رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الحكومة اللبنانية الجديدة .. البحث عن ضوء فى نهاية النفق

محمد القزاز
صورة جماعية للحكومة اللبنانية الجديدة

دخل لبنان نفقا شديد العتمة، لا يبدو فى أفقه ضوء أو حتى سراب ضوء، ومع اقتراب الذكرى الثانية للانحدار لهذا النفق، وهو حراك أكتوبر 2019، بات الوقوف فى طوابير هو السمة اليومية لجميع فئات الشعب. فمن طوابير الشابات والشباب المهاجرين ودموع المودعات والمودعين، إلى طوابير المهانة على محطات البنزين معظم ساعات النهار، مرورا بطوابير الخبز والدواء، بينما الطوابير الوحيدة التى اختفت أو تلاشت منذ أكتوبر 2019 هى طوابير المصارف، بعدما ضاعت أموال المودعين، وبات أكثر ما يحصل عليه المُوِدعْ أمواله منذ سنوات، هى بضعة دولارات وبالليرة اللبنانية.

وسط الانهيار التام فى مرافق الدولة ومقومات الحياة فى لبنان، تشكلت الحكومة اللبنانية الجديدة، بعد ثلاثمائة وثمانية وتسعين يوما، إثر استقالة حكومة حسان دياب فى العاشر من أغسطس 2020، بعد ستة أيام على انفجار مرفأ بيروت، وإعلان أسماء حكومة نجيب ميقاتى فى العاشر من سبتمبر الحالي. غير أن طيلة هذه الأيام الطوال، منذ مطالبة الرئيس الفرنسى ماكرون بحكومة إنقاذ من اختصاصيين، وتعاقب على التكليف كل من السفير مصطفى أديب ورئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، لم تأت الحكومة الجديدة كما تمنى المجتمع الدولي، ومن قبله الشعب اللبناني، فتشكلت الحكومة على نفس منوالها القديم، تغيرت الأسماء، وبقيت للمحاصصة والطائفية الأحزاب والزعماء الكلمة العليا، فى فرض سياستهم وأسماء من يريدون.

الحكومة التى تشكلت مؤخرا، تبحث عن ضوء فى نهاية النفق، فبدأ رئيسها نجيب ميقاتى، فى الحديث أولا عن ترميم العلاقات اللبنانية العربية، وعودته إلى الشرعية الدولية وحضن الجامعة العربية، بعيداً عن سياسة المحاور، ومتطلعا إلى «الأخ الأكبر» العربى لمساعدة الحكومة خلال الأزمة الاقتصادية والاجتماعية فى البلاد، ثم تحدث عن العمل بروح الفريق الواحد، من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه. لكن الحكومة بتشكيلها الجديد، لم تتغير فيها الأوزان والنسب الطائفية والمحاصصة السياسية، وبقى الطباخون كما هم، من أجل تقديم وجبة مختلفة عن الوجبات السابقة للحكومات التى تسببت فى الانهيار التام للبلاد، فالصراع الذى كان قائما لتشكيل حكومة اختصاصيين واعتذار مصطفى أديب، بسبب تمسك الثنائى الشيعى بحقيبة المالية، وتبعه اعتذار سعد الحريرى بعد عشرة أشهر من التكليف، بسبب الأسماء وخلافاته العديدة مع رئيس الجمهورية ميشال عون، انتهى لمصلحة برى وحزب الله بتعيين الوزير يوسف خليل المدير السابق بالمصرف المركزى وزيرا للمالية، وذهبت وزارتا الطاقة والخارجية إلى التيار الوطنى الحر بزعامة الوزير الأسبق جبران باسيل، والداخلية من نصيب ميقاتي.

تفاهم ماكرون ورئيسي

الحكومة الجديدة لم تكن لتبصر النور، لولا تفاهم الرئيس الفرنسى ماكرون والرئيس الإيرانى الجديد إبراهيم رئيسي، ومن ثمّ سماح حزب الله ورئيس التيار الوطنى الحر، بالإفراج عن أسماء الوزراء والإعلان عن تشكيل الحكومة، لتبدأ بمهمات انتحارية لإنقاذ لبنان، أهمها وقف الانهيار الاجتماعى والاقتصادى الذى يعانيه البلد، وتأمين الحدود الدنيا من مقومات العيش الأساسية، من خلال توفير المحروقات والكهرباء وتأمين الأدوية، لكن السبيل إلى هذا الإنقاذ من الداخل اللبنانى يكاد يكون معدوما، فخزائن البنك المركزى من الدولارات تفى بالكاد لفترة قصيرة، فيما التعويل على صندوق النقد والبنك الدوليين والمساعدات الخليجية لوقف الانهيار وإعادة الانتعاش فى بعض مرافق الدولة.

الإعلان عن تشكيل الحكومة لم يقابله فرح أو ابتهاج من معظم المواطنين اللبنانيين، وغاب عن مدينة ميقاتى طرابلس، أى مظاهر للاحتفال برئاسة ابنهم أهم منصب فى الدولة اللبنانية، وضجت صفحات التواصل الاجتماعى بالتقليل من دور الحكومة فى الإنقاذ، وهو ما يضع على تلك الحكومة أعباء كبيرة إن هى أرادت وضع بصمة لها فى ظل تشكيلها الجديد.

شكوك فى عدم إجراء الانتخابات

ليس فقط فئات كثيرة من الشعب لا تعول على الحكومة المكلفة بتشكيلها الجديد، بل كثير من الخبراء السياسيين والاقتصاديين، يشاطرون الشعب فى عدم حماستهم من أن تقوم الحكومة بمهمات الإنقاذ المطلوبة، فالسياسى اللبناني، د. توفيق هندي، يرى أنه لولا قرار حزب الله بتشكيل الحكومة وتفاهم ماكرون ما كان لها أن تتشكل، ولكان حال ميقاتى كحال سابقيه أديب والحريري، فالطبقة السياسية بأكملها تحت سطوة هذا الحزب، بمن فيهم برى والحريرى وجنبلاط، فضلا عن حليفه رئيس الجمهورية ميشال عون، فميزان القوى لصالحه، وأن الحكومة الحالية أو السابقة أو حتى السابقة عليها، كان هو المتحكم فيها، وعليه فهناك شكوك كبيرة فى أن تجرى الانتخابات البرلمانية، ومن ثمّ الرئاسية فى مايو المقبل، من خلال إحداث خلل أمنى كما حدث فى خلدة منذ أشهر، يكون حجتهم التأجيل، أو أن يشرعوا فى البحث عن تغيير القانون الانتخابى ويطول الأمد فى النقاش، ومن ثمّ يحدث التمديد للمجلس، كما حدث فى البرلمان السابق، أو يستقيل عون قبل انتهاء المجلس ويأتى وريثه الشرعى رئيس التيار الوطنى الحر رئيسا للجمهورية، كون الحزب والتيار يملكان أغلبية نيابية تستطيع تأمين النصاب القانونى للتصويت له.

الإصلاح سياسى أكثر منه اقتصاديا

ويذهب هندى إلى أن الوضع سوف يذهب إلى الأسوأ، فلبنان يعيش فى غرفة العناية الفائقة، والمطلوب إنعاشه مؤقتا، وأن أقصى ما تفعله هذه الحكومة لوقف التدهور، هو أن ترتقى من قعر جهنم على حد وصف الرئيس إلى طبقة من طبقاتها، إذ إن الأزمة ليست اقتصادية، وإن كان ظاهرها فى كل مناحى الحياة كذلك، بل الأزمة سياسية، ويرى هندى أن الحكومة لن تقوم بشىء سوى المناداة بالإصلاحات، وأقصى ما يقومون به ضخ أموال من صندوق النقد والبنك الدوليين، لتهدئة الحال وليس علاجه.

عقبات فى طريق الإصلاح

لم يختلف كثيرا فى الرؤية التشاؤمية للحكومة اللبنانية، د. إيلى يشوعى الخبير الاقتصاد الدولى والأستاذ السابق بجامعة سيدة اللويزة، إذ إنه فلديه شكوك من تلك الحكومة، بسبب توسع الفقر فى لبنان، وما جاء للبنان منذ أيام من صندوق النقد الدولى وهو مبلغ مليار و130 مليون دولار، هو من أجل تداعيات كوفيد – 19، وحصل لبنان على هذا المبلغ بحسب حصته ونسبته فى الصندوق، حتى الدور العظيم الذى قامت به كل من مصر والأردن من مد الغاز والكهرباء، فلن ينتهى الأمر سريعا بل يحتاج عدة أشهر لإصلاح وترميم الشبكات التى يمر بها الغاز.

وعليه، فإن الحكومة التى تريد إصلاحا حقيقيا، عليها أن تصلح رأس المال الوطنى اللبنانى المدمر من قبل الأحزاب اللبنانية التى حكمت لبنان عبر حكومات متعاقبة منذ العام 1993، فتحت ملفات عديدة، لكن لم تستطع أى حكومة أن تقفل ملفا خدماتيا واحدا منذ هذا التاريخ، ورأس المال الوطنى يتمثل فى الطرق والمواصلات وشبكة الاتصالات وكل البنى التحتية، أنفق عليها عشرات المليارات، من خزائن لبنان، وذهبت هباء.

جنة عدن

إن لبنان على ما يضيف يشوعي، كان أغنى دول الشرق الأوسط بودائعه المصرفية للمقيمين والمغتربين وحتى للسوريين والعراقيين بعدما دمرت بلداهما، حيث وصلت الودائع إلى 120 مليار دولار أمريكي، وهى من أعلى النسب فى العالم، لكنها مع هذه الطبقة السياسية، تحولت إلى أرقام دفترية، تبخرت كل تلك الأموال، لم يبق منها شيء إلا القليل، حفنة من مليارات الدولارات، كان من المفترض أن تتحول الـ 120 مليار دولار إلى نمو اقتصادى وتنمية اجتماعية وإنماء متوازن، هذه المليارات مع ما يملكه لبنان من موارد بشرية، هى الأفضل والأنجح فى العالم، ومع ما يملكه من نفط فى البحر وجبال وسهول وأنهار، ولو تم العمل لمصلحة لبنان، لتحول لبنان إلى جنة عدن.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق