رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

البخيل وأنا

أحمد البرى;

أنا سيدة فى الثانية والثلاثين من عمرى، حاصلة على مؤهل عال، ومتزوجة منذ عشر سنوات حيث تقدم لخطبتى شاب أكبر منى بأحد عشر عاما، وكان عمرى وقتها اثنين وعشرين عاما، وهو حاصل على مؤهل متوسط، وعندما سألنا عنه شكر فيه الناس ما عدا القليل منهم، وعرفنا أن هؤلاء ذموا فيه لوجود خلافات بينه وبينهم، ولذلك وافقت أسرتى عليه، وفى فترة الخطبة لم يخرج معى أبدا بحجة انشغاله، وكان يزورنى مرة واحدة فى الشهر، ولم يكن ذلك كافيا للتعرف على شخصيته.. المهم أننا تزوجنا، وعشنا سعداء سنتين، وأنجبت ابنتى الكبرى، وعشت وقتها أجمل أيام حياتى، حيث كان يصرف على البيت بما يرضى الله، وبعد ثورة الخامس والعشرين من يناير سافر زوجى إلى إحدى المحافظات، ومنذ ذلك الوقت ظهر بخله الشديد، فلم يعطنى ما يكفينا من المال، بحجة أنه اشترى بعض الأثاث للمنزل الذى استأجره فى المحافظة الأخرى، وبعد ذلك اشترى شقة جديدة، وحينما أطلب منه المزيد من المال يرفض ويقول لى (أنا بعمل للمستقبل).. واكتشفت أيضا أن عائلته كلها تتسم بالبخل، ولكنهم يظهرون بمظهر جيد أمام الناس، وأما من الناحية الأخلاقية، فهو عصبى جدا، وعندما يتعصب فإنه ينهال علىّ بالضرب إلى أن استعنت بأخوته لفض هذا الأمر، فبعدها لم يعد يضربنى، لكنه يتعامل معى بحدة وتوبيخ، ومعى حاليا طفلتان وهو لا يتحمل مسئوليتهما، وحتى فى أثناء وجوده معى لا يشاركنى فى تربيتهما، ولا يذهب معى إلى الطبيب إذا احتاجت حالة إحداهما العلاج، وأنا فى نظره مبذرة، وعندما أمرض لا يصرف علىّ.. لقد كنت أصرف على نفسى من عائد عملى، وأنا الآن متفرغة لرعاية ابنتىّ، وهو قليل الكلام معى بحجة أنى «صغيرة»، ولا أفهم أى شىء فى الحياة، كما أنه غامض جدا، وكل ما أعرفه عنه من باب الصدفة عن طريق إخوته، أو من زوجة أخيه، فهى تعلم عن حياتى ما لا أعلمه، حيث يحكى لزوجها عن كل أموره، وقبل أن يذهب إلى المحافظة الأخرى عقب كل إجازة يفتعل أى مشكلة لكى لا يعطينى مالا كافيا، ويقول لى إنه غير مرتاح معى، ويهددنى بالزواج بأخرى، وأنا حائرة كيف أكمل حياتى مع زوج لا يعطينى إلا مصاريف قليلة جدا، ولا يتنازل إذا أخطأت خطأ بسيطا معه، ومع تهديده لى أشعر بعدم الأمان معه، فهل أستمر فى حياتى على ذلك، أم أنفصل عنه؟، وكيف سيكون وضع البنتين فى هذه الحالة؟.. فى انتظار ردك؟.

 

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

نستطيع أن نحدد متى يكون الزوج بخيلا من خلال تحديد الحقوق والواجبات عليه هو وزوجته، فمن واجبات الزوج تأمين الحاجات الأساسية لأفراد أسرته منها المادية كالطعام والسكن والملبس والعلاج فى حال المرض، وأيضا من واجبه تأمين الحاجات المعنوية بحدودها المعقولة، وذلك بتأمين علاقات اجتماعية سليمة داخل الأسرة الكبيرة، ومع الأصدقاء والجيران، من حيث السماح بإقامة علاقات اجتماعية والقيام بالواجبات تجاههم، والاهتمام بالأنشطة الثقافية والفنية المختلفة التى بمجملها تؤمن الغذاء الروحى للأسرة، ومن هذا المفهوم نقول إن الزوج البخيل هو من يمتلك الدخل المرتفع وحالته المادية جيدة ولا يقدم المطلوب من تلك الحاجات المادية والمعنوية لأفراد أسرته.

وطبعا مشكلة الزوج البخيل تتشعب لتصل بكل تأكيد إلى علاقة أسرته بالأسر المحيطة وهناك أزواج وإن امتلكوا المال الوفير يكونون غير قادرين على بسط اليد، وهم يرزحون تحت تأثيرات نفسية تدفعهم إلى الشح والبخل بمالهم وعواطفهم، وهم فى جانب والعطاء فى الجانب الآخر، وهؤلاء مشكلة فى حد ذاتهم، ويؤثرون على المحيطين بهم، ويتملك الكثيرون منهم البخل دون رغبة منهم، والأمر ناتج عن التربية الخاطئة التى تلقاها كل منهم منذ الصغر، ونحن نعلم أن المجتمع الشرقى بالذات يستنكر تصرف البخيل ويفاخر بالكريم، وبالتالى فإن البخيل غير مرغوب فيه اجتماعيا، وفى كثير من الأحيان قد يتعرض للتقريع والتجريح.

والزوج البخيل بالتأكيد يغرق الأسرة فى مشكلات اجتماعية تكاد لا تنتهى. فمثلا عملية تربية الأبناء مبنية على مبدأ الثواب والعقاب، فإذا بخل الأب بتقديم الثواب سيؤثر ذلك على نفسية الطفل وسيشعر بالفرق فى التعامل بينه وبين أقرانه من جانب ذويهم.

أما الزوجة فإن بخل الزوج ينعكس عليها بشكل مباشر، لأنها المسئولة أيضا عن الأسرة، وعدم تأمين المصروف اللازم يوقعها فى قلة الحيلة، وتبدأ مشاعر الاحترام والمحبة تجاه هذا الزوج بالتلاشى لتحل مكانها مشاعر النفور والبغضاء، وفى كثير من الأحيان قد يؤدى بخل الزوج إلى حدوث الطلاق.

إن حقوق الزوجية متعددة ، ومنها ما هو مالى، كالنفقة والسكن، ومنها ما هو معنوى، ومنها ما يلزم كلا الزوجين، أو يلزم أحدهما كالنفقة الواجبة على الزوج استدلالا بقوله تعالى: «وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف»0 (البقرة233) وغير ذلك، ويعنى وجوبها على الأب، لأن النفقة مقابل قيامهن بحق الوالد والولد، ولا يمكنهن أن يقمن بذلك ويتكسبن فى الأعم والأغلب، واستدلالا بحديث رسول الله: (خذى ما يكفيك وولدك بالمعروف) لهند، بعد قولها إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطينى ما يكفينى.

ولابد أن يعلم الزوج أنه إذا قام بهذا الحق فليس له منّة ولا فضل، وإنما يقوم بأداء واجب عليه، وحسبنا حديث رسول الله: (كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت)، وحديثه: (وإنك لن تنفق نفقة تبتغى بها وجه الله إلا أجرت بها حتى ما تجعل فى فم امرأتك)، وحديثه: (لا يجتمع الشح والإيمان فى قلب عبد أبدا)، فالتقصير فى النفقة يعتبر إثما من أشد الآثام، وهو من الكبائر حالة القدرة عليها، كما أن القيام بها يعتبر قربة من القرب التى يتقرب بها إلى الله تعالى، ويثاب عليها، فإذا هو قصر فليعلم أن إيمانه مازال ناقصا مضطربا، لأن الرازق هو الله دون سواه، بل قال تعالى: (نحن نرزقهم وإياكم) . (الإسراء 31) فإنما يرزق المرء برزق من يقوته ويعوله إذ قدم سبحانه أولاد الشخص وأهله عليه، فتكون النتيجة أن الرزق يكون لكم أيضا بعدهم، فهم سبب رزقكم، فكيف ببخل الشخص وامتناعه عن أداء حق من يلوذ به، ويركن إليه، بل ومن لا حول ولا قوة له من أطفال صغار يبكون لقمة سائغة هنيئة؟، بل إن البخيل لا يدخل الجنة دون أن يحاسب على بخله وشحه، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة خب ولا منان ولا بخيل)، فما أسوأ هذا المصير الذى يتوعد به البخيل، وينبغى أن يعلم البخيل أنه مكروه ممقوت من أهله، ويرغب ذووه له كل سوء، ويصفونه بما لا يحبه ولا يرضاه، بل إن الشحيح يضيع على نفسه أجرا وثوابا، وتكفير ذنوبه ومعاصيه وجرائمه، لأن السعى على الأبناء فيه أجر وأيما أجر لقوله صلى الله عليه وسلم: (ما أنفق الرجل على أهله فهو صدقة).

إن من حقك يا سيدتى طلب الطلاق إذا لم يتراجع عن شحه، ولم يدفع النفقة الواجبة عليه، وإنى أحذره من تداعيات بخله عليه شخصيا، فسوف يعرض نفسه للعقوبة من الله أولا، ومن القضاء والناس ثانيا، كما أنه سيكون ناقص الإيمان مضطرب العقيدة، بل أتعس الناس وأشقاهم، وأرجو أن يعى ذلك جيدا، وإلا فلا مفر من الطلاق، وطلب حقوقك والبنتين بالقضاء.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق