رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الغضب الفرنسى.. وسيناريوهات الرد على واشنطن

هند السيد هانى
بايدن وموريسون وجونسون لدى الإعلان عن «اوكوس»

 بقدر ما أحدثته صفقة تحالف «أوكوس» من غضب فرنسى، بقدر ما تمثل اختبارا لقدرة فرنسا على تعبئة الاتحاد الأوروبى لصياغة «استراتيجية مستقلة»، ومدى تماسك الرؤية الأوروبية لهذه الاستراتيجية.

وبغض النظر عن مساعي تهدئة حالة «الثورة» فى فرنسا، فالقطار الفرنسى باتجاه «الاستقلال الاستراتيجى» عن حلف شمال الأطلنطي «الناتو»، قد غادر المحطة بالفعل. فمنذ وصول بايدن إلى البيت الأبيض، الذى كان يعول عليه الأوروبيون لإصلاح ما أفسده سلفه دونالد ترامب، والمواقف التى تتجاهل فيها واشنطن المصالح الأوروبية تتوالى، بدءا من النزاعات التجارية التى لم يتم حلها بعد، مرورا بالدعوة إلى التنازل عن براءات اختراع لقاحات كورونا، والالتزام بحد عالمى أدنى من الضريبة على الشركات متعددة الجنسيات، وصولا إلى الانسحاب من أفغانستان، ثم جاءت معاهدة «أوكوس» بين أمريكا وأستراليا وبريطانيا، لتسدد لطمة لفرنسا بإلغاء كانبيرا اتفاقا كان مبرما معها، لتزويد أستراليا بـ12غواصة بقيمة 66مليار دولار، وذلك مقابل صفقة أمريكية ستزود أستراليا بغواصات أفضل تعمل بالطاقة النووية. كانت كلها قرارات طرحتها واشنطن دون مشاورات تذكر مع حلفائها. وربما كان ماكرون ذا نظرة ثاقبة عندما وصف «الناتو» بأنه «ميت دماغيا» عام 2019، وعندما أطلق مبادرة التدخل الأوروبية عام 2017، فى سبيل خلق «ثقافة استراتيجية مشتركة» بين الدول الأوروبية. وتعتمد المبادرة على التنسيق بين الجيوش الأوروبية المنخرطة معا فى الخارج. وقد نجحت المبادرة بالفعل فى جذب 13دولة عضوا بالاتحاد الأوروبى، إضافة إلى النرويج. وتثور تكهنات الآن فى فرنسا حول احتمال انسحاب باريس من هيكل القيادة العسكرية للناتو ردا على «الطعنة» الأمريكية، خاصة وأن جان إيف لودريان وزير الخارجية الفرنسي قد أكد أن ما فعلته واشنطن وكانبيرا سينعكس على الناتو.

وكانت فرنسا قد استعادت عضويتها فى قيادة الحلف عام 2009، إبان عهد الرئيس الفرنسى الأسبق نيكولا ساركوزى، بعد غياب 44 عاما. وفيما يعكس النظرة التاريخية المتشككة لدى الفرنسيين تجاه الناتو، سيعيد الانسحاب المحتمل لباريس من قيادة الحلف ما فعله الرئيس الأسبق شارل ديجول عام  1966 إلى الأذهان. ففى ذلك الوقت، سادت مخاوف لدى ديجول من تنامى النفوذ الأمريكى على الحلف، بشكل من شأنه أن يفقد فرنسا استقلاليتها. فقرر ديجول الانسحاب من قيادة الحلف (مع الاحتفاظ بالعضوية فحسب). وعلى الضفة الأخرى من الأطلنطى، تتخوف أمريكا من هيمنة فرنسا على أية قوة دفاع مشترك أوروبية، قد تستخدمها لإضعاف مكانة الناتو.

ورغم ما شهدته الفترة الماضية، من تصريحات من كبار المسئولين الأوروبيين، حول ضرورة الاستقلال الاستراتيجى عن الولايات المتحدة، إلا أن تعريف فرنسا لهذا «الاستقلال» على أنه «مضاد» لواشنطن يجعلها تقف وحيدة داخل الاتحاد.

ووسط الصمت الأوروبي الرسمي إزاء تحالف «أوكوس»، تكشف مذكرة للمجلس الأوروبى للعلاقات الخارجية عن أن غالبية أعضاء الاتحاد ليسوا مهتمين بما يحدث فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ، رغم تصاعد أهميتها السياسية والاقتصادية.

 كما أن الطريق أمام تشكيل نواة دفاع أوروبى مشترك ليس ممهدا. فغالبية دول شرق أوروبا تميل لصف واشنطن وتشكك فى الجدوى من إنشاء «قوة رد سريع»، حسب المقترح الذى تم تقديمه فى شهر مايو الماضى.

حتى تهديد كليمنت بون، وزير الشئون الأوروبية الفرنسى لأستراليا، بأن ما حدث سيؤثر على مفاوضات التجارة التى تجريها مع الاتحاد، يظل محل شك.

ويبقى أمام ماكرون المسارات الثنائية للرد على واشنطن، فربما تستغل فرنسا العلاقات الاقتصادية الهائلة بين ألمانيا والصين، من أجل صياغة نهج «فرنسى-ألمانى» مستقل عن الولايات المتحدة إزاء بكين. لكن فى هذه الحالة لن تكون الأزمة فى العلاقات الفرنسية الأمريكية من السهل التغلب عليها، كما سبق وحدث إبان حرب العراق عام 2003، وأيضا عام 2013 عندما تراجع الرئيس الأسبق باراك أوباما عن قراره بضرب سوريا بشكل مفاجئ.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق