القيادة فن عظيم، واكتشاف القائد أو الموهبة أمر يحتاج إلى نفوس صافية تعرف معادن الرجال؛ لهذا حث الإسلام على اكتشاف المواهب المخبوءة فى المجتمع، وألقى التبعة عليها من أجل الرقى به، ودفعه إلى الأمام.
لعل من سمات القائد الناجح الأمانة والخبرة، وفى هذا يصور القرآن الكريم هذه الحقيقة العظيمة، على لسان ابنة العبد الصالح، في قولها عن موسى، عليهما السلام: «..يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ»، فالأمانة أصل من أصول الشخصية التى يُعتمد عليها فى قيادة الأمم والشعوب.
القوة هنا بمعناها الشامل من حيث تراكم الخبرة والتدريب المستمر وفن اتخاذ القرار والحسم فى معالجة المشكلات، كما أن التوازن الانفعالي من أهم سمات القائد الناجح فلا يكون عرضة للزوابع والأعاصير.
ولقد أعطى النبى، صلي الله عليه وسلم، المثل الرفيع فى القائد العظيم الذى يعرف كيف يكتشف من حوله عندما جاءه الصحابي "أبو ذرالغفارى"، رضي الله عنه، وطلب الإمارة أو القيادة، ففى الحديث بصحيح مسلم: "عن أبى ذر، قال: قلت: يا رسول الله ألا تستعملنى؟ قال: فضرب بيده على منكبى ثم قال: يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزى وندامة إلا من أخذها بحقها، وأدى الذى عليه فيها". إن هذه المقولة ليست تقليلاً من مكانة أبى ذر، رضي الله عنه، وإنما تعني البحث عمن يتحمل المسئولية أو أمانة الإمارة، وهى ثقيلة.
ذلك فى الوقت الذى كان فيه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يرشح أبا بكر وعمر، رضي الله عنهما؛ لتحمل المهام العظام، وقال: إن لى وزيرين من أهل السماء ووزيرين من أهل الارض، فوزيراى من أهل السماء (جبريل وميكائيل)، ووزيراى من أهل الأرض أبو بكر وعمر.
من أجل هذا طلب يوسف، عليه السلام، تحمل أمانة القيادة، لأنه وجد فى نفسه سمات القائد، يقول تعالى: “قَال اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ”، فقد وجد فى نفسه مقومات من يضطلع بعظائم الأمور.. فى وقت نجد فيه البعض يبحثون عن القيادة بقصد الشهرة أو الوجاهة تارة، أو التربح والحصول على مغنم من مغانم الدنيا.
لهذا أعطى النبي، صلي الله عليه وسلم، المثل الرفيع فى اكتشاف معادن النفوس، فكان أعرف بصحابته من أنفسهم، وكان يبحث عن الأكفاء من أهل الخبرة والأمانة، وليس "أهل الثقة"، بمصطلح أدبياتنا المعاصرة.
إن الأمة العربية والإسلامية فى أمس الحاجة إلى رجال يعملون فى صمت من أجل رفعة أوطانهم، فى وقت نجد فيه بعض القادة ممن ضحوا بأوطانهم من أجل مجد شخصى أو مغانم وفيرة.
ففى كل موقع ودائرة من دوائر حياتنا يجب أن نبحث عن القائد السوى الذى يؤدى واجبه على خير وجه، وأن نحسن اختيار القائد الجدير بتحمل المسئولية، الذى تتوافر فيه شروط القائد الناجح.
إن مستقبل الأمم والشعوب مرهون باختيار الرجل المناسب فى المكان المناسب.. فلنبحث عن هؤلاء، وهم كثر فى كل المواقع، أو كما ورد أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: “الخير فيَّ وفي أمتى إلى يوم القيامة”.
رابط دائم: