لآلاف السنين، واجه الأشخاص الذين يعانون من ضعف السمع التهميش والإهمال، نظرا للاعتقاد السائد بأنه لا يمكن تعلم اللغة إلا من خلال سماع الكلمات المنطوقة. لذلك كان ينظر إلى الصم بوصفهم «بشرا غير مكتملين»، وأن إعاقتهم «إعاقة مخزية»، الأمر الذى جعل من المستحيل على هؤلاء الأشخاص التعبيرعن أنفسهم والتواصل بحرية مع الأخرين.
يأتى ذلك فى الوقت الذى زعم فيه الفيلسوف اليونانى القديم أرسطو، بأن الصم هم أشخاص ليس لديهم أى قدرة على التعليم، وأنه يستحيل تماما تعليمهم. وبالرغم من عدم وجود أدلة واقعية على هذه الإدعاءات، فإن نظرية أرسطو استقرت وتم تصديقها على نطاق واسع على مدى 2000 عام فى جميع أنحاء العالم.
وخلال هذه الحقبة من التاريخ، كان يمارس حيالهم بعض الأساليب والممارسات الوحشية، حيث أحيانا كان يتم وضعهم فى براميل يرتد فيها الصوت لإجبارهم على الكلام. فى حين أنه بموجب القانون الرومانى، حرم الأشخاص الذين ولدوا صما، من حيازة ممتلكاتهم بشكل قانونى، بالإضافة إلى حرمانهم غالبا من الجنسية والحقوق الدينية، لأنهم غير قادرين على تعلم القراءة أو الكتابة. كما لم يتمكنوا من الزواج لأن المجتمع كان يخشى أن يكون الصمم سمة وراثية يمكن أن تنتقل إلى الأجيال المقبلة.
بدأ الرد على هذه الادعاءات فى عصر النهضة خلال القرن السادس عشر ميلاديا، حيث بدأ الفلاسفة والمعلمون أخيرا فى التشكيك فى مزاعم أرسطو. ويعد الراهب الإسبانى بونس دى ليون، أول شخص يُنسب إليه الفضل فى إنشاء لغة إشارة رسمية لضعاف السمع، حيث قام بتقليص حروف الأبجدية وتكييف الإيماءات المستخدمة لايجاد طريقة لتعليم الصم كيفية التواصل، مما مهد الطريق للأنظمة المستخدمة الآن فى جميع أنحاء العالم.

بونس دي ليون
وواصل آخرون استكشاف طرق اتصال جديدة وكانت الخطوة الأولى ما سمى بالأبجدية التوضيحية، وهو نظام يدوى تصنع فيه اليد اليمنى أشكالا لتمثيل كل حرف. وتعد هذه الأبجدية مشابهة جدا لأبجدية لغة الإشارة الحديثة، حيث يتعلم الصم ربط كل حرف من الحروف الأبجدية بصوت لفظى.
وفى عام 1755، أنشأ القس الكاثوليكى الفرنسى شارل ميشيل دى ليبى، طريقة أكثر شمولا لتعليم الصم، والتى توجت بتأسيس أول مدرسة عامة للأطفال الصم، والتى كانت تسمى «المعهد الوطنى للصم والبكم» فى باريس. وبالفعل التحق بالمعهد طلاب من جميع أنحاء فرنسا، حاملين لافتات كانوا قد استخدموها للتواصل معها فى المنزل، ثم تم تكييف هذه العلامات وإضافة أبجدية يدوية وقاموس خاص به.
وبحلول عام 1867، بدأت المدارس الكبرى فى أمريكا باستخدام طرق التدريس الشفوية بدون لغة إشارة على الإطلاق. وكان المدافعون عن هذه الطريقة مثل ألكسندر جراهام بيل، مقتنعين بأن التعليم الشفهى هو أفضل وسيلة لتعليم الأطفال الصم. وبالفعل بدأت المدارس فى تعليم الطلاب الصم شفهيا والتركيز بشكل أساسى على قراءة الشفاه وتعلم الكلام. وقد بلغ هذا الصراع المستمر بين التعليم الشفهى واليدوى ذروته فى مؤتمر ميلانو لعام 1880، حيث اجتمع معلمو الصم من سبع دول مختلفة بإيطاليا، لاتخاذ قرارات بشأن مستقبل تعليم الصم، والذى تم فيه ترسيخ الأساليب الشفوية باعتبارها أفضل من اللغة اليدوية للإشارة. الأمر الذى أدى إلى تراجع تعليم لغة الإشارة بشكل كبير، وكان ما يقرب من 80٪ من جميع برامج الصم تستخدم الأساليب الشفوية.
لكن على الرغم من الحظر، استمرت اللغة فى النمو والتطور، حيث تم إنشاء الرابطة الوطنية الأمريكية، والتى عملت كوصى على لغة الإشارة، للتأكد من حماية ثقافة الإشارة والحفاظ عليها للأجيال المقبلة. كما تمت استعادة التعلم بلغة الإشارة بفضل ويليام ستوكو، أستاذ السمع فى جامعة جالوديت الأمريكية، والذى قام بتطوير أول قاموس للغة الإشارة عام 1960، والذى أصبح بمثابة نقطة انطلاق للتغيير الإيجابى على نطاق واسع فى فصول الصم.
رابط دائم: