رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

حافظ نجيب.. المغامر العجيب والمحتال الأديب

نسرين مهران

‎حافظ بن محمد نجيب: كاتبٌ مصرى مغامِر، فى سيرته أعاجيب. طارده البوليس زمنًا، فكان يفلتُ منه بأنواع الحيل. يتسمَّى بأسماء مختلفة، ويبيتُ فى أعظم الفنادق باسم (الأمير يوسف كمال) أو (ابن أخى أفلاطون باشا) أو (المندوب السامى العثماني) ويَمنح الرُّتب والنياشين بالنيابةِ عن الخليفة. ويَظهر بمظهر راهب أو مدرس أو واعظ. وكان (روائيًا) واسع الخيال، اجتماعيًا، يتكلم الإنجليزية والفرنسية والتركية بطلاقة. وقد يُنفق فى اليوم مئات الجنيهات، ولا يملك فى اليوم التالى قرشًا. وهو ما حاول الفنان محمد صبحى تجسيد شخصيته من خلال مسلسل «فارس بلا جواد».

............................

‎أحدثت مغامراته ضجة فى مصر، واعتُقل فى 15 أبريل 1916 فى بندر الجيزة. وبينما هو فى السجن ترجم عن الإنجليزية (روح الاعتدال) و(غاية الإنسان) ونشرهما باسمِ زوجته وسيلة محمد. وبعد خروجه من السجن نشر بإسمه كتاب (الناشئة) و(دعائم الأخلاق) و(اعترافات حافظ نجيب) واشترك فى تحريرِ مجلة (العلمين) ثم أصدر مجلة (الحاوي) وترجم روايات، منها (جونسون) و(ملتون توب).. هذه الروايات المترجمة كانت الغذاء الثقافى الأول الذى تغذَّى عليه نجيب محفوظ

‎الأحداث العجيبة والغريبة بدأت منذ ولادته! يُحدثنا فى أول اعترافاته بأنَّ جده لوالدهِ الحاج حسن السداوى كان تاجرًا وله دكانة فى شارعِ العقّادين (بمنطقة الأزهر بالقاهرة القديمة)، وكان له ولد صغير يدلّله فيأخذه معه إلى دكانتهِ، المهم أن الولد كان يلعب ذات يوم أمام دكانة والده والشارع مزدحم فكادت تدهسه عربة وجيهٍ تركي، غضب الباشا التركى من إهمالِ هؤلاء الجهلة لأولادهم، فأمر خادمه بأن يُدخل الصبى العربة ومضى

‎صاح أصحاب الدكاكين ينبهون الحاج حسن إلى خطفِ التركى ابنه الصغير، فلحق بالعربة وكان يصرخ ”سيب الواد يا تركي!“. وصل الحاج إلى قصر الباشا، وحاول متوسلاً إليه أن يرد عليه ابنه، فأبى الباشا، وقرر أن يتركه عنده لتربيته ويسمح لأهله بزيارته كل جمعة! لم يعجب الحاج هذا المنطق وأرعد وأزبد وهدد وتوعَّد، فكانت النتيجة أن انهال الخدم عليه يضربونه بالجريد حتى فقد الوعي، ثم طُرد ونسي

‎مرَّت الأيام، وسُمى الصبى فى المدرسة «محمد نجيب» بدلاً من محمد حسن السداوي.. كبر الفتى فى كنفِ الباشا، فكان ضابطًا فى حرس الخديوى إسماعيل، وعقد له على ابنته الصغرى «ملك هانم» وأقام معها فى جناحٍ خاص بسراى والدها. وبعد عيشةٍ رغيدة ارتكب محمد نجيب خطأ فأغضب حماته، فطردته من السراي، ثم أُبعد إلى السودان وكانت زوجه حاملاً فقرّرت هذه الديركتاتورة (حماته) إسقاط الحمل، فكانت تضرب الزوجة المسكينة أحيانًا وتضع عليها الرحي! بكت هذه الزوجة المسكينة بحرقةٍ فى خلوتها بسبب ألمين: ألم التعذيب، وألم فقد الزوج المُبْعَد. ولكن لله حكمة بالغة وأمر نافذ؛ تمَّت شهور الحمل، ثم وضعت الحامل المُعذَّبة طفلها «حافظًا» سليمًا مكتمل الصحة والعافية. قال حافظ نجيب بعد سرد هذه الحكاية: ”فصدق المثل المشهور: «عمر الشقى بقي». ومن أخباره العجيبة ما ذكره عن علاقته بالجنرال جورو وكيف جُهِّز ليكون جاسوسًا فرنسيا لدى الألمان. عاش جاسوسًا لأشهُر بهيئةِ خادمٍ أخرسٍ أبكم، ونجح فى مهمتهِ إلا قليلا. وكان من خبره أنه أراد أن يستعجل فى إتمام مهمته وبينما هو فى القلعة منهمك يكتب معلومات خطيرة فى ورقةٍ معه وإذ بكلبِ القائد يهاجمه فيخطف الورقة منه ويهرب! وأخذ حافظ نجيب يطارده ليستخلصها منه ولكنه يُفاجأ بانفتاح الباب ليظهر الضابط ويرى الورقة! رأى الضابط الورقة فى فمِ الكلب والخادم يطارده، فأخرج مسدسه بحركةٍ سريعة وصوّبه إلى رأسهِ قائلاً: ”ارفع يديك إلى رأسك“. يقول نجيب: ”فرفعتُ يدى بحركةٍ لا شعورية، فكانت الإطاعة من الأدلة على أننى أسمع، فثبت ثبوتًا قاطعاً أننى لستُ أصمّا ولا أخرسا“. أودع الجاسوس فى السجن، ثم كان تهريبه بعد ذلك فى قصةٍ أعجب على زورقٍ بخاري!

لا تخلو اعترافات الأديب المحتال من طرافةٍ وأخبار فكاهية لا تُمل، كما أنها لا تخلو من الجرأة والفسق وذكرٍ للمجون وحبائل الحسناوات! احترفَ الاحتيال، ولم يعد يبالى بالقانون، ويسير وفق منهجه الخاص دون الاعتراف بأى سلطة.

يذكر أن الأديب المحتال كتب فى اعترافاته :

”وقد خلوت إلى نفسى وذاكرتى مرَّات، وعرضتُ على العقلِ والضمير حياتى الماضية وما مرَّ بى من الأحداث، فاقتنعتُ بأننى بددتُ الحياة فى سَفه، وضيّعتُ ما كان يجب أن يكون لها من الثمرات، ومكَّنتُ الناس من هدرِ كرامتي..“

”وفى ماضيّ كثير من الأخطاء وقليل لا يُشرِّف ذكره ولا يفيد الناس عرضه، وحب الذات يقتضى كتمانه ونسيانه ومحوه من ألسنةِ الناس بمرور الزمن، ولكن أولادى يُلحِّون على لكتابةِ اعترافاتي“.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق