فى الفترة الأخيرة كثيرا ما تردد على أسماعنا مصطلح «الملاذات الضريبية» وخاصة منذ أن انتهت اجتماعات قمة مجموعة العشرين الدولية، ووافق وزراء مالية الدول على مشروع لإصلاح النظام الضريبى ووضع حد لـ «الجنات» أو «الملاذات الضريبية» فى العالم وإحداث تحول جذرى فى نظام الضرائب العالمى بدءا من 2023، لكن الكثير منا لا يعرف ما هى «الملاذات الضريبية» ماذا تعنى وما مدى قانونيتها وكيف تؤثر فى اقتصادات الدول ومن ثم اقتصاد العالم؟
«الملاذ الضريبي» ببساطة هى دولة توفر نظام ضرائب متساهلا للأشخاص أو الشركات من أصحاب الثروات الفاحشة ورءوس الأموال الضخمة أو تعفيهم من الضرائب بالكامل.كما أنها تضمن لهم السرية الكاملة لبياناتهم وتفاصيل أعمالهم ولا تتطلب إقامة الأفراد أو الشركات على أراضيها أو حتى تواجدهم التجاري، فهى فقط تتعامل مع أموالهم. يختلف النظام الضريبى من دولة لأخرى فكل دولة تصمم نظامها الضريبى على نحو يتلاءم مع ظروفها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. فهناك أنظمة ضريبية متباينة فى مختلف دول العالم. وتقوم بعض الدول بتوفير أنظمة ضريبية جذابة خاصة للمستثمرين الأجانب تنافس جميع الأنظمة الضريبية فى أى دولة. فهى تمنح امتيازات ضريبية مغرية جدا أو تمنح إعفاءات ضريبية كاملة للمستثمرين الأجانب. وتسعى الدول التى توفر نظام الملاذات الضريبية فى المقام الأول لتحقيق مصالح مالية واقتصادية ضخمة. فالاستثمارات الأجنبية تعتبر آلية ممتازة لضخ مليارات الدولارات فى اقتصاد أى دولة وباستمرار، وهو ما يجعل هذه الدولة، التى تعتبر «ملاذا ضريبيا»، دولة جاذبة للشركات والبنوك العالمية وقد يصل الأمر إلى حد الاحتكارات المالية لكبرى البنوك والشركات العالمية. وهو ما يصب فى مصلحة دولة الملاذ نفسها وانتعاش ونمو اقتصادها بقوة. فعلى سبيل المثال جزر مثل الباهاما وبرمودا وجزر الكايمان تعتبر من أشهر دول الملاذات الضريبية فى العالم. هذه الدول تتمتع باستقرار اقتصادها المحلى وتفرض ضرائب معقولة ومنخفضة على الدخول المحلية لمواطنيها وذلك بسبب أن توفيرها لخدمة الملاذات الضريبية جعل لديها إيرادات مالية كافية تعتمد عليها فى تغطية نفقاتها.
ومن أشهر دول العالم أيضا التى توفر الملاذات الضريبية هى سويسرا، التى تشتهر بقوة ونجاح أنظمتها المصرفية والحفاظ الكامل على سرية بيانات عملائها وتفاصيل ثرواتهم أو أعمالهم، وأيضا بنما ولوكسمبورج.
الملاذات الضريبية فى ظاهرها تعتبر آلية قانونية ومغرية لكنها فى الحقيقة خلقت حالة من التنافس غير الشريف بين دول وحكومات كثيرة فى العالم وفتحت الباب أمام التهرب الضريبى المحلى واللجوء لتحويل الأموال للخارج من أجل الحصول على امتيازات مالية أعلى وهو ما ترتب عليه صعود دول وانهيار دول أخرى على مقياس القوة الاقتصادية. الملاذات الضريبية تعتبر مسمارا جديدا فى نعش العدالة الاجتماعية العالمية.
رابط دائم: