بين الآباء والأبناء
ــ د. حسام أحمد موافى ـ أستاذ طب الحالات الحرجة - قصر العينى: هزت مشاعرى بعنف الرسالتان المنشورتان فى بريد الجمعة الماضى، حيث يتضرر فى الأولى رجل من والده، وفى الثانية تتضرر سيدة من والدتها، واشترك الإثنان فى سوء معاملة الوالد والوالدة لهما، وما هز مشاعرى هو ما ذُكر فى الرسالتين من عبارات تتنافى مع ما أقره الله من أوامر صريحة للبر بالوالدين، فلقد احتار عقلى وتشتت قلبى بين ما قرأته، وما أعلمه بما أمر به الله فى جميع آيات القرآن الكريم، حيث لا توجد توصية صريحة فى معاملة الأب والأم أبناءهما، إذ أنها غريزة طبيعية لا تحتاج إلى توصية، أو أمر أو نهى، ولا أنسى إطلاقا حديث رسول الله عندما ذهب إليه رجل يشكو والده لأنه سرق ماله، فرد عليه الصادق المصدوق بقوله: «انت ومالك لأبيك».
انظروا معى فى البيوت الأحد عشر التى صرح الله تعالى بتناول الطعام فيها حيث ذكر سبحانه وتعالى في سورة النور الآية 61 «لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ».. ذكر الله الوالد والوالدة والأخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات، وما ملكنا مفاتحه وكذلك الصديق، ولكن ألا تلاحظوا معى أن الابن لم يذكر حيث أحل الله طعام الأم والأب فى بيت الابن كأنه بيته، أو عندما ذكر الله موقف يوم القيامة مرتين.. مرة «يفر المرء» ذكر فيها الأم والأب مع آخرين، حيث إن الفرار لا شىء فيه، ولا حرج منه، حيث يقول سبحانه وتعالى فى سورة عبس «الآية 34 ــ 36» «يَومَ يَفرّ المَرء من أَخيه وَأمّه وَأَبيه وَصَاحبَته وَبَنيه».. بينما عندما ذكر يوم القيامة فى سورة المعارج الآيات من 11 إلى 14 قال جلت قدرته: «ْيودُّ الْمُجْرِمُ لوْ يفْتدِى مِنْ عذابِ يوْمِئِذٍ بِبنِيهِ (11) وصاحِبتِهِ وأخِيهِ (12) وفصِيلتِهِ الّتِي تُؤْوِيهِ (13) ومنْ فِى الْأرْضِ جمِيعا ثُمّ يُنْجِيهِ».. هنا لم يذكر الله الأم والأب إجلالا وتعظيما لهما، إذ لا يرضى الله أن يفتدى الابن نفسه بأمه أو أبيه أو كليهما.. ناهيك عن الوصية الواضحة للأبناء كما جاءت فى سورة الإسراء: «وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا (24)».
وفي الرسالتين جور شديد على حقوق الابن والابنة وفى رأيى إن هذا يدخل تحت بند «الأمراض النفسية» التى تحتاج إلى علاج وأطباء وعقاقير غفل عنها الأهل طوال تلك الفترة، فالفطرة لا تتغير إلا بمرض، والفطرة تجبر الإنسان على حب أبنائه وأحفاده، فإذا حدث العكس، يكون هناك خطأ ما لم يكتشف بعد.. عفاكم الله وشفاكم من كل سوء ومكروه.
الصلح المستحيل
ــ حسام العنتبلى ــ المحامى: يَحزن المرء كثيرا، حين يطَّلع على مشكلات الناس، ويستمع لشكاواهم، ويراهم يتخطبون بحثا عن حل، يُقيلهم من عثرتهم، وينقذهم من مأزقهم، ويخلصهم من مصيبتهم، أو يخفف عنهم آلامهم وأحزانهم، ومن هذه المشكلات رسالة «الصلح المستحيل»، فنرى أبا تخلى عن أبوته، وراعيا تنصل لرعيته، وقد ضل طريقه ففقد إنسانيته، وقسى قلبه، فظلم زوجته، وفلذات كبده، الذين أتى بهم من صُلبه، فحرمهم القوت والنفقة، وهى حق لهم، وواجب عليه، فأضحى دينا لهم، وعارا عليه، يُشينه ويطارده، ويَعيبه وينال من قدره، برغم تجارته وقدرته ويساره، ناسيا قوله تعالى: «وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف» (البقرة 233)، فحق ابنتيه عليه ثابت حتى تتزوجا، وحق صغيره عليه واجب، إلى أن يتكسب رزقه، أما زوجته وأم أبنائه فقد قال فى شأنها المولى سبحانه: «ومن آياته أن خلق لكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة»، فأين هو من مودة لم يبدها، وأين هو من رحمة لم يظهرها؟.. وغير صحيح توارى شخصيته خلف الأعمام والعمات، بل إن قراراته من صنعه، وصنع أنانية ورعونة مُفرطة، وحب للمال وانشغال به.. والحل فى حكم القضاء، وما قضى به من نفقات، والاستقلال بمسكن دونه ليسود الهدوء، فهدوء البيت نعمة ما بعدها نعمة، إذ تكون مدعاة للفلاح والاستقرار، وصخبه نقمة ما بعدها نقمة، فهى مدعاة للخسارة والخراب.
رابط دائم: