رغم تعدد المهرجانات المسرحية فى وقت واحد منها المهرجان القومى للمسرح المصرى ومهرجان نقابة المهن التمثيلية وإيزيس للمرأة وأيام القاهرة للمونودراما والهواة فى بورسعيد وغيرها إلا أن مهرجان المسرح العربى فى دورته الثامنة والثلاثين والذى قدمه طلبة معهد الفنون المسرحية بأكاديمية الفنون كان له مذاقه الخاص حيث تنوعت العروض الراقية بمجموعة متميزة من المواهب الشابة والمختارة بعناية شديدة تدل على مدى الجهد الذى يبذله د. مدحت الكاشف وأساتذة المعهد جميعهم من أجل إثراء الحركة المسرحية بكوادر جديدة مؤهلة للدور التنويرى والرسالة المجتمعية والإنسانية للفن
ومن بين تلك العروض المميزة مسرحية «صوت بلا صدى» التى أعدتها إسراء محبوب عن مسرحية «الكلاب تنبح القمر» للكاتب الكبير عبد الغفار مكاوى بطولة وإخراج محمد فريد الذى يؤدى دور المدرس المثالى المصر على تعريف تلاميذه بالقواعد العلمية بينما يقاوم المجتمع العشوائى المتفسخ بأسره تلك القواعد ويرون فيه شخصا غريب الأطوار محاولين تغيير أسلوبه وفرض واقعهم المادى عليه.. وعندما يجدون منه صلابة وإصرارا على القواعد العلمية والأصول الثابتة يتهمونه بالتحول إلى كلب مسعور يشكل خطرا على المدينة الخالية من الكلاب ويحاكمه الجميع للتخلص من أفكاره المثالية.. جسد محمد شحاتة دور الراوى الذى يتحد فى بعض الأحيان مع شخصية البطل ويحل محله ثم يعود لمكانه راويا للأحداث وهو صاحب موهبة كبيرة وله حضور مميز على خشبة المسرح.. كما تألق أحمد حسن فى دور المسئول الرسمى بملمح كوميدى كاريكاتورى مستمد من الجدية المصطنعة والوقار الزائف وسرق الأنظار أدهم هانى كمال فى دور التلميذ الشقى المتصعلك وشاركه عمر عبد البارى بكاريكاتير التلميذ الفتوة القاسى وكان ثالثهما أحمد يسرى فى دور الفتى ضعيف الشخصية المتبع لموقف صاحبيه.. وقدمت لمياء الخولى دورا نمطيا للزوجة المتسلطة والتى ترى الحياة فقط من خلال الثراء والرفاهية وجسد إبراهيم الزيادى دور الابن غير المبالى والذى يعيش فى عالمه الخاص دون اكتراث بمصير أبيه الذى لا يراه مثلا أعلى يحتذى ولا حتى يقدر نضاله من أجل الحفاظ على أسرته ومبادئه.. بينما قدمت رضوى إيهاب نموذجا صارخا للجحود من خلال الابنة المستغلة والتى تبحث عن نجاح سريع فى العمل الصحفى والإعلامى وترى فى فضيحة أبيها وهو ينبح من الذل والألم فرصة ذهبية لها للشهرة والثراء.. أما المخرج محمد فريد فكان أكثر الجميع تألقا فى دور المدرس النبيل الباحث عن الحقيقة والمقاوم وحده لكل أشكال الزيف والرياء ونجح كمخرج كذلك فى توظيف عناصر الديكور البسيط الموحى لمحمود رجب والموسيقى الدرامية التى أعدها بوعى وحس مرهف مصطفى مجدى والملابس التى صممتها نردين عماد بالإضافة للجهد الواضح من الماكيير الموهوب محمد شاكر.. واستطاع المخرج الشاب أن يصوغ بأبسط الإمكانيات عرضا راقيا يجمع بين الفكر الواعى وعناصر الفرجة الممتعة.
رابط دائم: