خيرى يناضل من على كرسيه.. والقصرى ضحية ممرضة
لا يعلم المشاهد وهو يضحك مستمتعا بمشاهدة فيلم أو مسرحية قديمة، حجم المعاناة التى تكبدها صناع البهجة وهم يقفون على خشبة المسرح أو أمام شاشة السينما، يصنعون عالما سحريا من المتعة والخيال، بينما فى حياتهم الحقيقية أحزان ولم يشهد على تلك الأحزان إلا أولادهم «فى بيوت الحبايب»، وهو العنوان الذى اختارته الكاتبة المبدعة زينب عبداللاه، لكتابها. يحوى كتاب «فى بيوت الحبايب» 19 فصلا، تروى فى أكثر من 300 صفحة لمحات من حياة نجوم مصر وأعلامها.

> القصرى وبجانبه الريحانى و«شرفنطح» > صور أرشيف المعلومات
يتناول إبداع زينب عبداللاه، ما كان من سيرة الكاتب بديع خيرى (1893- 1966)، الذى كتب لسيد درويش أروع الأغانى الحماسية، وتلك التى تتناول بخفة ظل نادرة، أساليب حياة أولاد البلد البسطاء. وذلك كله بالإضافة إلى تراثه المسرحى والسينمائى، مع صديق عمره نجيب الريحانى، بل وأيضا مع منافسه على الكسار.
كل هذه الاعمال الباسمة لا تعكس أبدا واقع حياة بديع خيرى، الذى أقعده المرض عن الحركة، وتوفى ابنه النجم عادل خيرى (1931- 1963) فى ريعان شبابه، تاركا له ثلاث حفيدات، صارت كبراهن عطية خيرى من رائدات فن الرسوم المتحركة فى مصر. أما الثانية فهى عبلة خيرى، أول فتاة عربية تعبر بحر المانش، ثم تتولى إدارة أحد البنوك الدولية. والثالثة هى طبيبة متفوقة فى هولندا. زرع فيهم بديع خيرى الإصرار على النجاح. وظل يعمل من على كرسيه المتحرك حتى آخر يوم فى حياته، من أجل استمرار المسرح الذى يحمل اسم رفيق رحلته نجيب الريحانى.

> زينات صدقى
والحقيقة قد تبدو مأساة بديع خيرى هينة، إذا ماقورنت بحياة قنبلة الضحك عبدالفتاح القصري (1905- 1964) الذى حرم من الإنجاب فى بداية حياته، ثم أصيب بالعمى، فيما كان يقف على خشبة المسرح، ليصرخ فجأة: «أنا موش شايف حاجة.. أنا اتعميت». فضج المسرح يومها بالضحك، ظنا من الجمهور أن نجم الفكاهة يرتجل مشهدا كوميديا لينجو من أزمته الدرامية فى المسرحية، وظل القصرى يتعالج فترة طويلة، وأحب الممرضة التى تواظب على معاونته. ورغم فارق السن بينهما، تزوجا. ولم يكتشف، ربما لأن الحب هو الآخر أعمى، طمع الممرضة فى ثروته. فعاشا بالفيلا التى اشتراها بشقاء سنوات عمره، وأصرت أن يكتبها باسمها تأمينا لها من أقاربه حال وفاته، خاصة أنه لا ينجب.
وذات يوم سمع عبدالفتاح القصرى بكاء طفل فى الثانية عشرة من عمره يتيم الأبوين، وقرر اصطحابه وتربيته، لعله يكون عكازه فى الكبر. وعندما كبر وصار شابا أحب زوجة متبنيه، وبادلته الشعور، وأجبرا النجم المريض على الطلاق.
وتركاه بغرفة رطبة بالبدروم دون طعام كاف، حتى شحب جسده، وكان يصرخ على المارة طالبا سيجارة. فصار النجم الكبير ألعوبة أطفال المنطقة، يطلبون منه أداء «عباراته الشهيرة»، وهو لايدرى عن أى شىء يتحدثون، بعدما أصيب بالزهايمر.
وتروى حفيدة زينات صدقي (1913- 1978) عن تجليات عزة النفس فى شخصية جدتها، التى أبت أن تقدم الأدوار الصغيرة التى لا تليق بتاريخها. وكانت متيسرة، تشترى كل أسبوع مائة دجاجة، وتفرقها على الفقراء. كما اشترت مدفنا كبيرا للمساكين، كتبت عليه «مدفن الصدقة وعابرى السبيل». وبجواره سبيل مياه مجانى. وعندما أنفقت عظيم أموالها على الأعمال الخيرية، وتذكرها الرئيس الراحل محمد أنور السادات (1918- 1981) لتكريمها فى «عيد الفن»، لم تجد فستانا يليق بالاحتفال، بعد أن نحف جسدها من المرض. ولما عرف الرئيس السادات بظروفها واعتزازها بكرامتها، أعطاها رقم تليفونه الخاص، لتتصل به وقتما تشاء. كما دعاها إلى فرح ابنته.
ورحلت بعد عام واحد من وفاة المطرب الكبير عبدالحليم حافظ (1929- 1977) حزنا على النجم الذى طالما شاركته بطولة الأفلام، لتدفن فى ذات المدفن، الذى اشترته لدفن الفقراء والمساكين.
رابط دائم: