التنمية البشرية مفهوم واسع شهد تطورا كبيرا خلال السنوات الأخيرة، ولم يعد مقصورا على الاهتمام بالتعليم والصحة كأحد المكونات الأكثر شهرة فى هذا المجال، ولكن أصبح أكثر شمولا ليعنى عملية التحسين المستمر لرفاهية البشر فى جميع القطاعات ومن جميع الشرائح والمستويات، وانتقل هذا المفهوم بفضل جهود العديد من المؤسسات الدولية من التقارير والتوصيات المكتوبة إلى حيز التنفيذ على أرض الواقع، وتحول ليصبح مكونا أساسيا ،محوريا فى خطط وبرامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدول، ومنها مصر، أملا فى الارتقاء بمستوى حياة السكان وتأهيلهم للمشاركة فى النهوض ببلادهم، بحيث يكونون عناصر فعالة وإيجابية فى طريق التطوير والبناء. وجاء الإعلان منذ أيام عن نتائج تقرير التنمية البشرية فى مصر بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسى، ليكشف عن جوانب جديدة اقتحمتها مصر فى مجال التنمية البشرية وتطور فى مؤشرات التنمية البشرية مبشرة، وإشادة بجهود مصر والتزامها بنهج تنموى يضع الإنسان فى مقدمة اولويات الدولة، مع الالتزام والعمل على تحقيق الأهداف الأممية للتنمية المستدامة التى وضعتها الأمم المتحدة على أجندتها حتى 2030، إلى جانب وجود عدد من التحديات التى يجب العمل على مواجهتها.
وتستعرض الصفحة الاقتصادية بـ«الأهرام» الرؤية الجديدة لمفهوم التنمية البشرية والمنظور الدولى لهذا المحور المهم على المستوى الدولى والمحلى، خاصة بعد الأزمة الصحية والاقتصادية التى مر بها العالم بسبب جائحة كورونا، والتى لاتزال آثارها مستمرة على البشر وعلى جهود النمو والتطوير فى ظل تحديات جديدة فرضتها تداعيات الجائحة المستمرة على معدلات التعليم والتعلم والصحة ومستويات الفقر والوظائف والتشغيل، إلى جانب تأثيراتها على النساء والشباب الفئات الأكثر تضررا وفقا للتقارير العالمية والمحلية.
وفى حوارين لـ«الأهرام» مع المديرة الاقليمية للتنمية البشرية بالبنك الدولى كيكو ميوا، و مدير الوكالة الفرنسية للتنمية فابيو جرازى، كشفا رؤية المؤسستين للمنظور الدولى الجديد للتنمية البشرية، وما يرتبط به من أبعاد اقتصادية و بيئية واجتماعية واهتمام بتحسين حياة البشر من خلال توفير فرص عمل لائقة بالتوسع فى توفير التمويل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، والتركيز على النساء كمحور أساسى لتنمية المجتمع مع الكشف عن البرامج والخطط الجديدة المتعلقة بمصر فى هذا المجال..وفيما يلى نص الحوارين:
--------------------------------------------------
-
المديرة الإقليمية بالبنك الدولى لــ «الأهرام»: التنمية البشرية مفهوم شامل لمختلف مناحى الاقتصاد والعمل ومكون أساسى لبرامج ومشروعات البنك
-
جائحة كورونا فرصة لإعادة بناء رأس المال البشرى فى المنطقة ومصر بشكل أفضل تأثيرا وأكثر فعالية
-
اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء نتيجة لتفاوت القدرة على الوصول للوسائل التكنولوجية للتعليم عن بعد
كيكو ميوا
يفتقد الفقراء هذه القدرات، وحتى الآن لا يوجد رصد التعليم والصحة وتمكين المرأة مجالات للتعاون مع البنك .. ومستعدون لدعم مصر لتوفير اللقاحاتكيف تغيرت مفاهيم التنمية البشرية خلال الفترة الماضية.. وما مدى تأثير جائحة كورونا عليها؟
الاستثمار فى البشر هو اساس التنمية البشرية ويشمل ويؤثر فى جميع مجالات الاقتصاد والعمل، ويحقق المستوى المناسب الذى يسمح بحياة السكان بشكل لائق وفعال، واكتسب مفهوم التنمية البشرية أهمية كبيرة على جدول أعمال البنك الدولى وفى جميع برامجه ومشروعاته منذ سنوات، بحيث أصبح أحد المكونات الاساسية التى تراعى فى مختلف المشروعات التى يتم تمويلها، إلى جانب إعداد برامج مباشرة تعمل على تحقيق هذا المفهوم من خلال تمويل قطاعات التعليم والصحة والبيئة والحماية الاجتماعية، والعمل على الحد من معدلات الفقر والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وكلها قطاعات تنعكس مباشرة على تحسين مستوى المعيشة ورفع المهارات البشرية وتطوير الامكانيات والقدرات، والتى فى النهاية تنعكس على التنمية الاقتصادية وزيادة الإنتاج ورفع معدلات النمو .
جائحة كورونا القت بتداعياتها على مختلف مناحى الحياة.. فما تأثيرها فى مجال التنمية البشرية؟
اثرت جائحة كورونا بشكل كبير على معظم مجالات التنمية البشرية وانعكست سلبا على رأس المال البشرى بسبب حالة التعطل الاقتصادى، وتوقف العديد من الأنشطة التعليمية وتأثر الحالة الصحية وارتفاع الضغوط على المؤسسات العلاجية، علاوة على الأعباء الإضافية التى تحملتها موازنات الدول لمواجهة تداعيات الجائحة والحد منها، ومن أهم الآثار التى ترتبت على هذه الجائحة، هو ارتفاع معدلات الفقر، وبعد أن كانت الجهود الدولية ومنها الأهداف الالفية للبنك الدولى قد اقتربت من تحقيق غايتها وشهدت معدلات الفقر فى الـ25 عاما الأخيرة انخفاضا واضحا وملحوظا، جاءت الجائحة لتقوض هذه الجهود وتعود بمعدلات الفقر للأرتفاع للمرة الأولى منذ ربع قرن، كما تضرر قطاع التعليم العام الماضى بنسبة كبيرة فهناك 1٫6 مليار طفل حول العالم لم يستطيعوا الذهاب إلى المدرسة، وهذا يعادل ضياع سنة من التعليم، كما زادت الفجوة بين الأغنياء والفقراء فى مجال التعليم، حيث يمتلك الاغنياء الوسائل التكنولوجية والإمكانيات التى تجعلهم قادرين على مواصلة التعلم عن بعد، فيما دقيق لمدى تأثير الجائحة على مستوى التعليم وقدرات التحصيل نتيجة لإغلاق المدارس والتعلم عن بعد، ورغم أن التعليم عن بعد وفر وسيلة آمنة لاستمرار العملية التعليمية، إلا أن جودة النتائج من المؤكد أنها لا تساوى التعليم المباشر، كما كان للجائحة تأثير كبير على قطاع الصحة والخدمات الطبية يقدر حجم ضحاياها بنحو 4٫5 مليون شخص، وهو مادفع البنك الدولى للاستجابة القوية من خلال توفير اعتمادات إضافية لتمويل الدول فى مجال الصحة، ووصل دعم اللقاحات إلى حوالى 53 دولة حتى الآن .
جائحة كورونا أكبر دليل على وضع الإنسان وحمايته فى المرتبة الأولى.. حيث توقفت جميع الأنشطة للحفاظ على صحة البشر وتكبدت الحكومات خسائر اقتصادية كبيرة نتيجة لذلك .. فهل تعتقدين أن الإجراءات الوقائية فى بداية الأزمة كانت مبالغا فيها ؟
أعتقد أن الجائحة وما تبعها من إجراءات للحماية تؤكد أهمية الحفاظ على البشر، الذين يعتبرون الثروة الحقيقية للدول، ولا أعتقد أن الإجراءات كان مبالغا فيها فى ظل ظروف عدم المعرفة والجهل بالمعلومات اللازمة عن تطورات الجائحة، وفى ظل عدم وجود علاج لهذا الوباء وغياب أى وسيلة للوقاية منه والحد من انتشاره، وفى حالة عدم اتخاذ هذه الإجراءات كان من الممكن أن يكون الوضع أسوأ، وأرى أن اكتشاف اللقاح المضاد للوباء فى وقت قياسى يعد انتصارا كبيرا للبشرية لانه السبيل الوحيد لحمايتهم وعودة الحياة الى طبيعتها .
مصر بذلت جهودا كبيرة خلال الفترة الماضية للمحافظة على مكتسبات التنمية البشرية رغم تداعيات الأزمة على هذا المجال.. كيف ترون ذلك ؟
بالفعل مصر قامت بجهود كبيرة خلال الفترة الماضية فى مجال التنمية البشرية، كما ساندت الإصلاحات الاقتصادية التى تم تنفيذها جهود الدولة، لتحسين الخدمات وتعزيز مجال الحماية الاجتماعية، كما حققت مصر تطورا كبيرا فى مجال التحول الرقمى، وكل هذه الجهود انعكست على قدرتها فى مواجهة الجائحة والحد من تداعياتها، ويمكن القول إن الجائحة تشكل فرصة لإعادة بناء رأس المال البشرى بالمنطقة، وفى مصر بشكل أفضل تأثيرا وأكثر فعالية، موضحة أن خطة الاصلاح الطموح التى اتخذتها مصر فى مجال التعليم والتى دعمها البنك الدولى بتمويل يقدر بنحو 500 مليون دولار، سمحت بالانتقال إلى نظام التعليم عن بعد فى مرحلة ذروة الوباء، كما كانت هناك استجابة سريعة من الدولة لدعم النظم الصحية وشبكات الحماية الاجتماعية .
ما هى فرص التعاون بين مصر والبنك فى مجال الاستثمار برأس المال البشرى؟
هناك فرص كبيرة للتعاون بين مصر والبنك الدولى فى مجال الاستثمار فى رأس المال البشرى وبشكل خاص فى قطاعات التعليم والصحة وتمكين المرأة، موضحة أن مصر لم تطلب حتى الآن دعما فى مجال التلقيح ضد الوباء، ولكننا على استعداد لتقديمه فى حالة الطلب، كما ندعم مصر فى مجال الحماية الاجتماعية وتحسين شبكات الأمان الاجتماعى، خاصة فيما يتعلق ببرنامج تكافل وكرامة الذى حققت مصر فيه تقدما كبيرا فى نتائجه، وساعد ما يصل إلى 400 ألف اسرة، مشيرة إلى أهمية التوسع فى برامج الدعم النقدى، وكذلك هناك دعم للموارد البشرية وتحسين حياة السكان من خلال تمويلات فى مجال المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ومنها مشروع تشجيع الابتكار من اجل الشمول المالى بتمويل قيمته 300 مليون دولار، والذى ساعد 174٫5 ألف من رواد الأعمال 42٪ منهم من النساء فى بدء نشاطهم التجارى والصناعى والإنتاج الحيوانى، وتقديم الخدمات، خاصة فى المحافظات الأكثر احتياجا، وهناك تعاون مستمر فى هذا المجال .
هناك دروس مستفادة من أزمة كورونا وتأثيراتها على التنمية البشرية .. ما هى أهمها فى رأيكم؟
أهم الدروس هى ضرورة الأستعداد الجيد للأزمات، و كورونا هى أزمة القرن ولم نمر بمثلها، وكانت تحتاج أن يكون العالم أكثر أستعدادا، ليس فقط على صعيد الجوانب الصحية، ولكن على الأصعدة الأخرى كافة، خاصة المتعلقه بالتنمية البشرية لضمان أستمرار التقدم فى هذا المجال الذى يحتاج إلى وقت وجهد وتمويل كبير حتى يمكن احراز تقدم فيه، ومن الدروس المهمة ضرورة التكاتف الدولى لمواجهة الأزمات والحد من آثارها وكذلك أهمية توافر شبكة بيانات ومعلومات تساعد على اتخاذ القرارات الصحيحة وقت الأزمة، والوصول إلى الفئات المتضررة والأكثر احتياجا، كما أكدت الأزمة أن التكنولوجيا أصبحت ضرورة لاغنى عنها وليست رفاهية، حيث تم اللجوء إليها لأستكمال العملية التعليمية وتقديم بعض الخدمات الصحية عن بعد، وكذلك توصيل المساعدات والتحويلات النقدية للفئات المتضررة، وهو ما يتطلب زيادة الجهود المبذولة فى مجال التحول الرقمى والبنية التحتية الإلكترونية.
-
فابيو جرازى مدير الوكالة الفرنسية للتنمية فى مصر: التنمية المستدامة بالاستثمار فى البشر والاقتصاد الأخضر اهتمام مشترك بين مصر وفرنسا
فابيو جرازي
وفى حوار «الأهرام» مع فابيو جرازى مدير الوكالة الفرنسية للتنمية، أكد أن الاهتمام بالتنمية البشرية والاستثمار فى البشر والحفاظ على البيئة من خلال التوسع فى الاقتصاد الأخضر، هو اهتمام مشترك بين مصر وفرنسا وانعكس فى الحوارات واللقاءات المشتركة بين الرئيسين المصرى عبد الفتاح السيسى والفرنسى ماكرون، مشيرا إلى أن هذا المجال يشكل محورا اساسيا لعمل الوكالة الفرنسية للتنمية ، وفيما يلى نص الحوار:
كيف دعمت الوكالة الفرنسية للتنمية الاستثمار فى رأس المال البشرى من خلال برامجها فى مصر؟
تعكس برامج الوكالة الفرنسية للتنمية اولويات الحكومة المصرية، ويتم تحديدها من خلال المشاورات بين البلدين، ويعتبر مجال التنمية البشرية بعدا أساسيا فى التعاون المشترك فى جميع المشروعات التى يصل إجمالى تمويلاتها إلى أكثر من 2 مليار يورو، منها مشروعات دعم قطاع التعليم وتمويل التوسعات التى تتم فى الجامعة الفرنسية بالقاهرة بقيمه 12 مليون يورو ودعم قطاع الصحة، خاصة خلال جائحة كورونا لتوفير الاحتياجات العاجلة بتمويل قيمته 50 مليون يورو، إلى جانب دعم نظام التأمين الصحى الشامل، كما يستمر التعاون فى المرحلة الحالية «التعافى» من الأزمة من خلال مناقشة مساندة عملية التطعيم ضد الفيروس للحفاظ على حياة السكان ومساندة قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، بما يمكن من زيادة فرص العمل وتحسين حياة الناس، وهو الهدف الأساسى للتنمية البشرية، كما دعمنا عدة مشروعات فى مجال الصرف الصحى ومعالجة المياه والحد من الانبعاثات الضارة، بالإضافة إلى مساندة الجهاز المصرفى للتحول نحو تقديم تمويلات مستدامة وخضراء صديقة للبيئة.
مترو الأنفاق من أهم مشروعات الوكالة فى مصر، فكيف يخدم هذا المشروع التنمية البشرية؟
بالفعل هذا المشروع من أهم مشروعاتنا لما له من أثر تنموى كبير حيث يعزز مشروعات البنية التحتية للنقل وتوفير وسيلة انتقال مريحة وسريعة وذات تكلفة منخفضة لتمكين المصريين من الانتقال والعمل بشكل أفضل، ونعمل خلال الفترة المقبلة على زيادة الجهود فى مجال وسائل النقل والمواصلات وتطوير السكك الحديدية، حيث نعمل بالفعل على مشروع بالتعاون مع الاتحاد الأوروبى لتطوير السكك الحديدية بين طنطا ودمياط، والربط بين مصر والسودان، ونؤمن بان الربط بين السكان بطرق مواصلات سهلة وميسرة أمر مهم للتنمية الاقتصادية والاجتماعية .
ماهى أهم المشروعات الخاصة بتعزيز الحماية الاجتماعية؟
تتعاون الوكالة مع مصر فى تنفيذ برنامج للحماية الاجتماعية يتيح تسهيلا ائتمانيا بقيمة 60 مليون يورو بهدف مساندة الإصلاحات فى مجال التأمين الصحى الشامل، وتحسين كفاءة الإنفاق الاجتماعى عن طريق تعزيز الرقابة على السياسات والبرامج وعملية تقييمها، كما نتعاون مع بعض مؤسسات المجتمع المدنى ومنها مؤسسة ساويرس للتنمية لمساندة قطاع التعليم والتدريب للفئات الاكثر تهميشا وتمكين المرأة وحماية الاطفال الذين يعيشون دون مأوى وذلك من خلال اتفاقية شراكة لمدة 3 سنوات .
ما هى أهم برامج التعاون بين مصر والوكالة الفرنسية خلال الفترة المقبله؟
تستعد الوكالة الفرنسية للتنمية لإطلاق إستراتيجية التعاون مع مصر خلال الفترة من 2021- 2025، حيث من المقرر إطلاقها قبل نهاية العام وتعكس الإستراتيجية الجديدة اولويات الحكومة المصرية، كما تركز الإستراتيجية الجديدة ــ التى تعتبر استمرارا للشراكة بين مصر وفرنسا ــ على تعزيز جهود مصر فى تحقيق التنمية الاقتصادية والبشرية ودعم الاقتصاد الأخضر ومساندة قطاع الطاقة، وبشكل خاص الكهرباء والطاقة الجديدة والطاقة الشمسية، بجانب عدد من المشروعات فى قطاع النقل وتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ويعتبر التمكين الاقتصادى للمرأة والحد من التفاوت بين الجنسين من الموضوعات المهمة التى تركز عليها الوكالة الفرنسية للتنمية فى مشروعاتها خلال المرحلة المقبلة.
رابط دائم: