رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

حلم طال انتظاره

أحمد البرى;

أنا شاب أعانى إعاقة فى الساقين، وأستخدم كرسيا متحركا، وقد كافحت وتحديت ظروفى الصحية، وأكملت تعليمى، وتخرجت فى الجامعة، ومشكلتى أننى لا أجد من تشاركنى حياتى، أو قل إننى خائف من البحث عمن أراها فتاة أحلامى، بعد التجارب الفاشلة التى مررت بها، والتى أفقدتنى الجرأة والثقة، فبصراحة شديدة أحتاج إلى من تبادلنى مشاعر الحب والتعاون .

كانت البداية أننى تعلقت بفتاة منذ كنت فى الإعدادية وحتى الثانوية، وكنت دائما أتكلم معها، وأحسست باهتمامها بى، وعندما صارحتها بمشاعرى، قالت لى: «إنت فهمت غلط، إنت زى أخويا» مع أن ما بيننا كان حبا واضحا، وحدثتنى نفسى بأنها تراجعت عن حبها لى من منطلق خوفها وعدم رغبتها فى الزواج من معاق، أو أننى فهمت موقفها خطأ.

المهم قررت ألا أفكر فى هذا الموضوع إلى أن ألتحق بالجامعة، حيث تكون البنات متفتحات، وأنضج من بنات «ثانوى»، ولكن الحب الأول ظل يطاردنى، وكنت دائما أحب أى زميلة تتكلم معى، وأسرح بخيالى فيها، ثم اتجهت إلى الإنترنت، وكل فتاة تعاملت معها بحثت فيها عن حلم «الحب الضائع»، إلى أن تعرفت على «أحلى بنت» فى حياتى، والتى أعطتنى اهتماما كبيرا، وتصورت أننى اهتديت إلى من كنت أبحث عنها، وقابلتها، وعرفت أنها قريبة أحد معارفى، واستمررنا معا، ووعدتنى أنها لن تتخلى عنى، ورتبت حياتى عليها، وبادلتنى المشاعر نفسها.

وبعد فترة عرفت أنها تعلقت بشاب آخر، وتغيّرت من ناحيتى، وأنا بدورى بعدت عنها، لكن حنينى إليها لم ينته، وبعد خطبتها مازالت تكلمنى، وسألتها: لماذا تخليت عنى؟، فردت علىّ: إنها مرغمة على ذلك لأن والدتها قالت لها: «مستحيل تتجوزى واحد معاق»، وأنها أرادت ألا تجرحنى بما قالته لها، وكذلك أبوها، وأضافت أننا «مازلنا أخوات»، وسوف نظل كذلك!

لقد كرهت كلمة «أخوات»، ومازلت أفكر فيها فى اليوم مليون مرة، وحاولت كثيرا أن أنساها، ولكنى لم أستطع، فماذا أفعل؟، وهل من الممكن أن تقبل فتاة «صحيحة الجسم» الزواج من شاب معاق؟، وهل يوافق أهلها على ذلك؟.. أرجو أن تشير علىّ بما تراه فى هذه المسألة التى تحاصر تفكيرى، ولا أجد سبيلا للتغلب عليها؟.

 

ولكاتب هذه الرسالة أقول:

 

أى حب تتحدث عنه منذ أن كنت فى المرحلة الإعدادية؟، وما هذه الأوهام التى ظللت أسيرها، وأنت لا تعى من أمر الزواج شيئا؟.. إن الإنسان الواقعى ينظر إلى أموره نظرة موضوعية، ولا يعيش خيالات بعيدة عن الواقع، فمن حق كل شاب وفتاة البحث عن شريك الحياة المناسب الذى تكتمل به الأسرة الناجحة والمستقرة، ولا يتحقق ذلك بالطريقة التى اتبعتها.. صحيح أنه قد يتزوج المعاق من فتاة «صحيحة الجسم»، أو العكس، ويتحقق النجاح لهذه الزيجات، وقد تناولتها قصص الكثيرين ممن عاشوا تجارب رائعة وبينهم مشاهير لهم بصمات واضحة فى مجالاتهم، لكن الصحيح أيضا أن يتزوج الشاب أو الفتاة من شريك الحياة المناسب.

والحقيقة أن البنات المعاقات أكثر واقعية من الشباب فيما يتعلق بالزواج من شريك مناسب من بين الرجال المعاقين، على عكس الذكور الذين تطمح النسبة الأكبر منهم للزواج من فتيات غير معاقات.

وتختلف نظرة ذوى الحالات الخاصة إلى أوضاعهم، فهناك من يسعى للزواج من شريك مشابه له من ناحية الإعاقة، أو أن يعانى الطرف الآخر إعاقة مختلفة، ولكن يصنف ضمن فئة المعاقين، وهناك الشخص المعاق الذى يرغب فى الزواج من شريك غير معاق. ولكل من هذين الاتجاهين أسباب ومبررات قد تكون مقبولة أو مقنعة إلى حد كبير. فأصحاب الاتجاه الأول يرون أن مصلحتهم فى الزواج من شريك يعانى نفس الإعاقة أو إعاقة مختلفة، مما يساعد كثيرا فى نجاح الزواج واستمراره، ومبرراتهم فى ذلك هو أن الشريك المعاق يكون أكثر تفهما وعلى دراية وإدراك ومعرفة تامة بطبيعة الصعوبات التى يعانيها شريكه الذى يعانى ظروفا مشابهة لظروفه بالإضافة إلى أن نوعية التواصل بين الشريكين تكون على أفضل وجه وأحسن حال، وأن البيئة التى يعيشان فيها تكون مناسبة ومؤهلة لكليهما، وفى حالة كون الشريكين من إعاقة مختلفة يكون هناك نوع من الكفاءة الاجتماعية بينهما مما يساعد على نجاح هذا الزواج.

أما عن زواج المعاقين من الأصحاء، فالأمر يتعلق بقدرة الشريك غير المعاق على مساعدة الشريك المعاق فى تلبية أمور حياته اليومية وتخطى الكثير من الصعوبات التى يواجهها، فهدف الزواج هنا هو الرعاية والتكافل والتراحم بين الزوجين.. وهنا تبرز قضايا كثيرة أهمها مفهوم الكفاءة فى القدرات البدنية أو الحسية أو العقلية، وهناك تجارب ناجحة فى هذا المجال تقابلها تجارب أخرى لم تنل حظها فى النجاح.

وهناك عدة اتجاهات حول زواج ذوى الحالات الخاصة، ويعتمد الأمر كثيرا على مستوى الوعى والتطور الذى وصل إليه المجتمع، فهناك مجتمعات تسود فيها النظرة الدونية للشخص المعاق وفى قدرته على تكوين أسرة وتنشئة الأبناء وتربيتهم.. وبالمقابل هناك مجتمعات أكثر تطورا وبالتالى أكثر تقبلا لفكرة زواج الشخص المعاق، وبشكل عام هناك بعدان أساسيان فى زواج ذوى الإعاقة الأول هو زواج المعاق من شريك غير معاق، والثانى هو زواج فئات محددة من المعاقين.

فى البعد الأول نجد الكثير من التحفظ، وليس من السهل على المعاق أن يجد شريكا من غير المعاقين، وتلعب هنا عوامل وظروف أخرى غير الإعاقة دورا فى الأمر مثل المستوى الاجتماعى والاقتصادى للشخص المعاق، فالقادر ماليا يكون من السهل عليه الزواج من شريك غير معاق. والأمر نفسه عند الحديث عن المستوى أو الطبقة الاجتماعية.

وفى البعد الثانى وهو طبيعة الإعاقة والصعوبات التى يعانيها المعاق أو الأمراض والعوارض الصحية التى تصاحب الإعاقة، نجد أن الإعاقة التى لا تشمل انخفاض القدرات العقلية يكون من السهل معها إيجاد شريك مناسب سواء كان ذلك من داخل العائلة أو خارجها.

ومن الضوابط أو القواعد التى تفرضها عادات وتقاليد المجتمع عند زواج المعاقين هى إطلاع الطرف الآخر على حالة ووضع الشخص المعاق وقدراته المختلفة، ويعد إخفاء المعلومات فى هذا المجال نوعا من الغش فى الزواج الذى تمنعه التقاليد والأعراف السائدة فى المجتمع ويحرمه الدين الإسلامى أشد تحريم. ومن الأعراف الأخرى، عدم زواج الشخص المعاق الذى يتصف بالعدوانية أو السلوكيات الغريبة والعنيفة، ويجب عدم الخلط بين أنواع الإعاقة، فهناك شخص معاق قادر على الزواج، وآخر غير قادر عليه.

ومن حق المعاق أن يبحث عن تحسين نوعية حياته وعلى المجتمع مساعدته فى تحقيق هذا الهدف مع ضرورة تطوير وعى أولياء الأمور والمجتمع فيما يتعلق بقضية زواج الأشخاص ذوى الإعاقة لأنها مسألة تراكمية وتحتاج إلى تضافر الكثير من الجهود من مؤسسات الدولة والمجتمع المدنى.

فى ضوء هذا الشرح التفصيلى للقضية برمتها، أرجو أن تكون الأمور قد اتضحت أمامك، فتبحث عن فتاة مناسبة لك، وقد تكون مصابة بإعاقة خفيفة غير إعاقتك، فتكملان معا مشوار الحياة فى هدوء واستقرار بعيدا عن الأوهام التى قد تدمر حياتك إذا سيطرت على تفكيرك، وإنى على ثقة من أن المستقبل القريب يحمل لك بشرى سارة، وسوف تتحقق لك السعادة التى تنشدها بإذن الله.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق