رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

لمواكبة المستجدات
الإفتاءالجماعى.. يدخل «العصر الرقمى»

تحقيق ــ خالد أحمد المطعنى
جلسات المؤتمر أوصت برقمنة المؤسسات الإفتائية تصوير ـ نادر أسامة

علماء: ملء الفضاء الإلكترونى بالأحكام المعتدلة يغلق نوافذ التطرف

 

التحول إلى العصر الرقمى، لم يقف عند حد الأمور الإدارية فى المجتمع، بل طال أمره كل ما يتعلق بحياة البشر، مما أوجب على المؤسسات الإفتائية دخول هذا المعترك متسلحة بما يعرف بـالاجتهاد أو الإفتاء «الجماعي»، لنشر الإسلام الوسطى المعتدل، ومواجهة فوضى الفتاوى والأفكار الشاذة والمتطرفة، انطلاقًا من أن تطوير الفتوى، وما يستلزمه من آليات لتنفيذها، صار ضرورة فى هذا العصر الذى أصبح فيه العالم قرية صغيرة.

علماء الدين الذين شاركوا بأبحاث متنوعة فى مؤتمر الإفتاء العالمى السادس - الذى اختتم أعماله بالقاهرة أخيرًا، وعُقد تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية، ونظمته دار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء العالمية، وحمل عنوان «مؤسسات الفتوى فى العصر الرقمي.. تحديات التطوير وآليات التعاون» - أكدوا ضرورة دخول الاجتهاد الجماعى فى الفتوى إلى «العصر الرقمى»، مشددين على أن ملء الفضاء الإلكترونى بالأحكام الفقهية المعتدلة يغلق النوافذ أمام التطرف، ويهزم فكر التنظيمات الإرهابية، بشكل حاسم.

فى البداية يوضح الدكتور على جمعة، رئيس اللجنة الدينية بمجلس النواب وعضو هيئة كبار العلماء، أن معايير الاجتهاد الجماعى تتمثل فى ثلاثة أركان، الأول إدراك النص الشرعى، والثانى إدراك الواقع، والثالث هو هذا النص ما بين المطلق والنسبي. ويشدد على أن هذه الأركان الثلاثة هى المعيار الذى نقيس به الاجتهاد الجماعى، الذى فى بعض الأحيان نقبله لأنه التزم بتلك المعايير أو أدرك النص الشرعى، وهو النص المقدس من كتاب وسنة، موضحا أن النص الشرعى يجب على الاجتهاد الجماعى أن يدركه، سواء كان نصا أو من اجتهادات الأتقياء العظماء.

إدراك الوقع

ويجذب الدكتور على جمعة النظر إلى أن للواقع عوالم كثيرة، من بينها علم الأشياء والأشخاص والأحداث والأفكار، وأنه يجب على الاجتهاد الجماعى أن يدرك هذه العوالم بعمق، ومفتاح كل عالم منها، وكيف يتعمق فى إدراكها.

التقدم الرقمى

فى سياق متصل، يرى الدكتور مجدى عاشور - المستشار الأكاديمى لمفتى الجمهورية، وأمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية - أن المجتمع الإنسانى أصبح يعيش فى ظل العصر الرقمى، كأنه فى مكان واحد، مما أفرز أنماطًا من الحياة لم تكن معهودة من قبل على كل المستويات، خاصة الأسرة، نتيجة ما تمتاز به هذه التقنية المتطورة من إلغاء الحدود والسرعة العالية فى نقل الثقافات المتنوعة والتقاليد المختلفة. ويضيف: هذه الأنماط الجديدة، خاصة فى مجال الأسرة والأحوال الشخصية طرحت نفسها بقوة خلال العقود الأخيرة على ساحة الخطاب الدينى والبحث الفقهى، بهدف معرفة الحكم الشرعى بخصوصها. ويستدرك: مع التسليم بأنه ليس بوسع الإفتاء الفردى أن يستوعب تلك المستجدات، فضلًا عن إدراك واقعها المعقَّد بصورة كاشفة، فإنه ينبغى أن يتصدر لمعالجة هذه القضايا المؤسسات والهيئات الإفتائية والفقهية من أجل إصدار فتاوى وأحكام شرعية ملائمة لواقع كل مسألة حتى نحقق مقاصد الشرع الحنيف، ونرفق بالناس، وذلك كله حتى تأخذ الفتوى بالناس نحو التحلى بالأخلاق والقيم الفاضلة بما يسهم بشكل إيجابى فى استقرار الأسرة والمجتمع. ويجذب الدكتور عاشور النظر إلى دور الإفتاء الجماعى متمثلًا فى فتاوی دار الإفتاء المصرية وبعض المجامع الفقهية - مثلا - فى معالجة مستجدات الأحوال الشخصية والأسرية فى ظل العصر الرقمى، من خلال أمرين، الأول: المفاهيم التى يتم تناولها كالإفتاء الجماعى والأحوال الشخصية وبيان مشتملاتها، والثانى: فى الكشف عن سمات وملامح الإفتاء الجماعى فى مسائل متنوعة تشمل أبواب الخطبة والزواج والطلاق والميراث.

ويوضح أن مصطلح «الإفتاء الجماعى» مركب إضافى، ويطلق اصطلاحًا على صورة عملية يحصل فيها اتفاق أغلبية المفتين فى نطاق: مجمع فقهى أو هيئة أو مؤسسة على حكم شرعى عملى، لم يرد به نص قطعى الثبوت والدلالة، بعد بذل جهدهم فى البحث والتشاور بخصوص الواقعة المستفتی بخصوصها، كما يمثل الإفتاء الجماعى فى العصر الحاضر المؤسسات والهيئات الإفتائية والمجامع الفقهية. ويؤكد أن مؤسسات الإفتاء الجماعى - وعلى رأسها دار الإفتاء المصرية - قد راعت التقدم الرقمى الحديث، فلم تقف منه موقف الجمود، بل تعاملت معه انطلاقًا من واجبها الشرعى والوطنى خاصة فى مسائل الأحوال الشخصية عبر مسارات متنوعة: فالمسار الأول: إنشاء مواقع ومراصد عبر هذه الوسائل لما تمثله كإعلام جديد من أجل تفاعل مباشر مع جمهورها، وتوعيتهم بالبيانات والأحكام الشرعية المتعلقة بهذا المجال وغيره. ويشير إلى أن المسار الثانى يتم بالتوازى مع المسار السابق، ويقوم برصد المستجدات والمسائل التى تظهر على مجال الأحوال الشخصية بأبوابه وفروعه المختلفة، ودراسة واقعها المعقد مع بيان الحكم الشرعى المتعلق بها، سواء بصورة تنفرد بها المؤسسة أو بصورة تكاملية مع محاكم الأحوال الشخصية.

خطوة مهمة

من جانبه، يوضح الدكتور عبد الله النجار عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن الإفتاء الجماعى مهم فى الوقت الحاضر، وهو أشد إلحاحا اليوم عن ذى قبل، حتى إنه يكاد يكون بديلًا عن الإفتاء الفردى، مشيرا إلى أن مشكلات العالم أصبحت معقدة ومتداخلة، فمثلا العلاقات الأسرية لم تعد كسابق عهدها فى السير على مقتضيات الأعراف؛ فبعد أن كان الإيجاب والقبول كافيًا لإتمام العقد، اليوم تغيّر ذلك المعنى، فأصبح العقد يتم بين طرفين بينهما مسافات بعيدة. ويواصل حديثه: كما أن موضوعات التعاقد كانت بسيطة، واليوم تغيّر هذا المعنى وأصبحت متداخلة ومركبة، تحتاج إلى تدخل خبير أو عالم، ومثل ذلك يصعب فيه الوصول إلى الرأى الشرعى الفردى، ومن ثم تنشأ الحاجة إلى الإفتاء الجماعي. ويؤكد أن مجمع البحوث الإسلامية - أكبر هيئة علمية - قد نبّه فى أول مؤتمر له منذ قرابة ستين عامًا إلى «حفظ الدين بالإفتاء الجماعى»، فجاء فى قراره الأول سنة 1962 أن القرآن والسنة النبوية الشريفة هما مصدرا الأحكام الشرعية، وأن السبيل لمواجهة الحوادث المتجددة ومراعاة المصالح أن يتخيّر المفتى من بين الأحكام الفقهية، وإلا فالاجتهاد الجماعى المطلق، وأن المفتى إذا لم يقدر على تصور موضوع الفتوى فلن يقدر على الوصول إلى المنهج الصحيح. ويتابع: نحن بحاجة إلى دراسة الفقه على نحو جديد، خاصة فى ظل الدخول فى العصر الرقمى، فمنهج الفقه المقارن أصبح بحاجة إلى تجديد، فدراسة الفقه المذهبى يمكن أن تشكل عقلية عصرية، وأعنى بذلك الفقه المقارن بمذاهبه المختلفة، فلا يمكن أن نعزل الدراسات القانونية عن الدراسات الفقهية، فهذا المفهوم يجب أن يتغير، ويجب أن تكون الدراسة شاملة لكل الآراء الفقهية.

تطوير رقمى للفقية

أخيرًا، يجذب الدكتور محمود إسماعيل مشعل - أستاذ الفقه بكلية الإمام مالك للشريعة والقانون بدبى ووكيل الشريعة والقانون بدمنهور جامعة الأزهر- النظر إلى أنه قد تنوعت نداءات جماعة من العلماء المعاصرين فى القرن الرابع عشر الهجرى إلى إنشاء ما أُطلق عليه (المجامع الفقهية)، وقد تحقق ذلك على مراحل فى العهود السابقة، وصارت فكرة «المؤسسة الإفتائية» حاضرة ومتداولة، حتى وقفنا على معطيات «العصر الرقمى» الذى نعيش فيه طفرات تقنية هائلة.

ويواصل حديثه: حيال ذلك يتحتم علينا الاستفادة منها فى مجال الإفتاء، رصدًا وتحليلًا، واستشرافًا للمستقبل، من خلال المؤشر العالمى للفتوى التابع لدار الإفتاء المصرية، فنتخذ السبيل إلى توحيد الفتوى أزمنة نوازل الأوبئة، موضحا أنه بالنظر إلى التطور الهائل فى الحياة التكنولوجية الرقمية المعاصرة، نجد أنه لا بد من تطوير المعرفة العلمية والرقمية للفقيه المجتهد، حتى يكون أكثر تحكما فى مشكلات ونوازل العصر، خاصة فيما ينزل من مستجدات ونوازل ومُلمَّات.

ويختم كلامه بالقول: تزداد هذه الحاجة تأكيدًا وإلحاحًا فى ظل ما يمر به العالم فى هذه الآونة، من انتشار فيروس «كورونا» المستجد «كوفيد 19»، مطالبا بأن يستجيب «المؤشر العالمى للفتوي» لشمول نظام الرصد والتحليل مجال الابتكارات التقنية من (التطبيقات الذكية)، التى يتجاوز دورها وأثرها حدود المكان، لتخاطب القاطنين فى أبعد بقعة فى العالم بما تقدمه من الخدمة الإفتائية.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق