منذ احتلال العراق عام 2003، وكل انتخابات يخوضها العراقيون يرون أنها انتخابات مفصلية، وكان آخرها ما أعلنه الرئيس برهم صالح أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن انتخابات أكتوبر هى انتخابات مفصلية، لكن فى الواقع العملى لا تزال الأحزاب السياسية والمرجعيات الدينية تتحكم بمفاصل هذه الانتخابات، وتتحالف مع بعضها البعض تطلق شعارات رنانة تختفى تماما بعد كل استحقاق انتخابي، ثم تعاود الكرة مرة أخرى كلما اقتربت أيام الحسم الانتخابية.
لكن، برغم ذلك، فإن متغيرات الإقليم ومؤشرات انسحاب القوات الأمريكية من العراق ولو جزئيا، وما حدث خلال الأشهر السابقة على الانتخابات وتحديدا منذ تولى مصطفى الكاظمى رئاسة الحكومة، وما جرى من مياه كثيرة خلال فترته من التقرب العربي، وعقد قمم عربية جمعت العراق ومصر والأردن، فضلا عن الحراك الكبير الذى شهده العراق والتظاهرات العديدة فى أكتوبر 2019 والتى أجبرت رئيس الحكومة عادل عبدالمهدى على تقديم استقالته، وجاءت بالكاظمى رئيسا للحكومة يؤكد أن هذه الانتخابات ستحرك مياها كثيرة فى نهر السياسة العراقية.
تأتى الانتخابات العراقية المقرر إجراؤها فى العاشر من هذا الشهر، والكل يترقب دورا جديدا للعراق مختلفا عن دوره خلال فترة الاحتلال، من العودة إلى محيطه العربي، والتخلص من سياسة المحاور، والبدء فى التخلص من الفساد الجاثم على صدور العراقيين، وفيما لا يعول الكثير من الخبراء فى الداخل العراقى على أن الانتخابات ستغير قديما أو تحدث جديدا، فإن هناك الكثير يراهن على التغيير، وما الانتخابات إلا خطوة أولى على الطريق لابد أن يتبعها خطوات أخرى كثيرة، وهو ما شهده العراق خلال فترة تولى الكاظمى رئاسة الحكومة، وهنا نجرى حوارات مع ثلاثة من الخبراء والحزبيين نستشرف معهم آفاق التغيير ومستقبل العراق السياسى وشروط النجاح.. وإلى التفاصيل:
فاضل ميرانى سكرتير المكتب السياسى للحزب الديمقراطى الكردستانى: صناديق الاقتراع فى بلد يشابه العراق هى الفاصل بين الدولة واللادولة
ما أبرز التحديات التى يواجهها العراق الآن، وما المطلوب لمواجهتها؟
دائما ما تواجه الدولة- أى دولة- تحديات داخلية و خارجية، ولذا فالحكومات الناجحة يجب أن تستوعب بالتراكم والبحث عن هوية وموقع الدولة التى تقودها ضمن إقليمها والأسرة الدولية، لكن أخطر التحديات التى ليس ببعيد أن تواجه دولة ما، هو تحد يستهدف وجودها.وللجغرافيا تأثير كبير جدا فى صنع التاريخ وتشكيل الحاضر، نحن فى كوردستان كورد أو كما تعود اللفظ العربى أن يسمينا «اكرادا» ، استوعبنا ما هى التحديات التى ظلت تستهدف العراق باعتبارنا مواطنين واقعيى الفهم لما آلت إليه تقسيمات غنائم حروب القوى الدولية خلال القرن الذى ولى..
والانتخابات معادلة أقل بكثير من أن تقدم للعراق ما يحتاجه من التعافى وتعديل المسار، نعم الانتخابات مهمة لكنها ليست كل الديمقراطية ولا هى كل الطموح، إن بلورة هوية وطنية عراقية لائقة هى الأبرز طلبا والأكثر ضياعا و تضييعا من قبل والى الآن، هذه الهوية تتحقق باحترام الشرعة الدستورية، حينها سينمو النظام الرسمى الاجتماعى الذى لا تكون فيه الانتخابات لتبدو وكأنها القدر فإما الحياة أو الهلاك كما يصور البعض للجمهور.
هناك من يرى أن الانتخابات المقبلة ستضع العراق على طريق بناء دولة عصرية قوية؟
هذا سؤال ذكي، لو سلمنا أن الانتخابات فى بلد يشابه العراق هى الفاصل بين الدولة و اللادولة، فذلك سيعنى أن العراق خال من أجنحة الضغط التى لها سيطرة فعلية على قسم من القرار السياسى مع أنها أجنحة عقائدية وعسكرية لا تقر للحكومة بشرعية إلا فيما يخص تمويلها من موارد الدولة.. اعتقد أن تأخير التفاهم مع هذه الفئة ليس فيه من الحكمة القيادية شيء.. نحن واقعيون والقضية تؤخذ بالأدلة- فأنا رجل قانون- و أفهم كما غيرى معطيات الأحداث، ذلك أن تاريخ العراق قبل 2003 أفرز بذورا نمت بعد ذلك التاريخ لتكون كيانات ترفع شعارا معارضا للحكم الجديد الذى هو بدوره لم يكن بجل أعماله على قدر حاجات المجتمع لإعادة الثقة بالدولة وبالحكم البديل، ضف لذلك انفجار الصراع الطائفى الذى حول قسما من أراضى العراق وعددا لا يستهان به من سكانه بين منخرط ومتعاطف مع احد خصمى النزاع.
لو أن الانتخابات جرت، ولو استعرض الجمهور قبل ذوى الدعاية كشف حساب لما قدموه ولمدى عدم خرقهم الدستور والقانون والأنظمة واللوائح، ولو أجابوا عن المفتعل والفاعل للضغط الذى زاد من معدلات الهجرة ازدياد الفقر والجهل والأمية والأمن، سيكون الفرد العراقى حتى الذى لم يطله الأذى صوته مقدمة للتعافى العراقي.
هل هناك تخوفات من عدم إقبال الشعب العراقى على الانتخابات؟
الانتخاب حق وتركه حق، ومتى شعر المواطن بأنه لم يكن شيئا مذكورا، ورأى أن ضياع حقه فى الانتخاب لن يزيد الخسارة فيما لا يبكى عليه، فللأسف هذه إحدى أهم النقاط التى لم تشهد تنمية ناجعة فى اغلب مقاطع الحكم فى نواح من العراق، فشعور المواطن بمواطنته ينمى بعاملين ذاتى وموضوعي، نحن فى كردستان العراق عملنا على ذلك، فالرئيس مسعود البارزانى والحزب الديمقراطى الكردستانى مارسا التنمية للحق الانتخابى وعرفا مدى الثقة الشخصية التى تبرز من الأفراد عندما يعرفون أن للصوت تأثيرا فى قيادة المؤسسة التى بدورها ستخضع للتقييم مستقبلا. اعتقد أن تفاوتا ودوافع سنشهدها كما كل مرة، هناك من ينتخب بحرية لمصلحته ومستقبل أولاده و هناك من ينتخب لمصلحة فئوية وهناك من عينه على وعد أو منصب، وطبعا هناك من لن ينتخب لأنه يأس من وعد بمنحه حقه من وطنه لا مكرمة من قائد مفترض.
هذه خامس انتخابات برلمانية منذ عام 2003، لكن التجربة العملية أثبتت فشل الاعتماد على التحالفات السياسية أو النيابية من اجل النهوض بالعراق، فإلى أى مدى تتفق مع ذلك؟
التحالفات نتيجة منطقية فى الممارسة البرلمانية، وأعتقد أنها تتضخم كلما قل التقيد بالدستور، نحن كما غيرنا نتحالف مع من هو الأقرب لترجمة ممارسة مستلهمة من روح القانون لخدمة الشعبين العراقى و الكردستاني.
يرى الكثير أنه لابد من إصلاح أهم ركيزة فى النظام السياسى وهى الأحزاب السياسية ففى العراق نحو 267 حزباً مسجلاً بشكل رسمي، فهل تعتقد أن هذا العدد يكون مرتكزا لإصلاح سياسي؟
الإصلاح السياسى مشروع ضخم سواء كان عدد الأحزاب التى ذكرتها أقل أو أكثر، فهذا لن يكون مقياسا إلا لتفسير السماحات القانونية بتشكيل جماعة تشترك فى فكر لا يخالف القانون.. طبعا هذا أمر متوقع اقصد التعدد الحزبى بسبب ماضى البلاد الأحادى الشمولي، لكن ردات الفعل تخضع للنصف الثانى من معادلة الفعل ورده فهى مساوية مقدارا عكس الاتجاه على خط واحد.
د. عماد الشيخ داوود عضو اللجنة التنفيذية للجمعية العربية للعلوم السياسية: المياه «المكررة» فى الانتخابات الحالية أكبر من «الجديدة»

د. عماد الشيخ
لماذا فشلت النخبة العراقية الحاكمة فى إقامة نظام سياسى مستقر يحقق طموحات الشعب العراقي؟
فشلت لعدة أسباب، منها: قلة الخبرة فى إدارة الحكم، والعمل بعقلية المعارضة على الرغم من استلامها لمقاليد الدولة. فضلا عن كونها اختصرت الأطوار الأربعة التى تحدث عنها ابن خلدون فى مرحلة واحدة قصيرة ( بفعل المحتل الغاشم ) ووصلت إلى طور التبذير والإسراف، وهى بذلك لا تفرق كثيرا عن الكثير من مثيلاتها فى الدول التى تعرضت للاحتلال أو للتدخل الخارجى بأى شكل من الأشكال، ومن أسباب فشل النخبة أيضا عدم وجود نظام حزبى رصين، وقانون انتخابات يضمن جودة الحكم، بسبب كثرة الانسحابات والمقاطعات ، وإدارة الدولة على أساس الحصص وليس على أساس الكفاية. أضف إلى ذلك ابتعاد الحكومة عن الجمهور، لاسيما أن الكثير من المسئولين يحيطون أنفسهم بالجدران العازلة، والكثير من رجال الحماية، ويتنقلون بالسيارات المصفحة، ويقطنون فى المنطقة الخضراء شديدة التحصين وكثيرة الخدمات.
العراق فى حاجة إلى إصلاحات سياسية ودستورية تعبر عن المزاج الشعبى الجديد؟ فهل من الممكن أن يحدث ذلك؟
بتقديرى من الصعوبة بمكان حدوث ذلك لأنها لم تسع إلى قلة الاستعانة بفقهاء القانون الدستوري، واكتفت بلجان ضعيفة مُشَكَلة على أساس قاعدة المحاصصة، فكانت بمثابة القشة التى قصمت ظهر البعير فى إجراء التعديلات.
معنى ذلك أنك تنظر بقليل من التفاؤل إلى الآفاق السياسية للعراق فى الفترة القادمة؟
عند النظر إلى دورة السياسات العامة فى البلاد نجدها خالية من الأدلة والبيانات وغالبا ما تتسم بالعشوائية، جراء ضعف الخبرة، وعدم استعانة صناع القرار بأهل الحجى والمشورة ( لان النخب الاستشارية جُلها من الأقارب والمعارف وأصحاب الولاءات الضيقة التى تهادن ولا تصارح ) وفى مثل هكذا أجواء لا يمكن ضبط إيقاع سير الدورة أعلاه على نحو منظم خاضع للمراجعة والمساءلة والمحاسبة، الأمر الذى يصعب معه التكهن بانفراج الحال نحو الأفضل.
جرت انتخابات العراق البرلمانية أكثر من مرة، يراها الكثير من الأهمية بمكان؟ فهل بالفعل ستكون مفصلية؟
إن مراجعة بسيطة لموقع المفوضية العليا المستقلة للانتخابات فى العراق، والاطلاع من خلاله على أسماء المرشحات والمرشحين وكياناتهم السياسية ، تمنح صاحب الاهتمام بأن حصول التغيير بخطوة واحدة، صعب ولا يمكن تحقيقه بسهولة، لأن التغيير يجب أن يكون بمياه جديدة مملوءة بالطاقة والعناصر الحيوية ؛غير معادة التكرير وفاقدة لطاقتها، ومن الواضح أن نسبة المياه المكررة فى الانتخابات الحالية أعلى بكثير من المياه الجديدة ما يجعل إمكانية التغيير نسبية إلى حد بعيد.
يرى الكثيرون أنه بدون إصلاح النظام الحزبي، سيؤول النظام السياسى الواهن إلى الاستمرار فى الضعف والتآكل ثم الانهيار، فما شروط توافر نظام حزبى مختلف يقود لنظام سياسى جديد؟
السؤال من شقين : وللإجابة عن الشق الأول أقول إن النظام السياسى العراقى ليس بواهن كما يتصور الكثير، بل لديه الكثير من عوامل القوة التى تحفظ ديمومته وديمومة النخب التى تديره .
أما الشق الثانى الخاص بالنظام الحزبي، ففى العراق لا توجد أحزاب بل تجمعات تخوض الانتخابات وتلتقى من أجل مصالحها فى المقام الأول، ثم ينفرط عقدها بعد الانتخابات وتقاسم الحصص، ولذلك تجد الأفراد يتنقلون بين القوى السياسية وتكثر الانشقاقات، ولذلك يحتاج قانون الأحزاب إلى المراجعة المستفيضة التى ينبغى أن تعالج حالة المحاصصة فى المقام الأول، لأنها الأساس فى الخراب، وفى ظل وجود قوى محافظة تهيمن على التشريع لا يمكن فى المستقبل القريب بروز نظام حزبى جديد يعتمد أسس الوطنية بدل الانتماءات الفرعية، ويؤمن بالشفافية وكشف الذمم المالية ويعتمد حوكمة ذاته قبل ولوجه لضبط حوكمة الدولة.
وبرأيك لماذا فشلت الأحزاب أو التجمعات العراقية فى تحقيق شعاراتها؟
بالإضافة إلى كل ما سبق الحديث عنه أعلاه فشلت للأسباب الآتية:
لكونها تنظر إلى مصالحها الخاصة أولا .. ولاختلاف أيديولوجياتها وعدم تمكنها من التلاقح مع بعضها البعض من أجل بناء الدولة . فمنذ مؤتمر لندن للمعارضة العراقية والأحزاب لها توجهاتها المختلفة عن غيرها ، فالأحزاب الإسلامية تطمح لبناء دولة إسلامية ، والأحزاب القومية لها توجهاتها التى لا تبتعد كثيرا عن التوجهات التى حكمت البلاد لثلاثة عقود ونصف قبل الاحتلال، أما الأحزاب الشيوعية فهى متأرجحة بين هدفها فى تأسيس دولة اشتراكية وقدومها مع المحتل الليبرالي، فى حين أن الأحزاب الكردية لها هدفها الخاص فى إقامة دولة كردية منفصلة عن العراق، ما جعلها لا تتوافق ضمن ديمقراطيتها التوافقية وذلك واضح فى كثرة الانسحابات، والتقاطعات، وتوقف مشاريع القوانين، وتأخير تشكيل الحكومات، كما أنها لم تتمكن من إنشاء حكومات قوية بسبب التدخلات من القوى المؤثرة داخليا غير المشاركة بالانتخابات، والتأثير الخارجى من قبل الولايات المتحدة و دول الجوار الجغرافي، وأخفقت فى تحقيق نظام فاعل للمساءلة البرلمانية والمحاسبة حيث تحمى الكتل وزراءها والمسئولين التنفيذيين التابعين لها بحجج شتى ما أدى إلى استشراء الانحراف وتفاقمه.
د. خضر عباس أستاذ العلوم السياسية بجامعة النهرين: تحالفات المال والمرجعيات المذهبية هى التى تحكم

د. خضر عباس
كيف تصف الوضع السياسى فى العراق الآن؟
الوضع داخل العراق لا يصح فيه إلا وصفا واحدا فقط بحسب المؤشرات المتاحة، وهو أنه سيئ على جميع الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، كما أن هذه المؤشرات لا تدل على أى تحسن موجود، والإعلام لا يعكس الصورة الحقيقة لتلك الأوضاع، وهنا علينا أن نميز بين مجموعتين من العراقيين: الأولى وهى المستفيدة من النظام السياسي، وهذه هى المجموعة الأقل ولا تتعدى نسبة الـ 5%، والثانية وهى غالبية الشعب العراقى من شماله إلى جنوبه بمختلف الفئات والكيانات، والتى لا ينقل صورتها الإعلام العراقى الرسمى أو شبه الرسمي، كلها متضررة من العمل السياسى ومن الوضع السياسي.
وتقييمى كأكاديمى أن العمل السياسى الموجود اختارته الولايات المتحدة الأمريكية بعناية لكى يسبب نوعا من الانقسام الداخلي، ويحقق غاياته، ولا نزال إلى هذه اللحظة لا نستطيع تشخيصها، ذلك أن المعلومات فى هذا المجال غير متوافرة، ولكن حين نرصد المخرجات والمظاهر العامة يتبين لنا أنه فى المجال السياسى أنتجت انقساما وصراعا ونزاعات باستخدام أدوات إدارة الوضع السياسي، وفشلا فى إدارة الحكم، وعلى الجانب الاقتصادى فإن الوضع يزداد سوءا، بغض النظر عن الكيانات والجماعات المنتفعة من النظام السياسي، بينما اجتماعيا وثقافيا الوضع مترد إلى درجة كبيرة.
برأيك هل من الممكن أن تشكل الانتخابات المقبلة فرصة للتغيير السياسي؟
لا أتصور ذلك للأسباب التالية: أن من يحكم أولا فى العراق هو تحالف يجمع أدوات العنف والمال والمرجعيات المذهبية ، وكلها هى الماسكة فعليا بالسلطة بعد ٢٠٠٣ .
أدوات العنف الموجودة بات من الصعب معها السيطرة على الوضع الأمنى داخل البلاد، وهذه المجموعات تستطيع أن تفرض رأيها بسهولة وهى أقوى من مؤسسات الدولة بأضعاف، بل إنها تستخدم مؤسسات الدولة وتتصرف باسمها احيانا، وبرغم أن موارد الدولة كبيرة، لكنها غير قادرة على أن تحمى أى مواطن موجود.
أما أدوار المال، فقد تم التركيز فيها بدرجة كبيرة جدا نتيجة وجود ايمان لدى البعض بأن الفساد جزء من منظومة هى تؤمن بها، حتى إن الحكومة ومؤسسات الدولة لا تستطيع محاربة هذه القضية، والمال داخل العراق كبير جدا فمنذ 2003 حصل البلد على نحو ألف ومائتى مليار دولار وهى تمثل فقط إيرادات النفط، نحو نصفها ضاع بأنشطة فساد، وسوق الفساد أكبر من هذا إذ أنه يسيطر على إيرادات ضخمة جدا من الرسوم والجريمة المنظمة، هذه الإيرادات كلها تكونت عند البعض، وهو قريب من السلطة، وأصبح يستغلها أبشع استغلال سياسى ومذهبى واجتماعى وثقافي، وأصبحت تغذى الجريمة المنظمة والعنف ، وإعادة صياغة العملية السياسية بما يسمح باستمرار الموجودين بالسلطة.
والنقطة الثالثة التى تدفعنى إلى القول إن الانتخابات القادمة لن تغير شيئا أن وجود الجماعات المذهبية تشجع الناس على الاستمرارية بغض النظر عن الخطاب الذى تظهره أمام المجموعات والدول الأخرى، ربما يحدث تغيير محدود بمسميات الاشخاص لكن تظل السياسة نفسها والنتائج كما هي.
الانتخابات القادمة، هل تراها صراعا أم تنافسا؟
قولا واحدا: هى صراع لا تنافس.
من أسباب الأزمات السياسية فى العراق هو تأسيس الأحزاب على أسس دينية أو طائفية أو قومية أو مناطقية، فهل أنت مع نص يمنع ذلك؟
الدستور العراقى به مزايا عديدة، أهمها عدم مركزية السلطة، حيث يتم توزيعها على أربعة مستويات: الأولى: سلطة اتحادية ضعيفة جدا، وسلطة أقاليم كبيرة جدا، وسلطة محافظات موازية لسلطة الأقاليم، وسلطة حكم ذاتى للمناطق التى تتمتع بخصوصية لغوية أو مذهبية أو قومية أو دينية أو ثقافية، لكن الدستور غير مطبق إلا بنسبة لا تتعدى مواد قليلة جدا، منها مواد الانتخابات واختيار شخص رئيس الوزراء ومجلس النواب، أما باقى النصوص الدستورية فكلها معطلة، مؤشرات ذلك أن السلطات الاتحادية محصورة بتسع سلطات، ليس للحكومة الاتحادية أو البرلمان الاتحادى أو السلطة القضائية الاتحادية أن تتصرف دستوريا خارجها.
والأحزاب الموجودة ليست دينية، فكل المؤشرات السلبية داخل العراق تقوم بها وتحتضنها من تسمى نفسها أحزابا (دينية)، والتى لا يمكن تصنيفها أيضا تحت مسمى الإسلام السياسي، فهى جماعات ارتهنت بمسميات معينة، من أجل تسويق إعلامى فى الداخل وتشويه صورة الإسلام، واعتقد امر وجودها بقمة العمل السياسى لم يكن بعيدا عن وجود استراتيجية أمريكية لها غايات بعيدة.
كيف ترى المناداة بفكرة الإصلاح من داخل الأحزاب؟
مستحيل أن يتحقق هذا الإصلاح، فالخطاب الفعلى المستخدم يعلى مصالح إقليمية وليست وطنية فى أحيان، والعقائد التى تؤمن بها هذه الأحزاب لا تحترم الحدود ووجود سلطة فوقية ، وهى حاولت ان تنقسم إلى مسميات جديدة حتى تعمل على تبييض المرحلة السابقة، لكنها تبقى بعيدة عن فكرة الدولة، وما تطرحه هذه الأحزاب المقربة من بعض الدول المجاورة لا يمكن أن يرتقى إلى مستوى إحداث إصلاح حقيقى فى العمل السياسي.
إن خطاب الإصلاح من الصعب أن يحدث تغييرا داخل الشأن العراقي، والقوى السياسية الماسكة بالسلطات لا تشجع على أى التزام سياسى أو مالى أو إدارى أو قانونى أو قضائى يعزز من قوة الدولة، فاحتمالية الإصلاح ضعيفة جدا بوجود هذه القوى.
برغم ما سبق، هل هناك إمكانية للتغيير الإيجابي؟
نعم، من خلال تطبيق الدستور الاتحادي، فمن شأنه إحداث تغيير شامل فى الشأن العراقي. فالسلطة الاتحادية كما ورد فى الدستور فى المادة 110 تقتصر على اختصاصات محدودة، ولو طبقت هذه المادة فإن كل القوى المتحكمة بالشأن العراقى لن يكون لها وجود إلا فى نطاق قواعدها الجماهيرية وفى السلطة الاتحادية، اى سيتم تحييد اغلب مناطق العراق من تأثيرها العنفى والسلبي.
رابط دائم: