-
«المالية» كذبت خبرا لى.. فرفض «الأستاذ» نشر التكذيب بعد تأكده من صحة الخبر بل وأعاد نشره!
-
فترة «على أمين» كانت محنة.. وانخفض التوزيع من مليون نسخة إلى 50 ألفا
-
حمدى الجمال طلب منى إلغاء باب «وجهة نظر» لانزعاج السادات منه.. فرفضت وخففنا لهجة النقد
-
صفحة الرأى كانت مفتوحة لكل الأطياف الفكرية لأنى ألزمت نفسى بألا تكون لى «شلة»
-
شاركت فى تأسيس جريدة الشرق القطرية لكنى لم أستمر سوى لأشهر .. ورفضت بعدها كل عروض السفر للخارج
-
رئيس محكمة النقض كان يمدنى بمأ أنشره فى باب «مع القانون».. ويقول لى: «لو لقيت عندك غلطة مش هاسامحك»
-
السادات تراجع عن إنشاء ميناء فى مطروح استجابة لتحقيق بعنوان: السباحة فى بحر الزيت
هو اسم صحفى لامع سطر مئات المقالات، وأصدر ما يزيد عن عشرة كتب، لكننا نكاد نجزم أن كثيرين لا يعرفون من هو «المحقق الصحفي» رجب البنا، ذلك الذى تشهد صفحات الأهرام فى السبعينيات ومطلع الثمانينات على انفراده بطرح قضايا شديدة الحساسية، بحكم اقترابه من الدوائر القضائية على تنوعها وتدرجها. يطرح أسئلته على مصادره دون مواربة أو تجميل، فيستحث مصدره للإجابة بذات الطريقة .
الحيل والألاعيب التى تحول دون تنفيذ أحكام القضاء.. تقارير الجهاز المركزى للمحاسبات التى تستقر فى الأدراج.. معاناة المواطنين فى مصالح الشهر العقارى والضرائب.. وغيرها من سلاسل التحقيقات « الساخنة» جنبا الى جنب حوارات «سباقة» مع كل وزير جديد للعدل أو نائب عام أو رئيس لمجلس الدولة، مابين حوارات عند تولى المنصب، وأخرى قبل مغادرته لتقديم كشف حساب بما أنجز من ملفات، وبما لا يزال عالقا، فى تجسيد مثالى للدور الذى ينبغى أن تؤديه الصحافة فى مجتمعها.
ولم يخل الأرشيف الغنى لكاتبنا من التغطيات الحية، لعل أبرزها تلك التغطية الشاملة لحادث اختطاف ثم اغتيال الشيخ محمد حسين الذهبى وزير الأوقاف فى 1977، إذ تابعت الأهرام المستجدات لحظة بلحظة من قلب منزل «الذهبي». على جانب آخر، جاب «البنا» صحارى مصر شمالا وجنوبا ليلقى الضوء على كنوزها غير المستغلة. وواصل عمله الصحفى إلى أن تولى الإشراف على صفحات الرأى لعشر سنوات، فكانت نموذجا للتنوع والثراء الفكرى.
فى هذا الحوار يصف لنا ضيفنا الكاتب الكبير رجب البنا أجواء العمل فى الأهرام التى أثمرت هذا الإنتاج، وتنقله من محطة لأخرى حتى غادرها ليستقر على رأس دار المعارف بجانب رئاسة تحرير مجلة أكتوبر ، فإلى الحوار..
بحث عن «هيكل» كان جواز مرورك للتعيين فى الأهرام.. هل كان هذا هو ما تسعى إليه؟
فى الحقيقة نعم.. كنت أخطط للعمل فى الصحافة وفى الأهرام تحديدا، فقد عشت فى بيت كان أفراده يتخطفها كل صباح، وكنت معجبا بمقالات هيكل، ومحتفظاً بها، من أول مقال كتبه على عمودين فى الصفحة الاولى حتى آخر مقال. ولكى أدخل الأهرام كان لابد من دراسة الصحافة، لذلك بعد تخرجى فى كلية الاداب بجامعة الإسكندرية قسم فلسفة وعلم نفس واجتماع( قبل فصلها لاحقا)، التحقت بمعهد الصحافة ومدة الدراسة به عامان، وكنت الأول على الدفعة، ومشروع تخرجى كان بحثا عن هيكل، الذى أصدر قرارا بأن أوائل المعهد يتم تعيينهم فى الأهرام، وبالفعل اتصل بى د.عبد الملك عودة وقال لي: تحب تيجى الأهرام؟! وطبعا كان ردي: هو أنا أطول ؟!.
كيف تتذكر أول يوم دخلت فيه مبنى الأهرام؟.
مسترجعا اللحظة بنفس انفعاله حينها: « كان هيغمى عليٌ»! والتقيت الأستاذ هيكل فى مكتبه كعادته لقاء المعينين الجدد، وبدلا من أن أجلس معه ربع الساعة، امتد بنا اللقاء لساعة كاملة وبدلا من أن يسألنى هو، كنت أنا من أسأله كيف يكتب ويجهز لمقالاته، وكان «كريما معى للغاية» فطلب أن يأتوا لى بمسودات مقالاته، وملاحظاته التى يكتبها خلال مكالماته.
لصالة تحريرالأهرام هيبة يعرفها كل من دخلها.. هل شعرت بها ، وبمن التقيت؟
الدينا «لفت بيً». كان الصمت يعم المكان لكن الكل منهمك فى عمله. لم أكن أعرف أحدا من الموجودين، لكن علمت بعدها أن ذلك الرجل الوقور هو نجيب المستكاوي، بينما كان يجلس ممدوح طه على مكتبه تحيطه مجموعة من محررى قسم الأخبار، وهناك فى ركن بعيد؛ كان يعمل صلاح هلال، ولا أحد يجرؤ على الاقتراب منه أو اختراق خلوته. كانت «الصالة» هادئة لدرجة أن التليفونات لا ترن بصوت، وإنما بها لمبة حمراء تنير عندما يكون هناك مكالمة واردة. وأذكر فى مرة وأنا أتحدث فى التليفون ، وصوتى عال كعادتي،وجدت من ينكزنى من الخلف ويقول لي: يا أستاذ اتكلم فى التليفون! كان ذلك الشخص هو هيكل.
التحقت بقسم الأخبار وتوليت تغطية نشاط عدد كبير من الهيئات القضائية.. هل كان لنقص فى المحررين؟
ضاحكا:» لا أبدا .. كانت هناك وفرة من المحررين. لكن يبدو أن هيكل كان يراهن علي. وكنت أرغب فى الالتحاق بالتحقيقات لكنه طلب أن أبدأ بالأخبار . استقبلنى بأبوة كبيرة ممدوح طه، لكن فى البداية طلب منى مراجعة الأخبار وعمل «ديسك « لها وكنت مرتبكا ولا أفهم ما يجرى حولي. بعدها بوقت قصير أسندت إلى تغطية نشاط وزارة العدل ومجلس الدولة والنيابة العامة والنيابة الإدارية، وكانت هناك زميلة متمرسة فى صحيفة الأخبار وكان على أن أثبت جدارتي. لكن قبل ذهابى للقاء وزير العدل لأول مرة قال لى ممدوح طه: إنت مش رجب البنا.. إنت الاهرام، فمنحنى ثقة كبيرة. لذلك كنا نشعر بندية مع أى مصدر، ولم يكن صحفى الأهرام ينتظر، بل يدخل مباشرة للقاء أى وزير أو مسئول فى أى منصب رفيع. وبالطبع لا ننكر أن اسم هيكل كان السبب. لكن فى البداية واجهت طبعا صعوبة شديدة فى الحصول على الأخبار. فرئيس مجلس الدولة أخبرنى أنهم لا يتعاملون مع الصحافة، فتوجهت لقسم الفتوى والتشريع وكان ردهم أنهم يرسلون الفتاوى للوزارات المختصة. وفى وزارة العدل (كان الوزير حينها المستشار محمد سلامة) رحب بي، لكنه لم يكن يخبرنى بأى شيء للنشر.
وكيف تعاملت مع هذا المأزق؟
لجأت لصغار الموظفين وعقدت صداقات معهم، ومن خلال الدردشة، بدأت أحصل على الأخبار التى كانت تنشر فى الصفحة الأولي، وذات مرة انفردت بخبر عن مشروع قانون مهم من عامل الأسانسير.
ألم تكن تسأل فى الجرنال عن مصادرك؟
لم يكن يأتى أى تكذيب لأى خبر، وممدوح طه كان يثق في. وبعد فترة أضافوا الى مهامى تغطية وزارة الأوقاف، وتلك لم أواجه فيها صعوبة، اذ كان الوزير حينها د.عبد العزيز كامل. كان يحب الأهرام ويكتب فيها، فكان يخبرنى بكل التفاصيل، خاصة أنه كان مسئولا عن لجنة فى مجلس الوزراء، فكانت لديه معلومات عما يجرى فى المجلس أيضا. واعتمد على ذكائى وضميرى فيما ينشر وما لا ينشر. وأصبحت علاقتى بمصادرى مع الوقت إنسانية لا تقتصر على العمل، بل تتخللها زيارات عائلية، واذا غبت عنهم يتصلون بى للاطمئنان. لكن دعينى أذكر لك أنه جاء فى مرة تكذيب من وزير المالية د.عبد العزيز حجازي، لخبر عن مشروعات قوانين ضرائب جدبدة، وكنت قد حصلت على نسخة منها من قسم التشريع فى مجلس الدولة، ونشرت على مدى يومين خبرين عن كل قانون. فى اليوم الثالث جاء التكذيب،ونشرته صحيفتا الاخبار والجمهورية. طبعا فوجئت بالاستاذ هيكل يسأل عنى وممدوح طه يصرخ: نهارك أسود انت جايب الاخبار دى منين»! وعندما أعطيته المستندات ورآها لهيكل قال: يعاد النشر! ولم تنشر الاهرام التكذيب بل أعادت نشر القوانين بنصها الكامل. كان هيكل يثق فى صحفييه ،ويعلى من قيمتهم أمام المصادر. أذكر أيضا أن زميلا تعامل معه مصدره -وكان وزير دولة- بنوع من عدم الاحترام، فكان القرار منع نشر أخباره، وحاول الاتصال مرارا بهيكل دون أن يرد، وبعدها بفترة، أخبره بأن يلتقى المندوب فى الأهرام، وبالفعل جاء الوزير وجلس مع زميلنا فى كافيتريا الرابع واعتذر له.
انتقلت لاحقا الى التحقيقات. كيف اختلفت طبيعة العمل ؟
صلاح هلال كان نمطا مختلفا. لم يكن يتحدث كثيرا. أطرح عليه الفكرة ، فيرد: «اعملها» دون أن يزيد بكلمة. أسلم له التحقيق، فينشره مباشرة أو قد يتأخر دون أن أسأل عن السبب. وفى مرة نشر لى تحقيقا بعد سنة كاملة عندما وجد مناسبة لنشره . ونادرا ما يغير شيئا فى التحقيق. وأذكر أنى كنت أحزن عندما يترك عنوانى كما هو وأشعر أنه غير راض عني، إذ كانت لديه مهارة فائقة فى وضع العناوين . اجتماع قسم التحقيقات كان مختلفا عن الأخبار، تكليفات محددة يتم توزيعها، بعكس «الاخبار» كنا نعرض ما لدينا وتجرى مناقشات كثيرة، ثم ننزل إلى مقار الوزارات ثم نعود بما لدينا. لكن رغم صرامة صلاح هلال، لا أنسى دعوته للقسم للافطار على الكباب كل رمضان،فى سيدنا الحسين.
بالاطلاع على أرشيفك الصحفي، لاحظنا «سخونة» العناوين وجرأة أفكار التحقيقات رغم أنها كانت تتعلق بموضوعات حساسة لارتباطها بهيئات قضائية. ألم تواجه بأى معارضة عند النشر؟
على الإطلاق.. كانت سياسة الجرنال تسمح بذلك. ولم تكن هناك خطوط حمراء. الحقيقة هى الهدف . وكان هناك إيمان كامل بأن دور هو نقل الحقائق للرأى للعام وللمسئولين، فقد يغيب عنهم أحيانا الوضع على أرض الواقع ،وهناك قرارات عشوائية لابد أن تقوم الصحافة بدفع المسئول لمراجعتها. ولابد أن يتذكر الصحفيون أن الجرنال ملك القارئ أولا، ولابد أن يجد فيه مطالبه، ولا بأس من عرض رأى الحكومة، لكن أن يتم الاقتصار عليها، فسينصرف القارئ ولا لوم عليه. كما يجب أن يعلم واضع السياسات أن حرية الرأى ستفيده جدا. ولا يجب أن ييأس الصحفى لعدم الاستجابة لما يكتب، فتكرار الطرق على نفس القضايا، سيحدث تأثيرا فى النهاية.
هل تذكر تحقيقات نشرتها كان لها صدي؟
بالطبع. ومعظمها يتعلق بقوانين. لكن أذكر تحقيقا اعترضنا فيه على قرار السادات بإنشاء ميناء فى مرسى مطروح، بعنوان: السباحة فى بحر الزيت، وحذرنا من أن القرار سيقضى على السياحة فى مطروح، وبالفعل تم التراجع عنه.
من كان أصدقاؤك المقربين؟
فهمى هويدي، وسلامة أحمد سلامة ، وكان شخصية نادرة وكاتب له ثقله ومتواضع جدا ولا ينشغل بالنميمة، وإبراهيم عمر الذى كان يرأس قسم الحوادث،و صلاح منتصر طبعا، صحيح أنه كان رئيسا للديسك لكن لم يكن بيينا فارقا عمريا. وطبعا كنا جميعا» نتمحك» فى «الدور السادس» حيث كبار الكتاب من توفيق الحكيم ويوسف إدريس وزكى نجيب محمود ونجيب محفوظ . كنت قريبا أيضا من كبار الصحفيين وأتعلم منهم مثل عبد الحميد سرايا وأحمد نافع ويوسف صباغ ومحمود عبد العزيز وكمال نجيب الذى بعد أن تخفف من كل التزاماته، كان يأتى يوميا إلى الجرنال لمراجعة الطبعة الأولى كلمة كلمة ولا تفوته «الهفوة». عبد الحميد سرايا كان يهتم بكل تفاصيل الخبر، ويطلب المحرر لسؤاله لإضافة مالم يكتبه اعتقادا منه أنه غير مهم، أو ليستفسر منه عن جزئية ما، أما أحمد نافع فكانت فيه «أبوة» وقريبا من المحررين. بينما كان يوسف صباغ يميز الخبر الجيد و»أستاذا» فى صياغة العناوين. لا أنسى أيضا عبد الوهاب مطاوع لأنه كان عطوفا، وإبراهيم نافع يثق فيه بشكل كبير، وأوكل إليه مهمة حل أى مشكلة لدى أى زميل فكان بمثابة حائط المبكى لكل صحفيى الأهرام. أما الناقد الكبير سامى خشبة فجمعتنى به غرفة واحدة، وكان مسئولا عن صفحة الفكر والثقافة، ويستقبل كبار الكتاب والأدباء والنقاد،فكانت فرصة عظيمة للتعرف عليهم.
كنت شاهدا على رحيل هيكل عن الأهرام.. وكانت فترة حرجة خاصة عندما تولى على أمين رئاسة التحرير لنحو 3 أشهر.. كيف كانت الأجواء ؟
كانت فترة صعبة، خاصة أنه كان مطلوبا منا مهاجمة هيكل، ومن يرفض، يعاقب برفض نشر موضوعاته أو مقالاته وهو ماحدث معى . فترة على أمين كانت «محنة» ، لأنه كان يتدخل بنفسه فى الصياغة، فيرتكب أخطاء، ويفسد الموضوعات. أما الأزمة الكبرى فحدثت عندما ظهر فى التلفزيون وسئل عن خطته للأهرام فرد بأنه» سيلبسه ملابسه الداخلية»! فووجه فى اليوم التالى بغضب عارم من كل العاملين محررين وإداريين وعمال احتشدوا فى صالة التحرير، وواجهه لطفى الخولى وغيره وقالوا له إنه لا يصلح لموقعه. بالطبع حاول الاعتذار وأنه قصد أن تتحرر الاهرام من رسميتها وصرامتها لتصبح جريدة «عصرية»، لكن بعد هبوط أرقام التوزيع من مليون نسخة إلى 50 ألفا ، أقاله السادات.
جاء خلفا له أحمد بهاء الدين وصولا الى إبراهيم نافع. ما التحولات التى شهدتها الأهرام خلال تلك السنوات؟
بالتأكيد هيكل لا يعوض. والنظام الذى وضعه للأهرام تراجع بعد مغادرته. بهاء الدين استمر سنة ولم يكن سعيدا بالمنصب ،وأراه دائما مهموما بقضايا وطنه. أما على حمدى الجمال فكان رجلا نبيلا ومن أكفأ رؤوساء التحرير، خاصة أنه كان مديرا للتحرير لمدة 20 عاما،. نافع كان قريبا لهيكل ومن تلاميذه. فكان أكثر من حاول تطبيق مدرسته فى الإدارة. أذكر أنى فى عهده نشرت حوارا مع عبد الحميد حسن الذى تولى وزارة الشباب والرياضة، وكان حوارا جريئا وصريحا، وفوجئت بالأستاذ ابراهيم يقول لى أمام الجميع أن الرجل ينفى أنه قابلنى من الأصل، فأخبرته أن الشريط الذى سجلت عليه الحوار بحوزتي. فلم يطلبه مني، وانتهى الأمر فى لحظتها . لذلك كان نافع امتدادا لمدرسة هيكل.
كيف جاء اختيارك للإشراف على صفحات الرأى ؟
قبل «الرأي» توليت رئاسة قسم التحقيقات لفترة عندما كان صلاح هلال فى الإمارات لتأسيس مجلة شهيرة الآن، وعندما عاد، سلمت له كل أوراق القسم ،لكنه طلب إعطاءها لعزت السعدنى ، ليتولى هو رئاسة القسم. أما «الرأي» فكان اختيارى من قبل ابراهيم نافع، بعد أن أراد صلاح منتصر التفرغ لعمله كمدير للتحرير وكتابة مقاله الأسبوعي.
وماذا كانت رؤيتك ؟
ألزمت نفسى بألا يكون لى «شلة «، فصفحات الرأى مفتوحة للجميع بشرط جودة الفكرة، وكثيرا ما كنت أنشر لشخصيات لا أعرفها، من خبراء وأساتذة فى الجامعة وغيرهم. كنت حريصا أن تعبر صفحات الرأى عن كل الأطياف والتوجهات الفكرية، فهناك يساريون من حزب التجمع، وهناك د. نعمات أحمد فؤاد التى كانت تواجه بنقد جبار، بل ومرشد الاخوان عمر التلمسانى والبابا شنودة. حتى أنى شعرت مع الوقت أن هناك «جريدة معارضة» داخل الأهرام، فسألت ابراهيم نافع اذا ما كان يقرأ صفحات الرأي، فأجاب بالإيجاب، فقلت ألا تشعر أن نبرة المعارضة زادت فسألنى باستنكار: هو فى حد كلمك؟! يقصد أنه لم يسبق له أن وجه لى أى ملاحظات فلم أقلق؟! وطالبنى بأن أستمر على نفس النهج. واستمريت لعشر سنوات.
معنى ذلك انك لم تواجه بأى متاعب من سياستك المنفتحة فى صفحة الرأى؟
لا نهائيا.. المتاعب كانت بسبب موضوعات نشرتها فى صفحة الفكر الدينى التى كان يشرف عليها فهمى هويدي. أذكر فى مرة كتبت أن الحسين ليس مدفونا فى مقامه فى القاهرة، فجاء شخص يسأل عنى وكان صاحب منصب سابق، وكنت بالصدفة أقف على مقربة منه وأسمع حديثه مع ممدوح طه وقال له بالنص: إذا رأيته سأقلته.
تقصد أنه لم تكن تأتى أى ملاحظات لما ينشر من نقد؟
عندما كنت مشرفا على باب «وجهة نظر «وكان يهدف لتهيئة «كتاب رأي» من جيل الوسط فى الأهرام، تسابقوا جميعا فى توجيه النقد اللاذع للحكومة، فتحدث السادات مع حمدى الجمال وقال له:» هو كل يوم صحفى «يبصق» على وجه وزير؟! فطلب منى الجمال إلغاء الباب، فقلت أنه من الممكن تخفيف حدة النقد قليلا وقد كان. أما فى عهد مبارك، فكان يقرأ ما ينشر لكن لم تكن تزعجه الأصوات المعارضة.
هل كنت تتدخل فى إعادة صياغة بعض ما يرد فى المقالات ؟
على الاطلاق. فإما أن أقبل المقال كاملا أو أرفضه. واذا وجدت فقرة بحاجة إلى إعادة نظر من كاتبها، اتصل به فإذا اتفق معى كان بها، وإذا رفض لا أنشر المقال. أما أن يتم التدخل فى مقال رأى منسوب لصاحبه فهذه جريمة.
أسست باب» مع القانون» المستمر حتى يومنا هذا. كيف جاءت فكرته؟
لمست أن كثيرين لا يعرفون حقوقهم جيدا فى مسائل الزواج والطلاق والإيجار والبيع والشراء، وقد يستغل ذلك بعض المحامين. فقمت بإعداد حلقة وسلمتها لصلاح هلال، فنشرها فى صفحة التحقيقات، فأعددت حلقة أخرى ونشرها، وبعد أن شعر إبراهيم نافع أن له صدي، قرر أن يصبح بابا أسبوعيا . وحقق نجاحا كبيرا، فكان كل رجال القضاء يتابعونه. وكان رئيس محكمة النقض يمدنى بكل أحكام المحكمة ويقول لي:» لو لقيت عندك غلطة مش هاسامحك». لذلك كنت حريصا على التزام الدقة، للدرجة التى جعلت كثيرين يعتقدون أنى دارسا للحقوق. وفوجئت أن البعض كان يقص الباب من الجرنال، ويعد ملفات من القصاصات مقسمة حسب نوع الموضوع، بل كان بعض المحامين يقدمونه للمحكمة كوثيقة يعتد بها فى الأحكام. وقد طلب منى د.بطرس غالى عندما كان رئيسا لتحرير «الأهرام الاقتصادي» أن أعد بابا شبيها وكان بعنوان «مستشارك القانوني»، كما أعددت صفحة رأى شبيهة لصفحات الرأى بـ «الأهرام» بعنوان «هايد بارك».
كنت تعد أيضا باب» للموظفين فقط « لكنه لم يستمر؟
مبتسما: بالفعل لم يستمر لأنى فى الحقيقة كنت أعمل كثيرا جدا. فكانت لدى «شيفتات» فى الديسك المركزى صباحية ومسائية. كانت تمر أيام دون أن أرى أبنائي، وعلاقتى بهم من خلال الرسائل الورقية. حتى ليلة رأس السنة التى يسهر فيها الجميع ، كنت أقضيها سهرانا فى الأهرام. وأى مسئول يتصل يسأل عنى مباشرة لأنه من المعروف أنى من أكون موجودا فى هذه الليلة. كان ارتباطنا بالأهرام غير عادي. ونجد فيه كل ما نحتاجه. أبسط شيء مطعم الدور الـ 12 ، كنا نجد فيه كل الأصناف حتى الجمبرى والكابوريا بخدمة تضاهى أفخم الفنادق. هذا المطعم كنا نتباهى به، وكل عام كنت أدعو مستشارى هيئة قضايا الدولة ( يزيدون على 20 قاضيا) على الغذاء فى غرفة كبار الزوار،على حساب الأهرام ، فقط على أن أكتب مذكرة لهيكل يمضيها بالموافقة مباشرة.
يتابع بعد لحظة صمت :الحقيقة أنه رغم كل تعبى فى الأهرام، لم تكن تعنينى الترقيات، لأنى كنت أرى أنه يستحق أكثر لأن فضله على كبير، فهو الذى صنعني. وإذا سألتنى عن أمنيتى فى اللحظة الآنية، فهى أن يعود بى الزمن لأجد نفسى مشرفا على صفحات الرأى فى نفس مكتبى القديم وبلا أى مقابل.
استحدثت تقليدا سنويا وهو استضافة البابا شنودة لعدد من كتاب الأهرام على إفطار رمضان.. كيف تم تنفيذ الفكرة؟
كانت علاقتى بالبابا شنودة وثيقة جدا، فعرضت عليه أن «يعزمنا «على الإفطار، على أن أختار حوالى 20 صحفيا ونفطر فى «الدير»، وكان من الحضور سلامة أحمد سلامة ،وصلاح الدين حافظ، وأسامة الغزالى حرب، وإبراهيم عمر،وأذن المغرب، فأشار لنا البابا عن اتجاه القبلة، وكتبت حينها موضوعا بعنوان» صلينا المغرب فى دير الأنبا شنودة». وعاما تلو الآخر، بدأ العدد يزيد، إلى أن خرج الأمر عن ترتيب الأهرام، إذ وصل الحضور الى نحو 500 من الشحصيات العامة والفنانين والوزراء وشيخ الأزهر.
تركت الأهرام فى عام 1994 لتتولى دار المعارف ورئاسة تحرير مجلة أكتوبر. أتوقع أنك لم تكن سعيدا فى ظل ارتباطك الشديد بالأهرام؟
كنت حينها نائبا لرئيس التحرير، وفى الحقيقة اعتذرت عن القبول إلا أنه لم يكن هناك مفر، لكنى استمريت فى كتابة مقالى الأسبوعى دون انقطاع وبلا مقابل، كما كنت أدعى فى كل مناسبات الأهرام، بل أحيانا كنت أحضر مناسبات ممثلا لها. وبمناسبة ارتباطى بالأهرام، فى الثمانينيات عرض على السفر الى قطر لتأسيس جريدة الشرق، ولم أمكث سوى 3 اشهر وقررت العودة لمصر فلم أطق الحياة بعيدا عن الأهرام، وكان اصدقائى يعتبون على تفويت فرصة كهذه، لكنى عدت مشتاقا إلى صفحة الرأى التى كان قد تولاها فى غيابى صديقى سامى خشبة. وبعدها رفضت كل عروض السفر للخارج لأنى كنت أعتبر الأهرام أهم من بيتي.
رابط دائم: