رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الاقتصاد الأمريكى..‪وسيناريوهات تفادى شبح ‬ الإغلاق

فاطمة محمود مهدى
> الديون الأمريكية تثقل كاهل الاقتصاد

«أزمة مالية تاريخية» هو توصيف ما تعانيه الولايات المتحدة الأمريكية فى الوقت الراهن، حيث ضربت الأزمة الاقتصادية التى اجتاحت العالم أقوى اقتصاد فى العالم، بل وصل الأمر إلى حد التهديد بالإغلاق فى حال  تخلفها عن سداد التزاماتها، بعدما سجلت أكبر ركود اقتصادى منذ الحرب العالمية الثانية. وطالبت الصيحات التحذيرية من جانب الخزانة الأمريكية بضرورة التدخل الفورى، وطالبت الكونجرس باتخاذ قرار رفع سقف الدين، لمواجهة الاضطرابات المالية الحادة التى تشهدها البلاد.

ورفع سقف الدين قضية متكررة فى الشأن الأمريكى، خاصة أنها نقطة خلاف دائم بين الحزبين الجمهورى والديمقراطى فى الكونجرس، ولكن تختلف الأدوار ويتم الانتقال من مقعد المعارض إلى  مقعد المؤيد حسب الحزب الذى يتولى مرشحه كرسى الرئاسة. وفى الأغلب يتم التدخل فى الوقت القاتل ويتم اللجوء لحل سواء مؤقت أو دائم لعلاج المشكلة. وسبق أن رفع سقف الدين 80 مرة منذ ستينيات القرن الماضى، ولكن هذه المرة الوضع متأزم بشكل كبير، ومنذ يوليو الماضى بدأت المطالبات باتخاذ اللازم، قبل بداية شهر أكتوبر المقبل، وأعلنت جانيت يلين وزيرة الخزانة الأمريكية، أنه «فى غضون أيام، سيفتقر ملايين الأمريكيين إلى النقود. وقد تنقطع شيكات الضمان الاجتماعى عن نحو ٥٠ مليون مسن. وقد تتوقف رواتب الجنود».

ويلقى شبح الأزمة بظلاله على الأسواق المالية والاقتصاد الأمريكى بشكل عام، ليعيد إلى الأذهان أزمة ديون عام 2011، كما ذكرت يلين، مشيرة إلى أن سياسة وضع الولايات المتحدة على حافة الحد الأقصى للدين «دفعت أمريكا إلى شفير أزمة» ودفع ذلك منظمة «ستاندرد آند بورز» إلى خفض تصنيف ديون الولايات المتحدة إلى «إيه إيه إيه»، مما أحدث هزة فى الأسواق الأمريكية، وهو ما يؤكده الخبراء، ويطالبون بضرورة التحرك السريع لتجنب النتائج الأسوأ، والكوارث المالية المحتملة، نتيجة التخلف عن السداد، ما يؤدى إلى رفع معدلات الفائدة وتراجع أسعار الأسهم بشكل حاد. وما يجعل هذه الأزمة مختلفة عن سابقاتها ، لجوء أمريكا لرفع سقف الديون قبل أن تتجاوز الحد المسموح به، مما مكنها من سداد ديونها مع حلول المهل المحددة. وذلك الإجراء لم يتحقق حتى الآن .

ذكرت صحيفة «الجارديان» البريطانية، أنه من المتوقع أن يشهد الكونجرس صراعًا بين الجمهوريين والديمقراطيين، لمنع  الموافقة على إجراء تمويل مؤقت. وسوف يؤدى عدم الموافقة  إلى أزمة مالية مزدوجة، تتمثل فى تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها الهائلة وإغلاق الحكومة الفيدرالية. ولكن هناك خطة وضعها الحزب الديمقراطى لمساندة الحكومة الأمريكية، والمعروفة بخطة نانسى بيلوسى رئيسة مجلس النواب، وتشاك تشومر زعيم الأغلبية الديمقراطية بالمجلس، تتضمن تعليق سقف الديون بعد انتخابات التجديد النصفى للكونجرس لعام ٢٠٢٢، فى مشروع قانون مؤقت يبقى الحكومة ممولة .

وناشدت وزيرة الخزانة الكونجرس، بأن الوقت يعنى المال فى هذه الحالة، أى مليارات الدولارات، ولا يمكن تحمل التأجيل أو التخلف عن السداد، مشيرة إلى أن «الأشهر الـ١٧الأخيرة اختبرت قوة بلادنا الاقتصادية، ولكى نخرج من الأزمة. علينا ألا نغرق أنفسنا مجددا بشكل كامل فى أزمة أخرى يمكن تجنبها.»

وجدير بالذكر أن ما يصعد من حدة الأزمة، أن السيولة النقدية والإجراءات الخاصة لدى وزارة الخزانة ستنخفض بمقدار 150 مليار دولار أول أكتوبر المقبل، بسبب كثرة المدفوعات الإلزامية، وبالفعل اتخذت وزارة الخزانة خطوات خاصة منذ يوليو الماضى، لتجنب تجاوز سقف الدين العام، مع انتهاء فترة تعليق الالتزام بالسقف التى استمرت عامين، ولكنها لا تستطيع تقديم تقديرات محددة للمدة الزمنية التي ستستمر فيها فاعلية الإجراءات الاستثنائية في ظل جائحة فيروس كورونا المستجد. ومع الارتفاع الشديد فى حالات الإصابة بكورونا فى بعض الولايات، والتى أدت إلى اللجوء إلى  الإغلاق مجددا، فإن العائلات من أصحاب الدخل الأكثر انخفاضا والأقليات، ستتأثر سلبا أكثر من غيرها من عدم رفع سقف الدين، لأن الولايات المتحدة وسعت نطاق معونات البطالة وبلغت نسبة المستفيدين 14،7 %مع تفشى كوفيد-19. وأكد الخبراء أن خفض المعونات يؤدى  إلى تقلص دخل العائلات بـ4.2 مليار دولار أسبوعيا، أو نحو 210 مليارات دولار سنويا. ومع انقضاء مهلة معونات البطالة فى حالة عدم رفع سقف الدين، فإن ملايين الأمريكيين العاطلين، لن يتمكنوا من تدبير أمور معيشتهم الأساسية.

ويحظر سقف الدين الحالى على الولايات المتحدة استدانة أكثر من الحد الأقصى الحالى البالغ 28.4 تريليون دولار ولقد شارفت ديون الولايات المتحدة على بلوغ هذا الرقم ، وهي أكبر مديونية تحققها فى تاريخها. و يرجع ذلك إلى حالة ركود النشاط الاقتصادى، وارتفاع معدلات البطالة، و تراجع الناتج المحلى، وارتفاع كمية النقود التى طبعتها أمريكا للحفاظ على استقرار معدلات النمو ومنع إفلاس الشركات الأمريكية. وأسهمت هذه الأسباب فى انخفاض إيرادات الضرائب، وارتفاع الإنفاق الحكومى. وتتوقع وزارة الخزانة الأمريكية، اقتراض أكثر من 2.279 تريليون دولار خلال السنة المالية الحالية، منها أكثر من 821 مليار دولار خلال الربع الأخير من سنة ميزانية 2021، بعد أن اقترضت نحو 460 مليار دولار خلال الربع الماضى المنتهى فى يونيو الماضى، للإنفاق على تدابير التخفيف من تداعيات وباء كورونا، ومساعدة الشركات والأفراد على سداد قروضهم، ومنح إعانات البطالة للعاطلين عن العمل. ويؤدى اقتراض وزارة الخزانة وغيرها من الإدارات فى الحكومة الفيدرالية، إلى ارتفاع عجز الميزانية إلى 3.4 تريليون دولار، مما يوضح حجم الدعم الحكومى الضخم الذى تم رصده، لمواجهة تداعيات فيروس كورونا.

وهناك عدة سيناريوهات متوقعة للحد من الأزمة الاقتصادية الراهنة، منها تخلى الكونجرس عن الخلافات، واتخاذ قرار رفع سقف الدين فى اللحظات الأخيرة، أو تطبيق خطة الحزب الديمقراطى، وهى تعتمد على حلول الإرجاء الوقتى، والتى يقترحون فيها تعليق سقف الديون حتى ديسمبر 2022، أو التعامل مع  القضية بشكل سياسى يعتمد على استمرار الجدل وعدم اتخاذ قرار صريح والاعتماد على المسكنات لتخفيف الأزمة دون علاج. ولكن عدم الموافقة على رفع سقف الديون والذى لايزال يصر عليه الجمهوريون، ستترتب عليه صعوبة في دفع الفواتير ورواتب الموظفين الفيدراليين، وعجز عن الوفاء بالتزاماتها تجاه حاملى السندات، مما قد يضر بالاستقرار المالى، وذلك ما يدفع إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن، لجذب الجمهوريين للموافقة على هذا الأمر، وتجنب  وقوع الإغلاق الذى تترتب عليه كوارث اقتصادية.

وعلى الرغم من اتفاق الجمهوريين مع الديمقراطيين على ضرورة سداد المديونيات الأمريكية، إلا أن الجمهوريين يريدون دفع الديمقراطيين إلى رفع سقف الدين كجزء من فاتورة الإنفاق البالغة 3.5 تريليون دولار، مما يساعدهم فى  الهجوم على منافسيهم الديمقراطيين في انتخابات التجديد التشريعي. بينما يرى الديمقراطيون أن زيادة الدين الأمريكى ترجع إلى مجموعة التخفيضات الضريبية التى قررها الحزب الجمهورى.

والديون ليست مشكلة فى حد ذاتها مهما ارتفع حجمها، ولكن المشكلة فى عدم الالتزام بسدادها، وديون الولايات المتحدة مباشرة من قبل حاملي السندات الأفراد أو من قبل المؤسسات، مثل الصناديق المشتركة أو خطط التقاعد ونسبتها نحو 70%، والباقى يمتلكه الأجانب، سواء بشكل فردى أو مؤسسى. ومشكلة الدين فى تحديد سقف الديون، الذى لا يسمح للحكومة باقتراض المزيد من الأموال، وهذه الأزمة الراهنة ستدفع الحكومة الأمريكية لتحديد أولويات المدفوعات، وسوف تكون لمصلحة حملة السندات للهروب من دفع فوائد التأخير، لأن التأخر فى السداد يهز ثقة المستثمرين، مما يهدد بالتخلى عن السندات الأمريكية، وذلك أكبر خطر على الاقتصاد الأمريكى. والأيام القليلة المقبلة سوف تكشف أى السيناريوهات سوف يتم تطبيقه من قبل الكونجرس والإدارة الأمريكية، للنجاة من شبح الإغلاق .

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق