رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

يخطئ الكتابة بالروسية ولم يتقن أى لغة أجنبية..
"المجهول" فى عالم مكسيم جوركى

موسكو ــ د. سامى عمارة

 نعرفه وتعرفه البشرية بأسرها، تحت اسم مكسيم جوركى. لكن الواقع يقول إنه ليس مكسيم، وليس جوركي. فمن يكون ذلك الأديب الذى كثيرا ما حير الداخل والخارج، بما يتمتع به من قدرات على الجمع بين الاضداد، سياسية كانت او أدبية، او إنسانية؟ ناهيك عما تمتع به من موهبة أدبية يحار المرء امام أبعادها، وهو الذى لم يجمع من العلم والعلوم إلا قليلا، اكتنزها بعيدا عن مقاعد الدراسة والمدرسة، التى لم يكن له حظ أو سبيل لارتيادها، ومع ذلك فقد جمع من المعرفة ما كان كافيا لترشيحه للحصول على «جائزة نوبل للآداب»، بل ولعضوية أكاديمية العلوم الروسية.


فلاديمير لينين (على اليمين) يلعب الشطرنج مع ألكسندر بوجدانوف (على اليسار) ويتوسطهما مكسيم جوركى فى

اسمه الحقيقى ألكسى، اما اللقب فهو بيشكوف. فلماذا اذن كان ذلك التغيير؟ يقول معاصروه انه عاش منذ أولى سنوات طفولته حياة فقيرة قاسية، بعد وفاة والده ولم يكن تجاوز الخامسة من العمر. قالوا انه مات متأثرا بإصابته بالكوليرا التى نقلها إليه صغيره ألكسى، ما كان سببا فى كراهية أمه له منذ الصغر، قبل ان تتركه لتتزوج من آخر. وكان قد اختار «مكسيم» عن ابيه الذى كان يحمل نفس الاسم. أما «جوركى» وتعنى بالروسية «المُرْ»، فقد اختاره «لقبا»، كناية عما صادفه من مرارة وحرمان فى حياته التى كانت تجسيدا لكل ذلك.

ولد عام 1868 فى «نيجنى نوفجورود» شرقى العاصمة موسكو. تربى بعد وفاة والده، فى كنف جد قاس صارم، عوضته جدته الحنون التى زرعت فيه منذ الصغر حب الأدب، بما كانت تقص عليه كل مساء من حكايات واساطير شعبية. تَقَلًب بين اطوار الحياة منذ الصغر. كانت له محاولة انتحار فاشلة ولم يكن عمره تجاوز التاسعة عشرة. وما أن استعاد توازنه، حتى جال وتجول سيرا على الاقدام بأرجاء روسيا لتزيد خبراته، وتتراكم معارفه. ولم يمض من الزمن الكثير حتى ذاعت شهرته الأدبية لتحمل إليه ما كان يستحق من قدر ومكانة، تحت اسم «مكسيم جوركى».

حددت ثورة أكتوبر البلشفية الاشتراكية عام 1917 الكثير من توجهاته، وهو الذى شاطرها افكارها منذ مطلع القرن العشرين، وان عاد ليختلف ويتفق مع قياداتها، بل ويرفض الانضمام لحزبها الشيوعى الحاكم، وان قبل عرض زعيمها فلاديمير لينين برئاسة اتحاد الكتاب. حقق الكثير من الشهرة المحلية والعالمية، وهو الذى جال الكثير من الأقطار الأوروبية القريبة على مدى ما يقرب من 18 عاما، منها 15 فى إيطاليا وحدها، وذلك رغما عن انه لم يكن يتقن لغة اجنبية واحدة.

وفى جزيرة كابرى قضى جوركى مع الكثير من رفاق الفكر وأبناء الوطن معظم الأوقات، وهى الجزيرة الواقعة على مقربة من نابولى التى سبق أن ارتادها المشاهير، من امثال لينين زعيم ثورة أكتوبر وعدد من مشاهير الفن والأدب. بدت الجزيرة اشبه بالمنفى الاختيارى بعد خلافات مع رفاقه البلاشفة من جانب، واختلافات مع النظام القيصرى الحاكم من جانب آخر.

وكانت اعمال جوركى قد لقيت الكثير من الاصداء الايجابية التى ارتقت به لمصاف رواد الادب، ممن رفعوا فى وقت لاحق شعار «الواقعية الاشتراكية». ومن اللافت فى هذا الشأن ان مكسيم جوركى ذلك الأديب العصامى كان علم نفسه بنفسه، ليكتب الكثير من أفضل ابداعاته التى بلغ عدد ما جرت طباعته منها ما يزيد على 242 مليون نسخة على مدى سبعين عاما، ليشغل المرتبة الأولى مع تولستوى وألكسندر بوشكين، بقائمة الأدباء الأكثر طباعة وتوزيعا، ومع ذلك فقد كان يخطئ الكتابة باللغة الروسية. هذا ناهيك عما كتبه عنه الكثيرون من معاصريه، ومنهم ماريا تشيخوفا، شقيقة «أمير القصة القصيرة»، أنطون تشيخوف، وكورنى تشوكوفسكى أحد أبرز نقاد وشعراء ذلك الزمان.  

فى كتابه الذى صدر فى سلسلة «روائع الادب الكلاسيكي» تحت عنوان «ذكرياتى»، كتب كورنى تشوكوفسكى «انه التقى لأول مرة مكسيم جوركى، فى شتاء عام 1915»، أى قبل تاريخ اندلاع ثورة أكتوبر الاشتراكية: «بعد ان تعرفت عليه واقتربت منه فى وقت لاحق خلصت إلى قدراته على الجمع بين الاضداد». ومضى تشوكوفسكى فى ذكرياته عن جوركي، ليعيد إلى الاذهان ما سبق وأودعه كتابه سالف الذكر، حول تقديراته للكاتب الروسى ذائع الصيت ليف تولستوى. قال: ظللت طويلا عاجزا عن التعود على ما يطرأ على شخصية ومفردات جوركى من تغيرات وانقلابات ومختلف الأضداد. واذكر اننى حضرت ذات يوم احدى محاضراته. كان جوركى ينتقد ليف تولستوي، مستعرضا الكثير من اخطائه، بما بدا معه انه لن يستطيع ان يغفر له أيا منها. لكنه سرعان ما تحول الى النقيض، حين عاد ليتحدث عنه، معبرا عن أعمق مشاعر الحب والاعجاب. وما ان بلغ فى حكايته تلك اللحظة التى كان عليه فيها ان يعلن خبر وفاة تولستوى، حتى تهدلت شفتاه وسال انفه واكفهر وجهه ولم يعد قادرا على ان ينطق بالكلمتين «مات تولستوى»!

ومن اللافت فى سيرة حياة مكسيم جوركى وبعيدا عن ابداعاته الأدبية ذائعة الصيت، ما كانت تتسم به علاقاته مع نظرائه من نجوم الأدب الروسى، من تناقضات، وخاصة مع أنطون تشيخوف الذى تعرف به واقام فى ضيافته كثيرا من الوقت، وفى هذا الصدد كتبت ماريا تشيخوفا فى ذكرياتها التى نشرتها بكتاب تحت عنوان «من الماضى البعيد» تقول: كان أنطون بافلوفيتتش يحب جوركى كثيرا، بل ويعتبره خليفته فى الأدب. ودليلا على تأكيد ما يعتقد وما يقول، أهدى إليه ساعة يد قيٍمة. ومع ذلك فقد غضب منه واستاء منه بشدة، عندما قام جوركى بزيارته فى يالطا ذات مرة برفقة مجموعة من الأدباء والشعراء من «صغار القدر والقيمة»، وهو ما اشتكى منه تشيخوف لشقيقته.  

ولعل ما قالته ماريا تشيخوفا حول السلوك غير الحصيف من جانب جوركى، يمكن أن يجد تفسيرا له فيما قالته فى موضع آخر من «ذكرياتها»، التى كشفت فيها عن ان ما تردد حول أن «صداقة تتسم بالرقة والحميمية كانت تجمع بين تشيخوف وجوركى، هو ما يمكن ان يصيبها ببعض الدهشة. فهما، وحسب اعتقادها، ينتميان إلى «تركيبتين» مختلفتين. فالأول (تشيخوف) مفكر رفيع الثقافة حتى النخاع، رقيق، ساخر، اما الثانى (جوركى) فهو اشبه بـ «طائر النورس»، الأقرب الى البرق الأسود»، بسيط، مزاجى الطباع وحازم التصرفات. ومع ذلك، فقد كانوا أصدقاء». وللقصة فصول أخرى.


رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق