رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

راسل شركات الإنتاج الأمريكية بصورته الـ « كاوبوى»..
فى ذكرى مولده.. توفيق الحكيم يحقق «الفتح العظيم» بسينما الأربعينيات.. ويكشف لعمر الشريف حلمه الهوليوودى

يســرا الشرقاوى
عمر الشريف فى ضيافة «الحكيم» بمكتبه فى الأهرام تصوير ـ إميل كرم

لا يحتاج الحديث عن الكاتب الكبير توفيق الحكيم مناسبة، فالحديث عن الحكيم (1898- 1987) يجوز فى كل وقت وكل حال. لكن لا مانع من انتهاز المناسبة إذا أتيحت، وهى هنا ذكرى ميلاد الأديب والمفكر الكبير، وذلك لإعادة زيارة بعض جوانب مسيرته التى لا ينضب الاهتمام باستعراض ملامحها، والاطلاع أكثر فأكثر على نتاج فكرها وعظيم إبداعها. فيتزامن يوم غد، التاسع من أكتوبر، مع حلول الذكرى 123 لميلاد حسين توفيق إسماعيل الحكيم، ما يتيح فرصة للاطلاع على جانب شيق فى شخصيته وتجربته الثقافية، وهو ولعه المتأصل بفنون الأداء التمثيلى. ذلك الولع الذى روى حكايته كاملة خلال لقائه مع النجم المصرى العالمى عمر الشريف (1932- 2015) داخل مكتبه بالدور السادس فى صحيفة «الأهرام». وتم نشر تفاصيله كاملة على صفحاتها فى الثانى من يناير عام 1977.


ويقبله على خده - صور أرشيف معلومات الأهرام

رصاصة فى القلب

ولكن قبل لقاء الحكيم والشريف، لعل من اللائق التوقف عند نص خبر نشرته «الأهرام» فى واحد من أعدادها الصادرة عام 1942، وكان عنوانه «توفيق الحكيم». وبدأ هذا الخبر كالتالى:

«هو أحد كتاب مصر الثلاثة الأوائل (فى إشارة غالبا ما يقصد بها طه حسين ومحمود عباس العقاد مع الحكيم).. ونستطيع أن نعقد له السبق فى فن القصة، فهو أمير فن الحوار بغير منازع. وأنه ليسعدنا أن نسعد القراء معنا إذ نزف إليهم نبأ كبيرا، هو أن الموسيقار الموهوب محمد عبدالوهاب، قد اتفق مع الأستاذ توفيق الحكيم على إظهار قصته الرائعة ( رصاصة فى القلب) على الستار(شاشة السينما)».

ويكمل الخبر موضحا أهمية هذا الاتفاق الفنى، فيقول:

«وفى هذا الحدث الجديد معان رائعة، أولها أن السينما المصرية قد كسبت كسبا هائلا إذ ضمت إلى دنياها توفيق الحكيم، وثانيها أنه قد حان الحين الذى نستطيع أن نأخذ فيه السينما المصرية على أنها أدب رفيع، وكنا نأخذها حتى الآن على أنها أغان ورقصات وتسلية وترفيه، وإنا لنرجو أن يرفع هذا الفتح العظيم الغشاوة عن أعين المشتغلين بالسينما فى مصر، فيوجههم إلى إقامة هذا الفن على دعائم من الأقلام الملهمة».

ولكن «الفتح العظيم» لم يقتصر على مجرد الاستعانة بنص مسرحية «رصاصة فى القلب»، فيكشف الخبر عن دور إضافى للحكيم فى إعداد المشروع السينمائى، فيقول: «ويقوم توفيق الحكيم الآن بإعداد هذه القصة للسينما فى أسلوب أكثر فتنة من أسلوبها المسرحى الفاتن، ويتولى كتابة حوارها بنفسه. وإننا لنترك للقراء أن يتصوروا ما سيكون من شأن فيلم يلتقى فيه سمو توفيق الحكيم بإبداع عبدالوهاب..».

كان هذا ما كان من تقديم «الأهرام» لمشروع» رصاصة فى القلب» السينمائى والذى صدر عام 1944 وقد شارك مخرجه، محمد كريم، توفيق الحكيم فى نسج السيناريو والحوار له، وشارك النجمان رقية إبراهيم وسراج منير، مع الموسيقار محمد عبدالوهاب (1898- 1991).

وكان «رصاصة فى القلب» ذاتها، سببا فى إبراز «الأهرام» خلال الستينيات، شهادة الكاتب الكبير أحمد بهجت (1932- 2011) عن الحكيم ونصوصه. فالمسرحية التى تمت كتابتها عام 1930، وتجسدت سينمائيا فى الأربعينيات، ظهرت على خشبة «المسرح الحديث» بعد 35 عاما من كتابتها، فى عرض من بطولة النجوم صلاح قابيل وليلى طاهر وإخراج كمال حسين.

يومها كتب بهجت فى عدد «الأهرام» الصادر بتاريخ الثامن من أبريل 1965، تحت عنوان «أخيرا.. أخيرا.. انطلقت رصاصة فى القلب»، موضحا:

«كان توفيق الحكيم يكتب مسرحياته زمان كى تمثل لا كى تقرأ، وكان يحاول النهوض بلغة المسرح فيكتب مسرحياته بلغة تقع بين العامية والفصحى». وذكر بهجت وقتها بواحدة من أشهر المعارك الفنية التى عايشتها مصر فى الأربعينيات بين ثلاثى فيلم «رصاصة فى القلب»، الحكيم وكريم وعبدالوهاب من جانب، والكاتب الكبير، الذى صار رئيس تحرير «الأهرام» لاحقا، أحمد الصاوى محمد.

فقد كتب الصاوى وقتها، على صفحات مجلة «الاثنين»، مهاجما ما فعلته أيادى عبدالوهاب وكريم بـ «رصاصة فى القلب»، وكاشفا عن علاقته الوثيقة بالنص، الذى كان الحكيم يتردد فى نشره حتى أقنعه الصاوى بظهوره الأول على صفحات إصدار كان للصاوى بعنوان «مجلتى» وذلك عام 1934. وكيف كان على اتصال مباشر بعملية صناعة الفيلم، حتى إنه رشح ليلى مراد للبطولة أمام عبدالوهاب، ولكن الاقتراح لم يلق نفاذا بسبب «شح» عبدالوهاب، وفقا لاتهام الصاوى.

المعركة التى تعالى لهيب ألسنتها تضمنت ردا علنيا من الحكيم مؤكدا رضاه عن الفيلم الذى وصفه الصاوى بأنه رصاصة «فى قلب الفن والأدب». وانتهت بأيدى المخرج محمد كريم الذى رد علنا أيضا متهما الصاوى بأن هجومه أساسه الحقد على صناع الفيلم لرفض طلبه بالمشاركة، ولعب الدور الذى تولاه النجم الراحل سراج منير. وبعدها لم يسمع دوى أى رصاصة فى معركة « رصاصة فى القلب».


حوار باسم بين الشريف وإسماعيل توفيق الحكيم
ذ

ذكريات فى لقاء الشريف

ولكن علاقة توفيق الحكيم بالسينما لا تقتصر عند ذلك، بل هى أعمق وأقدم بكثير، وهو ما يتضح من مجريات اللقاء الذى جمعه بالنجم الراحل عمر الشريف بمبادرة شيقة من الصحفى والناقد الرياضى الأهرامى عباس لبيب.

ففى عدد «الأهرام» الصادر بتاريخ الثانى من يناير 1977، احتل نص الحوار الذى استغرق ثلاث ساعات فى مكتب الحكيم بينه وبين الشريف القسم الأعظم من صفحة «الفن فى أسبوع» والتى كانت تصدر كل أحد، وذلك تحت عنوان موجز وجذاب: «توفيق الحكيم وعمر الشريف».

مقدمات اللقاء رواها عباس لبيب، الذى وافته المنية عن عمر 58 عاما عام 1984.

فى مستهل الصفحة. فأوضح أنه اعتاد المرور على مكتب الحكيم بالدور السادس بالأهرام لإلقاء التحية، فبادره الأخير فى مرة من المرات بإبداء تعجبه من تصريحات عمر الشريف خلال واحدة من حلقات برنامج «أوتوجراف» للإعلامى الكبير طارق حبيب (1936- 2013)، والتى كشف فيها عن عمق شعوره بالوحدة رغم أسفاره وشهرته وإقامته عظيم وقته فى العاصمة الفرنسية باريس.

فرد لبيب على تعجب الحكيم باقتراح لعقد لقاء بين القامتين المصريتين. وهو ما رحب به الحكيم وبعث معه نسخة مزينة بإهداء من كتابه «حمار الحكيم»، مبررا اختياره بما عرفه عن الشريف من حب الخيول، فرأى أن كتابه خير هدية « إلى مربى الخيول، من مربى الحمير».

وتم اللقاء..

وفيه شرح الشريف للحكيم أسباب شعوره بالوحدة رغم ما حققه، فقال: «الصحبة الدافئة غير موجودة بالخارج. أحسن حاجة عندنا هى الأصحاب، وعلى مدى 11 عاما فى أوروبا لم أجد صديقا حقيقيا، ذلك بالإضافة إلى كثرة تنقلاتى». وأضاف سببا آخر يتعلق بمصريته، فقال: «صادفت كمصرى صعوبات فى عملى بالسينما، خاصة بعد حرب 1967، نشأت فكرة إلغاء عقودى، وضغطوا على لكتابة خطاب أشجع فيه إسرائيل، فهددت برفع قضايا تعويض، وأثار الأمر ضجة هائلة فى أمريكا، وتمكنت من تخطى الأزمة».

اللقاء ذاته الذى عكس متابعة ذكية ودائمة من جانب الحكيم لجديد الأعمال السينمائية إجمالا ولأعمال الشريف تحديدا، كشف خلاله الأديب الكبير عن ولعه بالفنون وحلمه بالتمثيل الذى رافقه شابا. فقال للشريف: «علاقتى بالفن بدأت من الصغر، كان والدى قاضيا متزمتا بالنسبة للتقاليد، ومرة كان هناك فرح وعوالم، واندمجت معاهم، وقلت للعالمة علمينى القانون، وبعد 5 دقائق قدرت أعزف، وفجأة رأتنى الوالدة وقالت لى لو شافك أبوك حيدبحك، وفى ثانوى هويت التمثيل وعملنا فرقة صغيرة وابتديت فى تأليف روايات صغيرة وبعدين ظهرت السينما الأمريكانى، ولولا البخت كنت بقيت ممثلا فى هوليوود».

ويكمل الحكيم ردا على مزيج الدهشة والاستفسار فى كلمات الشريف، فيوضح: «مش مصدق، طب أحكيلك اللى حصل، كنا شلة صحاب صغيرين، واعجبنا بأفلام «الوسترن» الكاوبوى، خصوصا الممثل توم ميكس، وكنا نشترى مجلة اسمها (بكتشرز شو) وفيها صور الممثلين راكبين الجياد، وحفظنا أسماء الشركات مثل فوكس، وقلنا نبعت جوابات لشركات هوليوود نطلب التمثيل فيها ومعاها صور لنا كاوبوى». ويحكى الحكيم تفاصيل شيقة عن محاولاته ورفاقه تقليد هيئة « الكاوبوى» واقتراض أحصنة العزبة.

ولكن المحاولات نجحت، فيقول الحكيم:

«جالنا رد موافقة أن يكون السفر على حسابنا، طيب منين.. فكرت أعمل روايات أبيعها لجوقة عكاشة، وابتديت بالفعل أكتب مسرحيات وسلمتها، وكل يوم تعالى بكرة تقبض، وبعد سنة كاملة أخدت عشرين جنيها وكانت فكرة السينما راحت».

السينما ومحبة الفنون كانت وراء ضياع ثلاثة أعوام من عمر الحكيم قضاها فى فرنسا بعد تخرجه فى كلية الحقوق المصرية، وكان الغرض نيله درجة الدكتوراه فى القانون وتحقيق حلم والده. ولكنه قضى أعوام باريس فى الاستمتاع بمختلف أشكال الفنون ومطاردة بعض الجميلات وفقا لما كشفه لعمر الشريف وأوردته «الأهرام».

لكن الحكيم حقق حلمه بالتمثيل، حققه متأخرا، بمشاركته فى فيلم «عصفور من الشرق» (1986) المأخوذ عن رواية الحكيم بالاسم ذاته. وقد شارك الحكيم بشخصيته الحقيقية فى بطولة الفيلم مع نور الشريف وسعاد حسنى، فجذب الأنظار ونال الإشادة على أدائه السلس الواثق، فكان نجما سينمائيا قديرا وذلك قبل عام واحد من وفاته.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق