رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

بعد أن ألقى البعض آباءهم وأبناءهم بالشارع..الدمج فى مواجهة الجحود

تحقيق ــ نيرمين قطب

  • يوسف وإخوته فروا من عنف الأم ..والحاجة سميرة ألقتها الابنة فى الشارع بعد مرضها
  • مدير مجمع أطفال وكبار بلا مأوى: «تجربة الدمج حققت نتائج إيجابية على المستوى النفسى والصحى للأطفال والكبار»
  • رئيس مجلس إدارة الجمعية: «جحود الأبناء والآباء ظاهرة تحتاج دراسات اجتماعية ووزارة التضامن تدعم التجربة»

 

خمسون عاما قضاها عم محمد الشهير بـ «المراكبى» فى شوارع محافظة الشرقية، ما بين طفل مشاغب هارب من منزل والديه مرورا بمراهق تم إيداعه «بالإصلاحية»، ثم شابا متمردا على أسرته، فكهل يفترش الرصيف يهذى بكلمات غير مرتبة تختلط فيها الأحداث والتواريخ ...كان عم محمد يجلس اسفل احد كبارى مدينة الزقازيق يجد قوت يومه من المحسنين ويمتهن صنع نماذج المراكب من علب الصفيح .. لا يتذكر عم محمد من علمه هذه «الصنعة» لكنه يجيدها ويبدع فى تنفيذها ...ولان الشارع لا يرحم فقد تعرض لحادث أقعده، فبات عاجزا عن الحركة بشكل سليم وهنا تطوع البعض بتصويره ونشر حالته على وسائل التواصل الإجتماعى فتلقاها فريق بسمة للإيواء ليبدأ عم محمد رحلة قصيرة من الاستقرار والرعاية داخل دار الأمل للكبار بلا مأوى.


الأجداد يشاركون الأحفاد ألعابهم

التقيت عم محمد فى الركن المخصص له على مسرح الدار وكان أشبه بورشة صغيرة تضم مراكبه التى يصنعها بمختلف الاحجام وتزينها المصابيح الصغيرة متعددة الألوان قال لى انه سعيد بالتواجد فى الدار فالطعام جيد والنوم مريح والدار توفر له الأدوات التى يحتاجها لصنع المراكب ولكنه ينتظر إجراء جراحة لمفصل الحوض حتى يعود لحركته الطبيعية.

بالقرب من «ورشة» عم محمد وقف يوسف صاحب العشر سنوات يراقب فى صمت يتطلع «للسفن الصفيح» وربما يساعد قليلا فى توصيل سلك ما أو البحث عن أداة هنا أو هناك لعم محمد.

ليوسف قصة أخرى مع الشارع ولكن أولا ما الذى جمعه مع عم محمد المراكبى فى مكان واحد؟

الإجابة تحملها تفاصيل تجربة فريدة تجريها وزارة التضامن الاجتماعى لدمج كبار السن والأطفال الذين فقدوا الرعاية وأصبحوا بلا مأوى لتجمعهم فى مقر واحد بهدف تحقيق قدر من الاستقرار النفسى والعاطفى لدى كليهما وخلق جو أسرى افتقدوه جميعا.


كانت بداية الاطلاع على التجربة بزيارة أجرتها «تحقيقات الأهرام» لمقر الجمعية بمحافظة الشرقية وبالرغم من سهولة الوصول إليه إلا أننا صادفنا العديد من سكان مدينة الزقازيق يطلقون عليه اسم «الإصلاحية» فظننا لوهلة أننا لا نسير فى الاتجاه الصحيح ولكن بمجرد الوصول عرفنا سبب التسمية من محمد السيد، مدير مجمع رعاية أطفال وكبار بلا مأوى بالشرقية، فمقر المجمع يضم دار الأمل لرعاية كبار بلا مأوى ودار التربية للبنين وكل منهما يمثل مشروعا حكوميا مسندا لجمعية أهلية، وهى جمعية بسمة الخيرية للإيواء، وجمعية الدفاع الاجتماعى، و»مسند» تعنى أنه مشروع حكومى توفر له الدولة البنية التحتية والتمويل بينما تٌسند إدارته إلى جمعية أهلية. وقد أٌنشئت دار البنين عام ١٩٦٣ وكان يطلق عليها الإصلاحية، وبعد التطوير فى سلسلة الحماية، وتغيير الكثير من المفاهيم أصبح المسمى «دار رعاية اجتماعية»، فالأطفال هنا فاقدو رعاية، أو أطفال فى خطر وهى دار إيداع وليست مقرا للأطفال الصادر بحقهم تدابير سالبة للحرية. وهى أشبه بالأسرة البديلة، حيث يقدم لهم دعما نفسيا واجتماعيا من خلال مجموعة من البرامج والأنشطة. وتضم الدار مدرسة مجتمعية يلتحق بها الطفل حتى يصل لمرحلة تسمح بالتسوية فى المدارس الحكومية أو يتجه للتعليم الفنى فى ورش النجارة واللحام وأقسام الكهرباء المتواجدة داخل الدار ويقول مدير الدار :» تطورت قدرات بعض الأبناء خلال الموجة الأولى لكورونا وصمموا من خلال الأدوات المتاحة لهم كابينة تعقيم ذاتية وتم تنفيذ التجربة بالتعاون مع وزارة التضامن ونفذنا بالفعل عدة نماذج داخل بعض الهيئات فى الشرقية».


أما دار الأمل للكبار بلا مأوى فكانت امتدادا لنشاط جمعية بسمة الذى بدأ بمقرات بسيطة وتطور ليضم دار الأمل ودار كفر الزقازيق رجال والتى تهدف لتوفير الرعاية النفسية والاجتماعية لكبار السن الموجودين بالشارع منذ سنوات.

وأضاف: «أغلب الأطفال هنا ضحايا الظروف الاجتماعية القاسية والتفكك الأسرى وغرس المفاهيم الخاطئة فمثلا لدينا ابن مر على وجوده معنا خمس سنوات جاء نتيجة احترافه للسرقة مع والده، بعدما أقنعه الأب أن هذا عمل وأنه يساعده، وفى ظل غياب الأم المسجونة أيضا فى قضية أخرى، أصبح الطفل فى ظروف شديدة القسوة وتضاربت لديه المفاهيم السوية، وعلى الصعيد الأخر لدينا شيوخ وسيدات تركهم ابنائهم واخواتهم للشارع واغلبهم أصحاب أمراض مزمنة وأمراض نفسية».

من هنا وجد اعضاء مجلس ادارة جمعية الدفاع الاجتماعى وجمعية بسمة المساحة المشتركة التى يمكن من خلالها تعويض هاتين الفئتين عن هذا الحرمان النفسى والعاطفى الذى تعرضوا له وجاءت فكرة التواجد بمقر واحد ولكن فى مبان منفصلة وتم إنشاء مجمع أطفال وكبار بلا مأوى فى فبراير ٢٠٢٠».

بدأت رحلة الدمج بتحديد ٨ حالات من الكبار والأطفال وسٌمح لهم بالصلاة فى المسجد ولاحظ فريق العمل وجود تعاطف وتقارب بين الحالات وجاءت المرحلة الثانية من خلال الدمج فى البرامج والأنشطة حيث يتم جمع الأطفال والكبار فى حديقة الدار والملعب لإجراء انشطة مشتركة مثل الرسم والتلوين والمباريات الرياضية فى ظل تواجد دائما للمشرفين.


اجداد واحفاد

انتقلنا إلى حديقة الدار لنرى تجربة الدمج على أرض الواقع، كان الهدوء هو السمة الأساسية لهذه المجموعة المتباينة فى الأعمار ولكنها كانت أشبه بأجداد يشاركون احفادهم اللعب، فعلى طاولة صغيرة تضم طفلين دون العاشرة، وسيدة ستينية، ورجلا خمسينيا جلسوا جميعا يتبادلون اقلام التلوين وكراسات الرسم اقتربت منهم فتحدث معى رفعت عباس، 52 سنة، الذى جاء إلى الدار منذ ثمانية أشهر بعد أن قضى سنوات من النوم فى شوارع مدينة الزقازيق، يتذكر رفعت جيدا كيف وجد نفسه فى الشارع بعد أن كان فرانا يجيد مهنته. فقد بدأت قصته بوفاة والديه فباع الأشقاء المنزل وتقاسموا التركة البسيطة التى لم تكن لتوفر له منزلا بديلا، فأقام فى غرفة متواضعة فوق اسطح احد المنازل، صحيح أنها كانت تبتلع معظم أجرته من العمل بالفرن ولكنها فى النهاية مكان يأوى إليه. ولكن المصائب لا تأتى فرادى فبدون مقدمات اصبح الإعياء وفقدان الوعى صديقين ملازمين له وعندما ذهب للطبيب اخبره انه مريض بالسكر منذ أكثر من عام ومع تكرار نوبات الإعياء طالبه صاحب الفرن بالرحيل ففقد عمله، وعندها طالبه صاحب الغرفه بالرحيل ايضا. وفى يوم وليلة وجد نفسه فى الشارع لا يملك إلا سؤال الناس ليجمع يوميا ٧٠ جنية تكفى للمبيت فى «لوكندا» أما الطعام فكان يأتى من المحسنين من أصحاب المحلات وقال: «كان النوم على الرصيف هو الحل الوحيد فى اليوم الذى لا احصل فيه على هذا المبلغ حتى عطف على صاحب حلوانى مشهور بالمدينة وقدم لى بطانيه وقال لى بعد الساعة 12 أنام أمام المحل وعلى قدوم الشتاء سوف يتصرف وعرف قصتى صاحب محل سجاد وقال انه سيبلغ دار بسمة عن حالتى وفعلا جاءوا إلى».

يشعر رفعت بالسعادة والاستقرار فهنا وجد أسرة بديلة حتى أن ابسط الانشطة المشتركة مع زملائه مثل مشاهدة التلفاز «وشرب الشاى» تمثل له أهمية كبيرة ويقول:» وقت النشاط مع الأطفال بعلمهم دومينو واحكى لهم قصص الأنبياء

وانصحهم لما يخرجوا لازم يشتغلوا ويحبوا الشغل ويكون أمناء فيه ويتعاملوا باحترام»

على المنضدة المجاورة جلس المستشار إيهاب جودة رئيس مجلس إدارة مجمع الخدمات للأطفال والكبار بلا مأوى بجوار مؤمن ٨ سنوات الذى يبنى «بالمكعبات» مسجدا وتساعده فى تنسيق الألوان والأحجام سيدة ستينية وبجوارهم مصطفى ١٠ سنوات الذى جاء من العاشر من رمضان هربا من أبيه وزوجته فقد اعتادا تعذيبه كيا بالنار فاختار الهرب، أما السيدة الستينية فقد أخذت تشكو إلى رئيس مجلس إدارة المجمع من أبنائها فهى ترغب فى رؤيتهم ولا تعرف لهم طريق، بكلمات طيبة طمأنها حتى عادت لبناء المسجد مع الأطفال، ثم أوضح لى أن أغلب الكبار بلا مأوى يعانون من حالات نفسية ولم يستدل على أسرهم والكثير ممن يستدل عليه ترفض أسرته استلامه ويرى أن ظاهرة جحود الأبناء تحتاج دراسات اجتماعية جادة كونها غريبة على مجتمعنا الذى اعتاد التكاتف بين الغرباء فما بال الآباء والأبناء وقال:» لدينا حالة تظن أن ابن شقيقها هو الذى يأتى لها يوميا بالطعام بالرغم من أن شقيقها هو من ألقاها فى الشارع وأخرى يأتى الأبن لزيارتها فقط ولا يوافق على استلامها وكان من الحالات الغريبة أيضا شاب استلم عمته فقط ليحصل على كارت المعاش الخاص بها وبعد القبض تركها مرة أخرى أمام الدار وأمام هذه المشاعر القاسية نحاول فى الدار أن نعيد تأهيل هذه الحالات وبخاصة التى عاشت فى الشارع عشرات السنين ليتصالحوا مع أنفسهم».

وعن إيرادات الجمعية قال : « لدينا إيرادات من اهل الخير والتبرعات من الدعم السنوى من وزارة التضامن بمليون ونصف ويدعم برنامج الاطفال والكبار بلا مأوى الجهاز الوظيفى بـ62 وظيفة ب2 مليون ونصف فى السنة بما يصل إلى إجمالى 4 ملايين جنيه من الوزارة وقد صرحت وزيرة التضامن للجمعية بجمع المال عن طريق الرسائل وخدمات المحمول ونطالب دائما أهل الخير والمتطوعين بالمشاركة الفعالة وزيارة نزلاء المجمع».


أسرة بديلة

التقيت حازم الملاح، المسئول الإعلامى عن برنامح كبار وأطفال بلا مأوى، بوزارة التضامن الاجتماعى الذى أوضح أن الهدف الرئيسى لهذه التجربة الجديدة هو غرس الجو الأسرى بين فاقدى الرعاية من الأطفال والكبار، والآن بعد مرور أكثر من عام على تنفيذها يتم دراسة التجربة لتقييمها والنظر إلى أى مدى حققت الأهداف المرجوة منها لتطبيقها فى اماكن اخرى تصلح فيها فكرة الدمج

أما البرنامج فيعمل فى 21 مؤسسة ودور رعاية فى 13 محافظة كانوا الأعلى فى نسب الأطفال وكبار بلا مأوى بحسب مسح أجرته الوزارة عام 2014، وهى «القاهرة، الجيزة، بنى سويف، المنيا، أسيوط، القليوبية، الشرقية، المنوفية، الغربية، الفيوم، الإسكندرية، والسويس، وبورسعيد» ويعمل البرنامج على تأهيل الأطفال وإعادة دمجهم ما بين دور الرعاية وأسرهم.

وبحسب الملاح، فقد تعامل البرنامج حتى الآن مع 5705 من الأطفال بلا مأوى، و8778 من حالات عمالة الأطفال، و2134 طفلا تواجدوا مع أسرهم فى الشارع مشيرا الى أن إجمالى الحالات التى تم التعامل معها طبقا لقاعدة البيانات وصل إلى 16617 وأكد أنه لأول مرة تم انشاء قاعدة بيانات معتمدة فى الوزارة تحتوى على بيانات للأطفال، كما تم استحداث كاميرات مراقبة فى المؤسسات، علاوة على وجود أنظمة تتبع فى الوحدات المتنقلة وكاميرات لمتابعة سير العمل.

وتعمل الوزارة على دمج الأطفال فى المجتمع من خلال تأهيلهم بالبرامج والأنشطة، حتى يكونوا مستعدين للخروج إلى المجتمع بمساعدة الوزارة.


سوشيال ميديا

استكملنا جولتنا داخل الدار التى تضم حديقة وملعب ومسرح وعرفنا أن معظم الحالات تأتى من خلال بلاغات «السوشيال ميديا» حيث يرصد المواطن الحالة ويحدد مكان تواجدها ويبلغ فريق بسمة عن طريق صفحته على فيسبوك فينتقل الفريق للعمل على الأرض ويقنع الحالة بالانتقال لمقر الجمعية وبعض الحالات ترفض وفى الغالب يكونوا أفراد تمتهن التسول.

أما عملية الإقناع فتحتاج إلى قدرات خاصة أهمها كما اوضحت لنا سعيدة حسن محمد المسئول الإعلامى لفريق بسمة للإيواء وعضو فريق التدخل السريع هى «طولة البال» فقد تحتاج بعض الحالات لعدة زيارات حتى تقتنع بترك الشارع.

انضمت سعيدة إلى الجمعية كمتطوعة منذ نحو ٣ سنوات وارتبطت بنزلائها وحالتهم الانسانية وبخاصة عندما بدأت النزول إلى الشارع لجلب الحالات وتقول:» وسائل التواصل الاجتماعى كانت الأداة الفعالة بالنسبة لنا فمن خلال رصد المواطنين للحالات وإبلاغنا بها تكون اولى خطوات التحرك نحو إنقاذ الحالة حيث ينتقل الفريق الذى يضم التمريض واخصائى اجتماعى وآخر نفسى لبحث الحالة واقناعها بالقدوم إلى الدار».

وفى الدار تسلم الحالة إلى مشرفين لمتابعة الحالة الصحية والنظافة العامة ثم تبدأ الجلسات الفردية مع الإخصائى النفسى والاجتماعى وإذا حصلنا على أى معلومة مثل الاسم بالكامل أو منطقة السكن يعاد نشر صورة الحالة قبل وبعد العثور عليها مع البيانات الجديدة التى توصلوا لها على أمل أن يتعرف عليها أحد».


أبناء ولكن ..

تتعجب سعيدة من قسوة الأبناء فقد رأت بأعينها الكثير منهم يرفض استلام أهله تتذكر بمرارة حالة عم إبراهيم الذى تركه ابناؤه فى الشارع بعد ان قسم عليهم أملاكه ورفضوا استلامه وتقول:» عندما جاءت احدى بناته لزيارته سألتها هل كان والدك بهذا السوء لتتركوه فى هذه السن؟ فقالت أبدا «ماكنش بيحرمنا من حاجة» وزوجى هو من يرفض استضافته بالمنزل».

وتقول سعيدة» عندما اشتد المرض على عم ابراهيم وهو على فراش الموت كان يدعوا لأبنائه ويردد دائما انا مسامح ولادى علشان مش هيعرفوا يردوا على ربنا اما يقفوا قدامه».

أثناء حديثى مع سعيدة أشارت لى سيدة طاعنة فى السن تبدو لى وكأنها تجاوزت الثمانين من العمر تجلس على كرسيها المتحرك وتتحدث بصعوبة بالغة فهمت بعد وهلة انها تسأل عن ابنتها سعاد وتطالبنى بالبحث عنها سألت عن قصتها وعرفت ان الحاجة سميرة جاءت إلى الدار منذ عام ونصف وكانت تنام فى شوارع ميت غمر بعد أن طردتها ابنتها التى كانت تستغلها فى أعمال التسول وعندما مرضت تركتها فى الشارع وكانت الحاجة سميرة فى حالة إعياء شديدة عند قدومها للدار تطلبت دخولها للعناية المركزة لمدة أسبوع.

تقول سعيدة: «عندما نشرنا صورة الحاجة سميرة تعرف عليها بعض أهالى ميت غمر وتواصلوا مع ابنتها ورفضت القدوم لإستلامها وتوصلت معها شخصيا وطلبتها بالقدوم فقط لزيارة والدتها وليس لاستلامها فهى تتحدث عنها طوال اليوم ولكنها رفضت ومؤخرا تواصلت معنا ابنتها الثانية وننهى حاليا إجراءات تسليمها لها».

ومن جحود الأبناء إلى جحود الآباء الذى يعيدنا إلى قصة يوسف فهو يقيم فى دار البنين هو واخوه محمد الذى يصغره بعامين سألته لماذا أنت هنا اطرق بنظره إلى الأرض ثم أشار إلى عربة الشرطة التى جاءت بالمصادفة أثناء تواجدنا لتسلم طفل جديد للدار وقال: «مش فاكر كان فى واحدة بتلم العيال جبتنا هنا فى عربية زى دى وانا كنت عايش مع ماما وعندى 3 بنات أخوات».

ثم نظر إلى قائلا: «بصراحة هربت أنا واخويا من ماما لانها كانت على طول بتضربنا وجابونا هنا واخواتى البنات فى دار تانية وبحب هنا لعب الكورة والمراجيح والأكل حلو وبالمعاد وبحب اشوف تيتا نوجا ... هى قاعدة على كرسى بس بتلعب وتهزر معايا، وبساعد جدو محمد فى المراكب، بس انا هطلع دكتور أسنان».

وكما رفضت أبنة الحاجة سميرة استلام والدتها رفضت والدة يوسف استلامه هو واشقاءه وقد لا يفسر القانون هذا الجحود وهذه القسوة ولكن على الأقل قد يواجههم يقول حازم الملاح، المسؤول الإعلامى عن برنامح كبار وأطفال بلا مأوى، بوزارة التضامن الاجتماعى: «يتضمن قانون الطفل مواد تعاقب متولى أمر الطفل بتهمة الاهمال، اما بالنسبة للكبار فحاليا تقوم بدراسة حالة ورصد شامل للحالات التى تم توثيقها لنرى كيف يمكن توفير الحماية لفئة الكبار بلا مأوى وايضا يتم التنسيق مع مجلس النواب ومجلس الشيوخ لوجود بنية تشريعية تسهم فى تقديم الحماية والرعاية للكبار بلا مأوى كما تم تشكيل لجنة فى وزارة التضامن الإجتماعى تضم عدد من الوزارات المعنية وهى الصحة والداخلية للتنسيق فى ملف المشردين والكبار بلا مأوى وذلك فى إطار توجيهات رئيس مجلس الوزراء».

وبالرغم من مرارة الحالات الإنسانية التى رصدناها إلا أن تجربة الدمج كانت لها نتائج ايجابية سريعة لاحظها الفريق النفسى والاجتماعى وأوضحها لنا محمد السيد، مدير مجمع رعاية اطفال وكبار بلا مآوى فقد ارتفع معدل اهتمام الأطفال بمواعيد النوم والاستيقاظ مع انخفاض الاضطرابات السلوكية وانخفاض حالات التبول اللاإرادى والاهتمام بالنظافة الشخصية وزيادة القدرة على التواصل أما الكبار فقد ارتفع معدل التغذية وانخفضت تكاليف الرعاية الصحية وزاد الاهتمام بمساعدة فريق العمل فى النظافة الشخصية والنظافة العامة وأصبح عنصر الراحة النفسية ملموس من خلال التقارير النفسية الدورية.

انتهت زيارتنا لمجمع أطفال وكبار لا مأوى بالشرقية بعد رصد تجربة الدمج بين أجيال مختلفة فقدوا الرعايه ممن وجبت عليهم، ووجدوها على أيدى غرباء كانوا جميعا وقوفا فى وداع عم محمد المراكبى الذى لقى ربا كريما بعد أيام قليلة من إجراء الجراحة التى كان ينتظرها.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق