيها وهم من أوهام الفلاسفة والحمقى».
رابط دائم: