لوحة فنية من جمال الطبيعة تسرد قصص وأساطير الحياة فى بقعة من أجمل بقاع حى غرب الاسكندرية منذ مئة عام، تهافتت عليها كاميرات السينما المصرية وكاميرات اشهر الفنانين والمصورين فى مصر، عاش فيها اليونانيون والانجليز إبان عصر محمد على باشا، هى منطقة « فنار» ، تلك المنطقة البكر التى عاشت أكثر من مئة عام لم تمسسها يد لتلوث جمال طبيعتها الخلابة ولا يقطنها سوى مجموعة من الصيادين فى شاليهات وعشش صغيرة جنبا الى جنب مبنية ببساطة وبطريقة منظمة من الخشب والدبش القديم ، وهذه المنطقة رغم جمالها وسحرها فإنها تتبع هيئة موانى الاسكندريه نظرا لطبيعة دخول السفن امام هذه المنطقة الى ميناء الاسكندرية وميناء الدخيلة ولوجود هذه المنطقة امام «فنار المكس» القديم بجانب الباعث او الغرفة التى يوجد بها الكشاف الذى يكشف عرض البحر لاظهار سفن العدو الذى بناه الانجليز، لتؤجرها هيئة الموانى والسلامة البحرية للصيادين الذين يعمل اغلبهم فى مهنة الصيد بهذه المنطقة امام الفنار، منهم من تملكها واستأجرها الآخرون. هؤلاء الصيادون وسكان هذه العشش يعانون من مشكلة كبيرة هذه الأيام بعد أن تم إخبارهم بضرورة تركها والانتقال الى مساكن أخرى فى إطار تطوير المنطقة.
وتعرب الحاجة هبة عبدالله عن حزنها من قرار إزالة هذه العشش والشاليهات الصغيرة التى تزوجت وانجبت فيها، وتقول انها لا تمانع اى قرار طالما فى مصلحة الوطن لأنها تعرف جيدا طبيعة المنطقة لوجود سفن عديدة فى انتظار دورها لدخول رصيف ميناء الاسكندرية وميناء الدخيلة، وانه يجب وجود ارصفة لدخول هذه السفن حتى تدر عائدا لمصر، وتبكى الحاجة هبة وهى تقول : عشرة المكان لا تنسى ويجب تعويضنا بما يليق بأبنائنا الذين تعلموا حب الوطن فى مدارسهم وجامعاتهم، لا تضعوا الحابل بالنابل فأولادى خريجو هندسة وطب ولا تضعونا مع المدمنين الذين انتقلوا من العشوائيات، عشنا امام البحر سنوات عمرنا وأريد ألا أهان انا واولادى وان نسكن فى مكان يليق بنا بعيدا عن الخارجين عن القانون حتى لا يمس أولادى اى اذى منهم .
ويحكى الحاج على احمد، انه ولد فى إحدى هذه العشش منذ خمسين عاما امام فنارالمكس الذى استأجره والده من هيئة الموانى والسلامة البحرية بالاسكندرية منذ سبعة وستين عاما بمبلغ سبعين قرشا وهو يعمل صيادا منذ نعومة اظافره ويقول انه كان يوجد غرفة كبيرة بين العشش تولد كهرباء للباعث الملاصق للفنار لينير عرض البحر ليكشف عن سفن العدو ايام الانجليز وكان يلعب هو واصدقاؤه حول هذا المولد وان لديه قصصا كثيرة وذكريات يحكيها لاحفاده عن هذه المنطقة الساحرة ، وانه كان يشاهد الفنانين والمخرجين وكاميرات التليفزيون وهم يصورون الافلام والمسلسلات المصرية القديمة والحديثة، وانه يكسب قوت يومه من رزقه من الصيد اليومى امام منزله على جزيره سلطان بجانب فنار المكس، ويؤكد أن قرار الهدم نزل مثل الصاعقة عليه وعلى اولاده واحفاده .
وتتساءل الحاجة ام ميادة صاحبة مكان لبيع السمك الذى يأتى اليه الناس من جميع انحاء الاسكندرية ليأكلوا عندها السمك الطازج الخارج من مياه البحر يوميا، انها تزوجت وهى فى عمر 16 عاما وعاشت مع «حماتها» فى عشة واحدة صغيرة طوال خمسين عاما فى هذا المكان وانجبت فيها اولادها بهذه البقعة الخلابة امام الفنار، الذى يعتبره الناس مزارا سياحيا يأتون اليه من جميع انحاء مصر، فهل التعويض الذى تحدثوا عنه فى مكان على البحر مثلما عشنا فى هذا المكان الذى تربى فيه اولادى حتى وصلوا الى الجامعات، نحن لا نعارض التطوير طالما فى المصلحة العامة .. وفى النهاية فالجميع لا يعارضون القرار طالما كان فى مصلحة الوطن، ولكن يرجون صناع القرار أن يضعوا فى اعتبارهم ظروف سكان العشش الذين عاشوا عمرهم كله فى هذا المكان الآمن أمام البحر .
رابط دائم: