رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أدباء روسيا الجدد وتسييس المواهب

موسكو ــ د. سامى عمارة

يبدو أن إنجازات أسلاف الأدب الروسى فى القرن التاسع عشر وما حققوه من أمجاد وانتشار، صارت تقض مضاجع الذين جاءوا بعدهم من جيل الادباء المعاصرين ومن قبلهم ممن قد نسميهم تجاوزا ممثلى جيل الوسط فى منتصف ونهايات القرن العشرين. وإذا كان الاقدمون من معاصرى ليف تولستوى وفيدور دوستويفسكى وانطون تشيخوف نالوا ولا يزالون ما يستحقونه من تقدير على الأصعدة كافة، فإن هناك ما يشير إلى أن من جاء بعدهم من نجباء روسيا وفنانيها وقعوا ضحية الانتشار الصاخب لمن سبقهم، والذى لا تزال أصداؤه تصم الآذان حتى اليوم. وعلى الرغم من أن ما حققه أخلاف ذلك الزمان من إنجازات على الصعيد الفنى وضعهم فى المنطقة الدافئة من اهتمامات القراء والناشرين، لم يصرف الأنظار عمن قبلهم من نجوم، إلا أنه وعلى النقيض، زاد من صعوبة أن يجد الادباء الجدد المكانة التى يستحقونها فى عالمنا المعاصر، رغم كل التقدم الهائل الذى بلغته وسائل النشر والانتشار المحلية والعالمية.


 

ولسنا هنا بصدد التوقف عن الأسباب والمبررات التى تحول دون بلوغ أدباء العصر ما حققه الاسلاف من شهرة وانتشار، ومنها ما يقال عن «المواهب المدفونة»، وأصحاب «الفرص الضائعة»، وما إلى ذلك من مبررات يسوقها البعض تفسيرا لما نشهده من فوارق هائلة فى المستويات الفنية والابداعية بين واقع اليوم وما كانت عليه مستويات ذلك العصر والأوان.

ومع ذلك فانه يظل من الممكن التوقف عند بعض الأسماء التى راحت تحظى فى الفترة الأخيرة بالكثير من اهتمام المنظمات الدولية ذات التوجهات السياسية المعروفة، ما قد يكون تفسيرا لظهور بعض الأسماء الروسية التى صارت تحظى بشهرة عالمية، لم تظفر بمثلها على المستويين المحلى والإقليمى، رغم تجاوز اعمار بعضهم السبعين عاما. ومن هؤلاء نشير إلى لودميلا اوليتسكايا، وديمترى بيكوف، وماريا ستيبانوفا التى سبق أن كتبنا عنها فى رسالة سابقة من موسكو، وزاخار بريليبين الذى تراجع اهتمام الدوائر الغربية به منذ ان وضحت توجهاته وانحيازه الى اليسار وقضاياه.

وتلك إشارة تبدو ذات مغزى فى سياق ما نشهده من اهتمام أكثر يحظى به أبناء الطائفة اليهودية، حتى رغم تخليهم عن الانتساب لهذه العقيدة أو هذه القومية من أمثال لودميلا اوليتسكايا التى اختارت الإقامة بين «وطنيها» روسيا وإسرائيل، رغم إعلانها تخليها عن اليهودية، وتحولها إلى الديانة المسيحية، وديمترى بيكوف الذى تخلى عن لقبه اليهودى زيلبيرترود لمصلحة اختيار لقب امه بيكوفا. على ان ذلك لا ينفى بطبيعة الحال، ما تتسم به اعمال الادباء الجدد من تميز وفرادة، وهو ما صار هدفا للكثير من التنظيمات السياسية الغربية التى نجحت فى اصطياد هؤلاء إلى شباكها، وتسخير أعمالهم لخدمة أهدافها السياسية المناوئة للسلطات الروسية. وذلك ما قد يفسر تراجع اهتمام هذه التنظيمات بالأديب القومى الروسى زاخار بريليبين الذى اختار الانحياز إلى مواقف الحركات السياسية اليسارية، وما تلا ذلك من اختياره كأحد قيادات التحالف الحزبى «روسيا العادلة» الذى يستعد خلال الأشهر القليلة لخوض انتخابات مجلس الدوما فى خريف العام الحالى. وما دام الشيء بالشيء يذكر، فإننا نتوقف هنا إمام الاديب الروسى الشاب سيرجى شارجونوف الذى كان نجمه بزغ مع مطلع القرن الحالى ولم يكن تجاوز العشرين من العمر. ويذكر النقاد روايته الأولى التى اختار لها عنوان «وعاقبوا الطفل» التى تناول فيها المشاعر الجياشة التى تجتاح المرء فى سنى الصبا والشباب. وكان شارجونوف استقطب أيضا اهتمام النقاد بروايته «1993» التى وقع عليها الاختيار لضمها الى القائمة القصيرة لجائزة «ياسنايا بوليانا» التى تنتسب إلى الاديب العالمى ليف تولستوى. تناول شارجونوف فى هذه الرواية بعضا من الاحداث العاصفة التى حددت مستقبل روسيا الجديدة بعد قرار الرئيس الروسى الأسبق بوريس يلتسين قصف البرلمان الروسى المعارض بالدبابات واعتقال قياداته فى أكتوبر 1993، ما كان نقطة تحول جذرية وعلامة فارقة بتاريخ روسيا المعاصرة، انعكست ملامحها وتطوراتها على حياة بسطاء المواطنين ممن استعرض شارجونوف بعضا من مفرداتها. ولعل ذلك ما قد يكون وراء اهتمام الحزب الحاكم والسلطات الرسمية بالأديب الشاب الذى صار ضيفا شبه دائم على البرامج التليفزيونية الروسية، إلى جانب برنامجه الأسبوعى الذى يقدمه على شاشة القناة الإخبارية الروسية الرسمية ويتناول فيه مجمل قضايا الساعة.

ونتوقف فى بداية استعراض أهم مفردات الخريطة الأدبية الروسية المعاصرة عند لودميلا اوليتسكايا التى تجاوزت الثامنة والسبعين من العمر، ولم تكن عرفت طريقها إلى الشهرة إلا مع اواخر ثمانينيات القرن الماضى، لنشير إلى انها تظل الأكثر انتشارا، ويعدونها «الكاتبة الروسية الأولى فى الدول الأوروبية والآسيوية»، حيث حظيت بتكريم عالمى واسع النطاق من جانب الأوساط الأدبية والسياسية والاجتماعية فى البلدان الغربية منذ ترشيحها لجائزة البوكر الدولية عام 2009. وتقول الادبيات الروسية ان رواية «سلم يعقوب» تظل إحدى أقوى وأضخم أعمال اوليتسكايا، وهى رواية تاريخية تتسم فى الكثير من جوانبها بملامح السيرة الذاتية التى استندت إلى أرشيف العائلة ومذكرات واوراق ورسائل جديها عن الاب والام حول ما تحملاه من اهوال وملاحقة سلطات ذلك الزمان وما عاشاه بالمنفى الاجبارى من مآس وكوارث انسانية. ولعل هذه الرواية تحديدا تأتى فى سياق ما صار يبدو الملمح الرئيسى للرواية الروسية فى عصرها الحديث الذى جسدته سفيتلانا الكسييفيتش الصحفية البيلاروسية التى فازت بجائزة «نوبل للآداب» فى عام 2015 عن اعمال «صحفية فى مضمونها الاساسى»، جرت صياغتها بأسلوب ادبى، وهو ما جرى تسخيره لخدمة اهداف سياسية ظهرت ملامحها على نحو جلى فى انضمام الكسييفيتش لقيادات الانتفاضة البيلاروسية التى لم تنجح فى الإطاحة برئيس بيلاروس ألكسندر لوكاشينكو فى صيف العام الماضى.

على ان الواقع الراهن لا يمكن ان يخلو وبطبيعة الحال من الاعمال المتميزة، التى تظل فى صدارة ما يجرى نشره فى روسيا من روايات طويلة ومجموعات للقصص القصيرة تصل أعدادها إلى مائة ألف كتاب جديد كل عام. فضلا عن الاعمال الأدبية التى تجرى مسرحتها وانتاجها فى أفلام ومسلسلات متعددة الحلقات ومنها «طقس سيئ» التى كتبها الكسى ايفانوف الذى تجاوز الخمسين من العمر بقليل. وكانت هذه الرواية التى فازت بجائزة «كتاب العام 2016»، اساسا للمسلسل الدرامى الذى حمل العنوان نفسه وانتجته استوديوهات «افلام موسكو». وتستند الفكرة الرئيسية لهذه الرواية الى ما عاشه جنود وضباط الحملة الروسية فى افغانستان فى ثمانينيات القرن الماضى من مآس ومتاعب بعد عودتهم إلى الوطن، دون أن يلقوا «تقديرا» لما تصوروا انهم قاموا به من «بطولات» لم تلق من مواطنيهم ومجتمع تسعينات القرن الماضى بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، ما كان يجب أن يلقوه من تقدير ومكافآت. وكان ذلك فى صدارة أسباب تحول الكثيرين منهم إلى عالم الجريمة المنظمة وغير المنظمة وما ارتبط بذلك من تحولات اجتماعية ونفسية. وكان هؤلاء عادوا الى الوطن ليجدوه غير ذلك الوطن الذين غادروه، ما صار يبدو لهم مبررا كافيا للتخلى عما كانوا يتمسكون به من مُثل ومبادئ. ورغم كل ما قدمه ايفانوف من روايات وقصص قصيرة، حظى بعضها بتقدير الاوساط الادبية والتنظيمات ذات الصلة، فانه يظل شأن الكثيرين من اقرانه ومعاصريه بعيدا عن اهتمام الناشرين الاجانب ممن يظلون أسرى الادب الكلاسيكى الروسية وعشاق تراث اساطين ذلك الزمان من امثال تولستوى ودوستويفسكى وتشيخوف وآخرين.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق