رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

وراء كل مشروع قصة كفاح .. «عربات الأغذية» تتحدى البطالة

تحقيق ــ هبة جمال الدين

  • النائب محمد كمال : نسعى لتخفيض رسوم الترخيص إلى 3000 جنيه سنويا تيسيرا على الشباب
  • الشباب: مشروع مربح ويحتاج إلى صبر فى البداية ويفتح أبواب الرزق
  • د. رأفت عباس:القانون يقدم مزايا وحوافز لطالبى الترخيص وإعفاء ضريبى ٣ سنوات

 

أفكار عديدة يلجأ إليها الشباب من أجل فرصة عمل كريمة، ومن خلال تلك الفكرة الجيدة. تتحقق أهداف عديدة تبدأ بالهروب من شبح البطالة، وتنتهى بإثبات الذات، وما بينهما عوائد اقتصادية واجتماعية وحياتية عديدة، ومن بين تلك الصور البراقة للأفكار الجديدة، تقف العربات المتنقلة التى تعمل كوحدات لتقديم الطعام، والتى تشهد إقبالا من الشباب بصورة لافتة للنظر.

اقتربنا من تلك العربات المتنقلة، ونقلنا الصورة الكاملة لتلك الفكرة التى تحولت إلى واقع اقتصادى لا ينكره أحد..شباب يرون أنه مشروع مربح وناجح، ومسئولون يرون أنه يتمتع بمزايا يجهلها كثيرون، وأنه يمكن الاستفادة منه فى التصدى للبطالة وأن تنظيمه يروض الاقتصاد غير الرسمي، وبرلمانيون يتطلعون إلى مزيد من المزايا لأصحاب تلك المشروعات تأخذ بأيديهم نحو التوسع فى تلك العربات المتنقلة وتزويدها بالوقود الذى يمكنها من تحدى البطالة.


بداية، نجد أن هناك الكثير من القوانين التى قد لا يعرف كثيرون عنها شيئا رغم وجود مزايا وحوافز بها تصب فى مصلحة المواطن ، فالقانون رقم 152 لسنة 2018 الخاص بوحدات الطعام المتنقلة يتضمن مزايا لأصحاب هذه العربات بمجرد ترخيصها كثيرة كالإعفاء الضريبى ٣ سنوات، وبرسوم سنوية لا تتجاوز ٥٠٠٠ جنيه ومن المنتظر خفضها إلى ٣٠٠٠ جنيه فى تعديلات مرتقبة فى الدورة البرلمانية القادمة، وغيرها من الحوافز التى لو علمها الشاب لهرول لترخيص نشاطه، كما أن هذا ما تسعى الدولة إليه لخلق فرص عمل متجددة والحد من البطالة، ودمج الاقتصاد غير الرسمي، وتشجيع الشباب على المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر من خلال قانون ١٥٢ لعام ٢٠٢٠.

على جانب آخر، عندما نستمع إلى قصص كفاح الشباب من الجنسين وكذلك الأسر التى تريد تحسين دخلها من خلال مشروع وحدات الطعام المتنقلة نكتشف أنها لا تمتلك أى معلومة عن قانون شرعه البرلمان لمصلحتهم وكل ما لديهم من معلومات هو ما يتعلق بعقبات منها ما يردده البعض عن وجود صعوبة فى الترخيص وضرائب كثيرة ومعلومات أغلبها غير صحيح، لذلك فضلوا عدم السعى للترخيص رغم حالة عدم الاستقرار والترقب الدائم والخوف من ملاحقة الجهات المسئولة ومنها أجهزة المدن أو الأحياء وسحب السيارة فى أى وقت ودفع غرامة كبيرة لاستردادها.

«تحقيقات الأهرام» تجولت فى مدينة 6 أكتوبر تحديدا، حيث تكثر بها مثل تلك الوحدات المتنقلة فكل عدة أمتار تجد سيارة تقدم كل أنواع المشروبات وبعض الأطعمة من السندوتشات المعدة مسبقا ومغلفة، يسمونه «الكافيه المتنقل»، تختلف فى أنواعها وتصميمها الخارجى والألوان المستخدمة فى الطلاء الخارجى لهيكل السيارة، وعلى جانب طريق المحور المركزى التقيت الطالب خالد محمود، بالفرقة الثالثة بكلية التجارة شعبة اللغة الإنجليزية، فقال إنه كان يعمل مندوبا للمبيعات بإحدى شركات اﻷدوية، «ثم قررت البحث عن مجال جديد، فى هذه الأثناء كان لى صديق يريد مشاركتى فى مشروع وبعد تفكير قررنا البدء فى مشروع السيارة المتنقلة أو «الكافيه المتنقل»، ورغم أن توقيت البداية كان مخاطرة كبيرة حيث كانت مع انتشار فيروس كورونا، وكانت الظروف ضبابية أمام الجميع، وبعد ذلك اتفقت أنا وشريكى واشترينا بالفعل السيارة بمبلغ ٨٥ الف جنيه، واستكمل: كانت البداية بعمل القهوة على الرمال الساخنة بواسطة الرمالة بالكهرباء وبعض المشروبات البسيطة بواسطة غلاية كهربائية ،وبما أننا من سكان أكتوبر وقع اختيارنا على مكان مشهور يتجمع فيه الشباب من أصدقائنا، وسارت الأمور على ما يرام، وبدأ الإغلاق الجزئى للإجراءات الاحترازية، وكان هذا فى مصلحتنا لأن إغلاق الكافيهات جعل التعامل بكثرة مع هذه السيارات، وبعد شهور قليلة اشترينا ماكينة الاسبريسو ذات الـ ٣ مخارج من البخار والمياه المغلية والقهوة وبدأنا فى التوسع و إعداد جميع المشروبات الساخنة وكان سعر الماكينة ٢٦ ألف جنيه.

وبسعادة كبيرة يستطرد خالد: «لم أتوقع أنا وشريكى كل هذا النجاح فى هذه الفترة القصيرة، ورغم مضى عامين فقط استطعنا بفضل الله شراء سيارتين متنقلتين تقفان فى أماكن متفرقة بمدينة ٦ أكتوبر أيضا نظرا لأن مساحة المدينة شاسعة وتستوعب أعداداً كبيرة من هذا النوع من النشاط»، مضيفا «هذا المشروع لا يفيد صاحبه فقط بل يساعد على فتح مصدر رزق للشباب من الجنسين فمثلا السيارات الثلاث تقدم خدمة ٢٤ ساعة، ولا أستطيع بمفردى بالطبع مباشرة العمل فلذلك أستعين بأصدقائى للوقوف وقسمت العمل «شيفتات» بمقابل ١٠٠ إلى ١٢٠ جنيها فى اليوم حسب عدد الساعات». وكغيره لم يعلم خالد عن قانون وحدات الطعام المتنقلة شيئا سوى أنه تم سحب سيارته مرة بالجهاز وتغريمه ٤٠٠٠ جنيه لتسلمها، وقال: «حاولت السؤال عن كيفية الترخيص وفوجئت بدفع مبلغ شهرى ٣٠٠٠ جنيه ويتساءل: كيف أتحمل شهريا هذا المبلغ بجانب الرواتب وقيمة الخامات وهو أمر لا يجعل شيئا يتبقى لى كمكسب فى النهاية ؟

البداية بأقل الإمكانات

خلال جولتنا لاحظنا أن هذا المشروع لم يقتصر على الشباب، بل اقتحمته الإناث، وهذا ما فعلته دينا عاطف الطالبة بالفرقة الثانية بكلية السياحة والفنادق التى أكدت أنها من الفتيات الأوليات اللاتى عملن فى هذا المجال بمدينة ٦ أكتوبر ، ورغم أنها من سكان المرج لكن اختارت هذه المدينة لأن أقارب والدها يقيمون بها ويعرفون خريطة المدينة وساعدها شباب العائلة -كما تقول - على اختيار المكان وحث أصدقائهم على الشراء منها ، ووصفت دينا شعورها فى البداية بالخوف من الفكرة خاصة أنها لم تعمل من قبل فى أى مجال وتضيف: «والدى كان يعمل بالخارج وبسبب ظروف كورونا ترك عمله وعاد وعليه ديون كثيرة ومعاناة من أمراض أكثر فقررت تحمل المسئولية معه لأسدد ديونه وأنفق على تعليمى انا واشقائى خاصة أننى أكبرهم سنا، واشتريت سيارة قديمة إنتاج السبعينيات بـ ١٧ ألف جنيه واشتريت ماكينة الاسبريسو بـ ١٦ الف جنيه وخامات للعمل من الشاى والقهوة والكابيتشينو والينسون وغيرها من الأعشاب تقريبا بـ ١٥٠٠ جنيه ومحولا كهربائيا لإنارة السيارة ليلا ذاتيا حتى لا أستعين بكهرباء الشارع .

وتستطرد: «كنت فى الفرقة الأولى واعتذرت العام الماضى عن الجامعة فكنت أعمل من الصباح الباكر حتى وقت متأخر من الليل كى ألتزم بسداد ديون والدى ولكن بإذن الله سأستأنف هذا العام الدراسة بعد استقرار الأمور، وتكمل:»أصبح لى زبائنى يعرفوننى جيدا ويجيئون لى خصيصا بعد أن عانيت فى الشهور الأولى من المشروع من قلة الزبائن ولكن لم أستسلم للإحباط، وتشير إلى أن أكثر زبائنها من الفتيات فقبل ذهابهن إلى الجامعة يترددن عليها لاحتساء مشروباتهن المفضلة التى أصبحت تعرفها جيدا وتعدها بمجرد مجيئهن، وحتى فى العطلات الصيفية، فقد ارتبطت بصداقات كثيرة معهن، ومع أهل المنطقة التى تقف فيها، وتقول دينا: «لدى علاقة طيبة مع بائعى الخضار والفاكهة فى الشارع فهم حمايتى من أى شخص يحاول مضايقتي؛ وتقول ضاحكة إنه تقدم لها أكثر من شاب للزواج ولكنها كانت ترفض فلديها هدف واحد هو الانتهاء من التعليم أولا، وتنصح أى شخص يفكر فى البدء فى هذا المشروع بأن يصبر ولا يصيبه إحباط فى البداية وتطمئنه بأنه مشروع مربح ورأس ماله ليس كبيرا و من الممكن أن تبدأ بأقل الإمكانات، مع الاهتمام بالنظافة الخارجية للسيارة والشكل العام الخارجى لها، واستخدام خامات وأدوات كالأكواب الورقية الجيدة.

فى انتظار الترخيص

محمد فتوح 19 عاما من محافظة المنيا استقبلنا بابتسامة وترحاب كبيرين، وقال «بسبب ضيق الحال هناك بمحافظتى وعدم وجود فرص عمل قررت المجىء إلى القاهرة فى فترة الصيف منذ عدة سنوات وكنت أعمل أثناء دراستى فى المعهد، وبعد تخرجى فى المعهد ولم أترك شيئا إلا وعملت به وبالفعل ادخرت مبلغا نتيجة عملى طيلة السنوات الماضية، وكان أحد هذه الأعمال عملت مع صاحب إحدى وحدات الطعام المتنقلة وكان أجرى اليومى ١٠٠ جنيه، وعندما وجدت أن المشروع مربح فكرت فى شراء سيارة والعمل عليها وبالفعل اقترضت مبلغا من المال على المبلغ الذى ادخرته واشتريت سيارة مستعملة قديمة بـ ٣٠ الف وباقى احتياجات المشروع من ماكينة وخامات بـ ٢٠ الف، وقاربت حاليا على سداد ما اقترضته ،فمتوسط أرباحى شهريا ٥٠٠٠ جنيه، ويلفت الانتباه إلى أنه يعمل منذ السابعة صباحا حتى الثانية بعد منتصف الليل بمفرده ولا يستعين بأحد لتوفير الراتب الذى يدفعه «لأسدد التزاماتي»، ولفت إلى أن فصل الشتاء يكون فيه العمل اكثر من فصل الصيف ويقول: « لا أخشى كثرة السيارات التى تعمل فى هذا النشاط لأنه أولا الأرزاق بيد الله وثانيا: أن كل شخص «يربى زبونه» ويأتى له خصيصا إلى جانب انخفاض أسعار المشروبات فمثلا القهوة بـ ٦ جنيهات والشاى بـ ٦ جنيهات والكثير من الأعشاب بـ ٦ جنيهات، وكلها أسعار مخفضة لمشروبات تتخطى الضعف فى بعض المقاهى ،وينهى كلامه قائلا: «أتمنى الحصول على ترخيص لأننى سمعت أنه يحتاج إلى وقت طويل» وعندما نفيت له هذا الكلام ونصحته بعمل الترخيص، قال: «سأفعل». ليست فقط هذه النماذج من الشباب التى قابلناها بل التقينا آخرين ووراء كل سيارة متنقلة قصة كفاح، فلم يقتصر الأمر على الشباب بل إن هناك أسرا يتناوب كل أفرادها على العمل خلال اليوم ، وربما تكون الحكايات مختلفة لكن هناك عاملًا وحيدًا مشتركًا هو البحث عن مصدر رزق وتحسين الدخل.

أولوية لتشجيع المشروعات

الدكتور رأفت عباس رئيس القطاع المركزى للخدمات غير المالية بجهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، يوضح أن الدولة تولى اهتماما كبيرا لتشجيع هذه المشروعات ودمج مشروعات الاقتصاد غير الرسمى ، ووحدات الطعام المتنقلة أحد هذه المشروعات التى عرفها القانون رقم 152 لسنة ٢٠١٨ بأنها أى عربة أو مركبة أيا كان شكلها قابلة للحركة وتكون معدة لتحضير المأكولات والمشروبات، ويشير إلى أن هذا القانون يتضمن مجموعة من المزايا والحوافز لأصحاب هذا النشاط، ومن ضمن هذه المزايا أن صاحب المشروع يحصل على الترخيص مدة لا تقل عن 3 سنوات قابلة للتجديد، مع الإعفاء الضريبى لـ 3 سنوات، وتكون الرسوم 5000 جنيه سنويا مقابل الترخيص، ويلفت إلى أن هدف الدولة من التيسيرات والحوافز الموجودة فى مواد هذه القوانين هو إدماج القطاع غير الرسمى الذى يمثل ٦٠ % من المشروعات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر.

تعديلات تشريعية

النائب محمد كمال مرعي، رئيس لجنة المشروعات الصغيرة والمتوسطة بالبرلمان، أكد أن المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر تعد إحدى قاطرات الاقتصاد المصري، ومنذ صدور قانون وحدات الطعام المتنقلة رقم 152 ولائحته التنفيذية قبل 3 سنوات تبين بعد قياس اﻷثر التشريعى له أن اكثر المحافظات ليست لديها فكرة عن تطبيق هذا القانون ربما لوجود معوقات كثيرة أمام تطبيقه، لذلك كان لابد من تعديلات تشريعية على بعض مواد هذا القانون، وتذليل العقبات أمام الشباب فى إجراءات استصدار التراخيص، ومن التعديلات التى نسعى إلى أن يشملها القانون تخفيض قيمة رسوم الترخيص السنوية فبدلا من 5000 جنيه تصبح 3000 سنويا تيسيرا على الشباب .

ويوضح أن هناك 3 جهات مخاطبة لتطبيق هذا القانون وهى وحدات التنمية المحلية والمجتمعات العمرانية الجديدة والجمعيات الأهلية، فالأخيرة أكثر تواصلا واتصالا فى كل ربوع مصر ويكون الحصول على الرخصة من خلال هذه الجمعيات طبقا لضوابط معينة حددها القانون وهى ٣ سنوات لهذه الجمعيات أما الجهات الأخرى فالقانون ممتد، ويلفت النظر إلى أن هذا القانون يتميز بوجود حزمة من الحوافز والمميزات، ومن ضمن التعديلات فى القانون ١٥٢ لسنة ٢٠٢٠ الخاص بالمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر إضافة جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر بإصدار تراخيص لوحدات الطعام المتنقلة والاستفادة من مميزات هذا القانون، ويضيف: «الجهاز سيمنح الترخيص مع مراعاة الأماكن المتاحة التى تحددها وحدات الإدارة المحلية، .

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق