رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

جاذبية «بوند».. ودبلوماسية بريطانيا الناعمة

مروى محمد إبراهيم
> السفير البريطاني مع عدد من المشاركين فى عرض الفيلم

منذ بداية ظهور أول أفلام سلسلة جيمس بوند فى الستينيات من القرن الماضي، وهو يحتل مكانة متميزة فى قلوب ملايين المشاهدين حول العالم وعبر الأجيال.

ومع الوقت، تحول من مجرد شخصية أدبية وسينمائية إلى علامة تجارية بريطانية. فهو رجل المخابرات البريطانى الوسيم، الذى يتمتع بذكاء خارق وجاذبية خاصة ولا يعرف المستحيل، بطل من نوع خاص يعكس قوة أقدم مخابرات فى العالم، وتعجز كل الأجهزة المخابراتية حول العالم، سواء أكانت عدوا أم صديقا، عن الوقوف أمامه.

ولكن اليوم، يظهر بوند فى أحدث فيلم بالسلسلة العالمية «لا وقت للموت» بشكل مختلف عما عهده المشاهدون على مدار العقود الطويلة الماضية، ليعلن نهاية عصر بوندى كان بطلها النجم الشهير دانييال كريج وربما يكون هذا هو الدافع وراء إقامة عرض خاص للفيلم فى القاهرة بحضور جاريث بيلى السفير البريطانى بالقاهرة، حيث أشاد السفير بمشاركة النجم المصري- الأمريكى رامى مالك فى الفيلم، مشيرا إلى أنه للمرة الثانية يرتبط اسم مصر بسلسلة الأفلام الشهيرة بعد فيلم «الجاسوس الذى أحبني» من بطولة روجر موور عام 1977 والذى دارت بعض أحداثه فى القاهرة والأقصر وأسوان.

ولكن هذا ليس الملفت الوحيد فى «لا وقت للموت» والذى يعتبر مهمة دانييال كريج الأخيرة لإنقاذ العالم كجيمس بوند. فهو يعتبر نهاية حقبة بالنسبة لبوند، ولكنه أيضا يصدر فى وقت يعتبر بداية حقبة جديدة بالنسبة للمملكة المتحدة ككل، بعد البريكست والخروج النهائى من الاتحاد الأوروبي. فبدا الأمر كما لو أن بريطانيا ترسم لنفسها صورة جديدة فى عيون العالم، فهى قوة عالمية تعود للساحة بتوجه مختلف، يدعمها تاريخها الطويل، وتؤكد اليوم أنها قوة مستقلة بعيدا عن أى تكتلات إقليمية أو قوى أخرى .

فى فيلمه الأخير، يظهر بوند بصورة أكثر إنسانية. فهو البطل الذى أنهكته المغامرة ويبحث عن الحياة الحقيقية، ولكن الأقدار تعيده مرة أخرى للقيام بمهمة أخيرة ينقذ فيها العالم من فيروس موجه يتحكم فيه رجل مريض نفسيا. والطريف، أن عودة بوند- الذى تقاعد فى بداية الفيلم- لم تكن سوى خدمة يقدمها لصديقه بالمخابرات المركزية الأمريكية «سى آى إيه». ليستعرض العلاقة الخاصة التى تجمع بين بريطانيا والولايات المتحدة، علاقة معقدة تحمل الكثير من الغموض، فتتسم بالصداقة والتعاون والمنافسة مع انعدام الشفافية بين الطرفين. وحرص الفيلم على تأكيد قوة العلاقات الأمريكية- البريطانية، وهو ما تأكد من خلال علاقة الصداقة الوطيدة التى بين بوند والعميل الأمريكى فيلكس عبر السنين، حتى إن بوند عاد للعمل المخابراتى للانتقام لصديقه الأمريكي.

اللافت أيضا، أن الفيلم لم يشر فى أى لحظة إلى روسيا على أنها خصم، بل وحرص أيضا على عدم التدخل فى الصراع القائم بين اليابان وروسيا فى أزمة الجزر التى يتنازعان عليها، والتى تشهد جانبا مهما من الأحداث، ولم ينحز لإحداهما ضد الأخرى . إلا أن الفيلم وضع بريطانيا فى مكانة منقذ العالم الذى لم يشغل باله بموقف الدول الأخرى ، ولو حتى الولايات المتحدة، طالما أن الهدف السامى هو إنقاذ البشرية. وسيطر الجانب الإنسانى على هذا الفيلم من سلسلة جيمس بوند، أكثر من أى وقت مضى . فللمرة الأولى ، يظهر بوند كأب، ويشير إلى السيدة التى يحبها وابنتهما على أنهما عائلته.

فقد ظهر فى صورة مختلفة أكثر نضوجا وخبرة وإنسانية. وكان قرار التخلى عن حياته فى النهاية محاولة لحماية هذه العائلة الصغيرة، وأدار الموقف بحنكة وثبات. ولكن أداء كريج دفع الدموع إلى عيون المشاهدين الذين تعاطفوا مع هذا القدر الضخم من الإنسانية وإنكار الذات، والرغبة فى حماية العائلة. فكرة النضوج كانت راسخة منذ بداية الفيلم، بعيدا عن حياة الصخب التى اعتادها العميل 007، فإنقاذ العالم جاء كمهمة إنسانية فى المقام الأول بعيدا عن دواعى العمل والتكليف والمهام. الطريف أيضا، أن اختيار سيدة سمراء لخلافة بوند كالعميل 007، كانت بمثابة تأكيد بريطانى على نبذ العنصرية بكافة أشكالها، فها هى سيدة تحتل مكانة أذكى وأوسم رجل مخابرات عرفته «إم آى 6» أو المخابرات الخارجية البريطانية، حتى إن البروفيسور الشرير أبلغها قرب نهاية الفيلم أنه بوسعه القضاء على كل سلالتها، فما كان منها إلا أن قضت عليه.

لقد نجح جيمس بوند على مر السنين فى إرساء صورة جذابة عن بريطانيا القوية، ودائما ما كان يقوم بدور البطولة نجم بريطانى الجنسية، بل ومن أهم النجوم فى المملكة المتحدة، حيث اشتهر أغلب أبطال بوند بأنهم ينتمون لمسرح شكسبير. وهو واحد من أعرق المسارح فى العالم، وأكثرها احتراما ووقارا فى بريطانيا. ويصدر فيلم «لا وقت للموت» فى توقيت يتزامن مع حقبة مهمة فى حياة بريطانيا، وهى مرحلة التحول من الدور الجماعى تحت مظلة الكتلة الأوروبية إلى الاستقلالية. وبقدر ما تواجه بريطانيا الكثير من الأزمات بقدر ما أكدت وتؤكد لنا الأحداث أن الأمر لا يتجاوز الحاجة لترتيب المنزل من الداخل. فبوند، لن يموت. وبغض النظر عن النهاية، إلا أن السؤال الذى يسيطر على الأذهان كيف سيعود بوند من جديد.

أما على الساحة السياسية والدبلوماسية، فالجميع يتابع بريطانيا وهى تتجاوز ضربات ما بعد البريكست المتتالية وتسعى لإثبات مكانتها العالمية كقوة منفردة من جديد.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق