الحفاظ على المصالح الاستراتيجية الأمريكية العليا ودعم إسرائيل ركيزتا التحرك الأمريكى فى الشرق الأوسط، وإن إختلفت الأدوات والمناهج بين الجمهوريين والديمقراطيين. لذا فإن ما تزعمه الولايات المتحدة الأمريكية بكونها تتخذ موقف الحياد وتقف على مسافة متساوية من الجميع فى قضايا الشرق الأوسط يتلاشى إذا ما تعارض ذلك مع أى من مصالحها أو أثر على علاقاتها الاستراتيجية باسرائيل حتى إن الرئيس جوزيف بايدن قال إن إسرائيل لو لم تكن موجودة فإنه كان علينا أن نخترعها.
وفقا لكتاب أمريكا ودورها فى الصراعات العربية حتى 100 يوم من بداية حكم ترامب، الصادر عن دار العربى للنشر، للدكتورة جيهان عبد السلام عوض فإن الرؤية الأمريكية وتفاعلها مع أحداث الشرق الأوسط وقضاياه لم تتغير على مدى العقود الماضية بتغير الحكام على اختلاف اتجاهاتهم السياسية. وبحسب الكتاب ذى البعد الوثائقى، فإن انطلاق السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية بالمنطقة العربية يبنى على عدة ركائز تتمثل فى حماية مصالحها، والحفاظ على تدفق البترول، وحماية أمن إسرائيل والحفاظ على استقرار المنطقة العربية باعتبارها منطقة نفوذ أمريكى من الناحيتين العسكرية والأمنية.
كانت القضية الفلسطينية وحرب تحرير الكويت وأحداث 11 سبتمبر والحرب على العراق، محطات كاشفة لمواقف واشنطن. وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية فإن ما أجج الصراع هو الدعم الأمريكى اللامحدود واللا مشروط لإسرائيل وذلك ينطبق على جميع رؤساء أمريكا على اختلاف توجهاتهم السياسية، فى المقابل تم استنزاف الدول العربية مما أضاع جميع فرص السلام التى أتيحت منذ إعلان الدولة الإسرائيلية فى 1948 وحتى يومنا هذا. تلك الفرص الضائعة جميعها كانت نتيجة للتنعت الصهيونى والدعم الأمريكى والعجز الدولى أمام الهيمنة الأمريكية على مصير منطقة الشرق الأوسط.
يبرز الكتاب حجم النفوذ الصهيونى فى الولايات المتحدة، والدور الذى تلعبه الجالية اليهودية هناك فى ترجيح كفة مرشح ضد منافسه بالانتخابات الرئاسية، وانتخابات الكونجرس بغرفتيه الشيوخ والنواب، فضلا عن استغلال جماعات الضغط لتوجيه الرأى العام والسياسة الأمريكية . أجمع المتخصصون على أن فترة حكم الرئيس الديمقراطى بيل كلينتون ونائبه آل جور كانت من أكثر الإدارات دعما وانحيازا لإسرائيل. حيث كانت إسرائيل ممثلة بـ 43 مسئولا كبيرا شغلوا أهم المناصب، أبرزهم مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية ووليام كوهين وزير الدفاع وساندى بيرجر مستشار الأمن القومى.
وفى فترة حكم بوش الابن ومع الانتفاضة الفلسطينية الثانية سبتمبر 2000 ورفض اليهود مدعومين من المسيحيين الإنجيليين بأمريكا للتنازل عن شبر واحد من الأرض مستمدين حججهم من العهد القديم اتخذ الصراع فى الشرق الأوسط بعدا دينيا إضافيا يعيق إنشاء الدولة الفلسطينية. وفى نوفمبر 2012 أخذت العلاقات العربية الإسرائيلية منحى جديدا شابه بعض التوترات وكان سبب ذلك عملية «ركيزة الدفاع» والسبب الثانى حصول فلسطين على عضوية الأمم المتحدة بصفة مراقب وكان التدخل الامريكى وقتها كبيرا ولمصلحة إسرائيل. وعند إعلان الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس تبددت معها أحلام العرب والمسلمين فى قيام دولة فلسطين وشعروا بانتهاء القضية.
وتعتبر حرب تحرير الكويت من النقاط الفارقة فى علاقة أمريكا بالمنطقة العربية حيث كانت بداية لتمزيق وحدة العرب. وانفردت الولايات المتحدة بقرار الحرب خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتى مما اعتبره البعض أول إنذار بالفوضى وتعيين أمريكا نفسها شرطيا على العالم.أفقدت تلك الحرب مصداقية واشنطن عند العرب حيث ظلت لعقود مكتوفة الأيدى أمام الاحتلال الإسرائيلى لفلسطين وتدخلت بقرار منفرد لتحرير الكويت خوفا على بترول الخليج.
وكذلك كانت أحداث 11 سبتمبر نقطة إضافية فارقة بالسياسة الخارجية الأمريكية مع الدول العربية حيث أعلنت أمريكا منذ الساعات الأولى أن تنظيم القاعدة هو المسئول عنها قبل إجراء تحقيق موسع ودون أدلة دامغة. وتم استغلال تلك الأحداث لإعلان الحرب على أفغانستان ثم العراق، دون أدلة واضحة عن تورط العراق فى الهجمات ولمجرد التخوف من امتلاك صدام حسين لأسلحة مدمرة نووية. دمرت أمريكا العراق أمنيا واقتصاديا وغرست بذور الفرقة الطائفية بين السنة والشيعة كما انهار الاقتصاد وتفكك الجيش وسالت الدماء. وهدفت لإحداث تغييرات جوهرية على تركيبة الأنظمة العربية وتغيير ترتيب النظام العالمى من أجل بناء إمبراطورية أمريكية بالمنطقة العربية الهشة.
رابط دائم: