بعد عقدين من إعلان الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش الابن الحرب على الإرهاب، وما أعقب ذلك من حروب أمريكا بالعراق وأفغانستان، هل نجحت واشنطن فعلا فى القضاء على الإرهاب؟ الإجابة: لا، بل فتحت على نفسها أبواب جهنم باحتضانها وتغذيتها طيلة تلك الفترة مشاعر العداء والكراهية ضد الأجانب، لتصبح من الآن فصاعدا تحت رحمة وحش «الإرهاب الأبيض»، الذى قرر أخيرا الخروج من قمقمه للتعبير عن أيديولوجيته، وفرضها على المجتمع الأمريكى بالقوة.
مشاهد اقتحام الكونجرس المروعة التى ظهرت علنا للجميع فى يناير الماضى خير دليل على ذلك، إذ قرر المتطرفون البيض والمؤمنون بنظرية تفوق الجنس الأبيض الانتفاضة لصالح نصيرهم الأعظم دونالد ترامب، لقلب نتائج الانتخابات الأمريكية لصالحه، ضاربين بعرض الحائط أصوات الناخبين، ومشككين فى اللعبة الديمقراطية برمتها. الخطر عبر عنه الرئيس الأمريكى جو بايدن صراحة، خلافا لكل سابقيه، عندما أكد أن « الإرهاب الأبيض يمثل التهديد الأكثر فتكا للأمريكيين» . كما حذر تقرير لوزارة الأمن الداخلى الأمريكية، حول التهديدات التى تعترى البلاد، من أن « تطرف البيض هو التهديد الأكثر استمرارية وتدميرا لتلك الأمة». ليست مبالغات، فكل الأرقام الرسمية تشير إلى أن جرائم اليمين المتطرف داخل أمريكا أسقطت قتلى ومصابين أكثر من أى هجمات إرهابية أخري. فعلى سبيل المثال ، كان الإرهاب الأبيض مسئولا عن 16 من أصل 17 جريمة قتل دوافعها التطرف فى الولايات المتحدة عام 2020. كما يعد اليمين المتطرف مسئولا بشكل عام عن 73% من إجمالى جرائم القتل فى أمريكا فى الفترة ما بين 2009 و2018. ومع ذلك كان مكتب التحقيقات الفيدرالى الأمريكى « إف بى آي» يخصص 80% من عملائه للتصدى للإرهاب الخارجي، مقابل 20% فقط لإرهاب الداخل، فيما تركزت معظم التشريعات الحديثة على منح سلطات تنفيذ القانون سلطات أوسع لمراقبة وتعقب الأمريكيين المسلمين ومن حولهم أو يخالطهم، حتى وإن لم يكن لهؤلاء سجل جنائي.
السبب وراء ذلك عزاه المحللون السياسيون لما أسموه بـ «صدمة 11 سبتمبر» ، موضحين أن خطر الإرهاب الأبيض والتطرف باسم الدين كان مرتفعا فى البلاد بالفعل قبل ذلك الحين، لكن منذ الهجوم على برجى التجارة العالميين تركزت كل الجهود الاستخباراتية والحكومية على التصدى لإرهاب الخارج، فيما أخذ خطر الإرهاب الأبيض فى التصاعد، دون أن يلتفت أحد لجرائمه، التى كان ينظر إليها على أنها «جرائم كراهية» وليس إرهابا.
لا شك أن تلك الكراهية استفحلت فى عهد ترامب، الذى كان يرفض صراحة إدانة تلك النوعية من الجرائم، بل ويغذيها، حتى وصل المشهد بأمريكا اليوم لـ «غزوة الكابيتول». المخيف أن ذلك التوجه لم يختف ولم يرحل برحيل ترامب، بل لايزال الكثير من الجمهوريين يتبنون الفكر ذاته ويدافعون عنه، مثل أوجوست مو بروكس سيناتور ولاية ألاباما، الذى دافع عن مؤيد للرئيس السابق كان بحوزته قنبلة خلال واقعة الكابيتول، مؤكدا أنه «يتفهم غضب المواطنين».
وتعليقا على ذلك، يقول بى دبليو سينجر الذى عمل كمستشار سابق للمخابرات الأمريكية و«بى آي» إن «ما كان يوما تطرفا غير مقبول، أصبح الآن جزءا من سياستنا وإعلامنا»، محذرا من أن «قوة اليمين المتطرف على الأرض، وما اكتسبته من زخم فى عهد ترامب يشير إلى أن الجمهوريين هم القادمون لا محالة». فهل ستتجرأ أمريكا على إعلان الحرب صراحة على الإرهاب الأبيض، أم ستواصل سياسة «دفن الرأس فى الرمال»؟
رابط دائم: