الخسائر البشرية، الاضطرابات الاجتماعية، تدهور العلاقات الخارجية..أسباب عديدة دفعت الولايات المتحدة لوقف حروبها الخارجية. لكن كلها فى كفة وتكاليف الحروب الاقتصادية الباهظة فى كفة أخرى.
وبنظرة للماضى القريب، كشفت الأزمة المالية العالمية فى 2008- 2009 وتداعياتها عددا من نقاط الضعف فى الاقتصاد الأمريكي، وعواقبها على الحياة السياسية والاجتماعية. وتسببت أسوأ مشكلة اقتصادية، منذ الكساد الكبير فى الثلاثينيات، فى حالة من الانقسام وتزايد العنصرية والكراهية، نتيجة لانعكاس الأزمات الاقتصادية على المجتمع الأمريكي. ثم تسببت سياسات الرئيس السابق دونالد ترامب فى تفاقم كل هذا إلى درجة غير عادية. وخلال رئاسة ترامب، تضاءلت مكانة أمريكا الدولية ومصداقيتها بشكل ملحوظ بسبب وضعه للاقتصاد الأمريكى على قمة الأولويات، مما تسبب فى خلل السياسة الأمريكية الخارجية، وما تبعه من جفاء مع الحلفاء التقليديين وابتعاد الولايات المتحدة عن دورها فى قيادة العالم. خلال الأشهر الماضية، أنفقت الولايات المتحدة نحو 6 تريليونات دولار لمواجهة وباء كورونا. وقد يقترب هذا الرقم الأخير بالفعل من نفقات الحروب التى خاضتها أكبر قوة فى العالم خلال القرن الماضي.

الرئيس الأمريكي جو بايدن
وفى المجمل، أنفقت الولايات المتحدة قرابة 6،4 تريليون دولار على الحرب منذ عام 2001 ، وفقا لتقرير لمعهد واتسون للشئون الدولية بجامعة براون الأمريكية. فأثناء حروب أمريكا الخارجية تتحول المصانع من إنتاج السلع الاستهلاكية إلى إنتاج المعدات العسكرية، الأمر الذى يتسبب بدوره فى رفع معدل التضخم والإضرار بالاقتصاد. كما يسهم الإنفاق العسكرى الضخم فى زيادة عجز الموازنة. وبالطبع فإن معظم الأموال التى كانت تنفقها الولايات المتحدة على التسليح كانت تذهب إلى الخارج ولا تضخ داخل الاقتصاد وهو ما يخلق خللاً كبيراً فى ميزان المدفوعات. ناهيك عن التوقعات باستمرار تحمل البلاد للمزيد من التكاليف كعواقب الخروج من هذه الحروب. ومع أن العالم نظر إلى الرئيس جو بايدن باعتباره القائد القادر على إعادة التواصل مجددا مع العالم الخارجي، لكن سرعان ما تبين أن مهمته الرئيسية التركيز على الشئون الداخلية للبلاد والمنافسة الاقتصادية خاصة مع الصين. وكما أكد مرارا فى معظم خطاباته أنه لن يجعل شيئا يتعارض مع الأجندة الاقتصادية الداخلية. وقد نصب بايدن نفسه كبطل للطبقة الوسطى، محذرًا من أن تناقص الفرص الاقتصادية يفاقم الاستقطاب والتطرف فى الحياة الأمريكية. ويسعى حاليا إلى ضخ تريليونات الدولارات على الصناعة والبنية التحتية والبحوث الأمريكية، بحجة أن «الأمن الاقتصادى هو الأمن القومى».
رابط دائم: