رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

د. محمد المخزنجى فى حوار خاص: فى المنصورة أستحضر أحلام الطيران الذاتى الممتعة

حوار - رانيا حسنين

  • كنت ولا أزال أحـــــب القــــراءة أكثر من الكتابــــة ويروق لى تشبيه القراءة بمتعة الـحب والكتابة بمعاناة الولادة
  • الواقعية مدرسة أدبية مستمرة ما دامت الحياة لهذا أعتبر الكثير مما يسمى «أدب الخيال العلمى» مجرد «تخريف لا علمى»
  • النوفيلا رواية قصيرة وأنا مغرم بها كقارئ وطبيعى أن تغوينى ككاتب وهى مســـتقبل الروايـــة الذى ســـتفرضه متغيرات الواقــــع
  • أنا مطبوع بروح الهاوى فى كل ما أفعل وترعبنى الاحترافية كسجن للروح وسياج لشطح الخيال والمعرفة

 

  • من آلام الفقد ينبع العزاء وهى آلية تعويضية تلقائية تحرس استمرار الحياة وإلا صرنا عدميين ننتحر بالجملة
  • العزاء منحة من ألطاف الله، ولطائف الأدب والفن ولابد أن تعود الحكمة لترافق الطب لأن التقنيات الطبية الباذخة منحت الطب الحديث الكثير من الذكاء الميكانكى وسلبته الكثير من الحكمة الإنسانية

 

  • اخترت فى استطلاعاتى بلاد الجنوب والشرق لرؤيتى أننا متخمون بالشمال والغرب أكثر مما ينبغى بينما ليس كل مايأتى من الغرب يسر القلب منذ الحقبة الاستعمارية وحتى هيمنة الاستعمار الجديد
  • فى قصة نهود الرمل أدين تدمير واحة قلابشو بكثبانها القببية الفاتنة كما يدمر السرطان أجمل ما فى الإناث وبأغرب سرقة فى العالم سرقة رمل الكثبان

 

 

  • فرحت بفوز سفيتلانا اليكسيفتش بجائزة نوبل فى الأدب 2015 لأن كتابها «صلاة تشيرنوبل» كُتب بتقنية «رواية الحقيقة القصصية» التى تمزج مابين السرد الأدبى والتحقيق الصحفى والتى بشرت بها وحققتها فى كتابى عن تشيرنوبل عام 1994





الكاتب الطبيب محمد المخزنجى صاحب التجربة الفريدة فى مجال القصة القصيرة، والمقال الصحفى الأدبى والعلمى، المُجدِّد، صاحب النوفيلا والتكريسة وكتابة الرحلة بما تحمله من رؤى واستشرافات. الطبيب النفسى، والمدافع عن قضايا البيئة والوجود الإنسانى، لا يزال يمتعنا بأعماله التى تثرى المكتبة العربية وتضيف لها الكثير، وأحدثها مجموعة قصص «رق الحبيب». كان لنا معه هذا الحوار.

لا تزال مدينة المنصورة حاضرة فى كتابات محمد المخزنجى إلى الآن، كيف كانت هذه المدينة التى أمضيت فيها طفولتك وشبابك، مؤثرة لهذه الدرجة فى تشكيل وجدانك ككاتب؟

من عاش فى هذه المدينة حين كانت جميلة النهر والشاطئين والأحياء القديمة والناس الطيبين يظل بداخله حنين جارف لذكرى الحياة فيها. كان الدكتور محمد حسين هيكل يصفها بأنها «باريس الشرق». كانت حتى مرحلة طفولتى الواعية بلدة كوزموبوليتانية تضم أعراقا وديانات مختلفة وهذا أكسبها روحا منفتحة وجماليات متنوعة. وقد عايشت فى طفولتى وصباى إتاحات للجمال والأناقة فى الحياة كما فى الثقافة بها. مؤكد أنها أثَّرت فيَّ أعمق التأثير. حدائق وسينمات عديدة ودار أوبرا صغيرة عامرة بالنشاط المسرحى والموسيقى وشارع للفنانين ونشاط ثقافى وأدبى وفنى وعلمى قدم لمصر أجيالا من الرموز الشاهقة. ومن مقاهيها الفسيحة النظيفة على البر وبشاطئ النهر وفى فلايك نيلها اكتسبت متعة الكتابة خارج البيت. أتذكر شرفة مقهى أندريا التى كانت ممتدة داخل النيل. وأمامها كانت هناك شجرة كافور عملاقة مئوية العمر كان يجلس تحتها الزيات صاحب الرسالة والشعراء على محمود طه وصالح جودت وربما الدكتور ابراهيم ناجى والدكتور نجيب محفوظ، كلهم منصوريون! ثم إننى لم أغادر المنصورة للعيش فى مكان آخر إلا وعندى 38 سنة، فكانت مصر بالنسبة لى هى المنصورة. المنصورة هى أرض أحلامى الأولى، وما الأدب إلا أن يكون أحلام صحو لا منام، ثم يبقى الحلم وإن تشوه الواقع. للأسف شوه الزحام والمعمار الغبى هذه المدينة كما شوه غيرها، وعندما أعود إليها لا أخرج إلا فى آخر الليل أو الصباح الباكر، باحثا عن أطلال أحلامى الباقية فيها! قصة لم أكتبها بعد!.

كيف تشكل الميل الأدبى وتشكل الوجدان لدى الكاتب محمد المخزنجى فى فترة الطفولة والشباب؟

لعلى تأثرت بوالدى الذى كان قليل الكلام لكنه إن حكى يسحر، كان رجلا طيبا فنانا ومبتكرا فى صمت، وفى طفولتى كنت أعيش معظم وقتى فى الحلم، نائما أو يقظاناً، فقد كنت أستحضر الأحلام التى أحبها باستغراق التفكير فيها قبل النوم فتأتينى، خاصة أحلام الطيران الذاتى منفردا أو مع من أحب، وقد كانت تملأنى بمتعة أظل أحسها حتى بعد أن أصحو«وقد ظلت معى هذه الهبة حتى غادرت المنصورة». وفى المدرسة رغم أننى كنت متفوقا فإننى كنت أختار دائما الجلوس فى الصفوف الخلفية وبجوار نافذة تطل على الحقول المحيطة بالمدرسة، أتطلع لعالم الأشجار والطيور، وأشرد بعيدا بعيدا وعندما يفاجئنى الأساتذة بأسئلتهم لا أجيب، لأننى عبر شرودى خارج النافذة لم أكن أسمع أسئلتهم أصلا، ولأنهم كانوا يراهنون على تفوقى ظنوا أن سمعى به مشكلة فتكلموا مع الناظر وحولونى لوحدة المدرسة وثبت أن سمعى سليم. لهذا، وبالرفق وبصيرة مُدرِّسى ذلك الزمان، تعودوا أن يعيدوا عليَّ السؤال دون تقريع أو حتى لوم. أتصور أن الإبداع الإنسانى كله ابن الحلم. بعد ذلك تأتى الثقافة، وقد كنت أرتاد مع كثيرين من الأولاد مكتبة المدينة على شاطئ النيل، مبنى خشبى عتيق بديع من طابقين لا أزال أتذكر وقع أقدامنا على درجه وزقزقة الألواح الخشبية للأرضية فى قاعة القراءة. فى هذه المكتبة حدثت أولى قفزاتى الثقافية من «قصص المكتبة الخضراء» إلى كتب الثقافة العلمية عن الطبيعة والحيوانات والنباتات. قرأت كل سلسلة « كل شيء عن» وكتيبات دار المعارف عن الطيور والحيوانات. وفى الصف الثالث الإعدادى قفزت من رواية « أنا الشعب» لمحمد فريد أبو حديد إلى قصص وروايات تشيخوف وتورجينيف مرة واحدة، وبثلاثة قروش، وكنت أول فريق جمباز الدقهلية فى بطولة الجمهورية للمدارس التى كانت تعقد فى مركز شباب الجزيرة، وقادنى التسكع حول اللوكاندة التى نقيم فيها بالعتبة إلى سور الأزبكية حيث اشتريت بالقروش الثلاثة ثلاثة مجلدات من الأدب الروسى المترجم التى تنشرها «مطبوعات الشرق» لتورجينيف وتشيخوف وجوركى الذين قادونى إلى دوستوفيسكى وتولستوى وليرمنتوف وغيرهم، ومن الأدب الروسى إلى كلاسيكيات الأدب الأوروبى والأمريكى. ومن الغرابة أننى قرأت بعد ذلك أدب الستينيات وعشقت أدب يوسف إدريس. كنت ولا أزال أحب القراءة أكثر من الكتابة ويروق لى تشبيه القراءة بمتعة الحب، والكتابة بعناء الولادة. وفى كلية الطب كتبت مجلات الحائط المُعارِضة بآراء حادة ونصوص شبه قصصية، كوفئت عليها بأربع مرات سجناً فى عهد الرئيس السادات.


لوحة الغلاف رسمها الفنان عادل السيوى لقصة رق الحبيب عند نشرها فى الأهرام


تتميز كتاباتك بالرمزية وغير المباشرة والمزج ما بين المتخيل والغرائبى والواقعى. ما تعليقك؟

أظن أننى كاتب واقعى جدا، أرى الواقع ينطوى على رمز وفلسفة وخيال يتجاوز الخيال غير الواقعى، لهذا أرى مصطلح « الواقعية السحرية» شديد العمق لفهم مدى السحر الذى يتضمنه كل واقع. وقد عمقت الثقافة العلمية من إحساسى بسحرية ورومانسية الواقع، ويمكننى إقامة الدليل على أن كل هذه المخلوقات والموجودات، الواقعية، تنطوى على كنوز من الدراما والشعر والموسيقى، بل حتى العواطف. الواقعية مدرسة أدبية مستمرة وستستمر ما دامت الحياة، لهذا أعد الكثير مما يسمى «الخيال العلمى» مجرد «تخريف لا علمى»، لأن العلم فى اقتحاماته يقدم السحر فى كل حى، بل فيما نسميه جمادات، وهناك كتابان علميان يجسدان ذلك هما سحر الواقع «لريتشارد دوكنزو» رومانسية العلم» لكارل ساجان، يقيمان البرهان على ذلك فيما أكتبه مستلهما الحقائق العلمية، إن فى الأدب أو فى الصحافة.

تستهويك كتابة النوفيلا وقد أبدعت فيها «بيانو فاطمة» ومعها «البحث عن حيوان رمزى للبلاد». هل تحدثنا عن هذا النوع الأدبى أيضا؟

النوفيلا هى رواية قصيرة وأنا مغرم بها كقارئ، وطبيعى أن تغوينى ككاتب. وهناك مغالطة تاريخية فى قولبة كتاب عظام خارج هذا النوع الأدبى مُركَّز السحر، تشيخوف العظيم هو كاتب نوفيلا فى أكثر أعماله، وأكثر ما هو مستمر من نتاجات دوستوفيسكى فى قالب النوفيلا، وأَتقن رواية لماركيز هى نوفيلا « أحداث موت معلن»، وروايات العظيم ستيفان زفايج كلها فى قالب النوفيلا، وكذلك ترومان كابوت وباتريك سوزكيند باستثناء روايته « العطر»، وعندنا يوسف إدريس كاتب نوفيلات عظيمة كالعسكرى الأسود، والحرام. النوفيلا هى مستقبل الرواية الذى ستفرضه متغيرات الواقع.

تأثرت كتابتك كثيرا بعملك طبيباً نفسيا لما يقرب من اثنى عشر عاما، لماذا قررت أن تكف عن ممارسة مهنة الطبيب واستكمال مسيرة الكاتب؟

أتصور أننى مطبوع بروح الهاوى فى كل ما أفعل، ترعبنى الاحترافية كسجن للروح وسياج لشطح الخيال والمعرفة. وفى اللحظة التى أوشكت فيها أن أتحول إلى محترف للطب النفسى كان لابد أن يحدث التغيير، وسألت نفسى «هل يمكن أن أعيش دون ممارسة الطب النفسى»، وكانت الإجابة: ممكن. وهل يمكن أن أعيش دون أن أقرأ أولاً وأكتب ثانياً « وكانت الإجابة: لا يمكن. ثم تردد السؤال: وألا يمكن أن أجمع بين الطب والأدب» قلت: صعب جدا، لأن كلا منهما يتطلب أن تمنحه روحك لتؤديه بما يستحقه، خاصة الطب النفسى كما أراه. فاخترت هجرة الطب خاصة مع الدعوة المغرية من مجلة العربى التى جاءت فى لحظة صرت فيها رب أسرة لها متطلبات لا يلبيها مرتبى كطبيب ولا عوائد نشر الأدب شديدة التواضع.

لماذا معظم شخوص قصصك يعانون المرض النفسى؟

لا أظن أن كلمة «معظم» دقيقة، ثم إننى لا أحب وصف «المرض النفسى» لأننى مؤمن بنظرية «تعدد السوية» التى تنادى بعدم التسرع فى تشخيص من يعانون نفسيا كمرضى نفسيين، ليس فقط لاتقاء الوصم الذى يلحق بالناس جراء هذا التشخيص، ولكن لأن الكثير، إن لم يكن معظم من يعانون متاعب نفسية، هم أصحاء يمرون بأزمات عابرة، أو يمكن عبورها، حتى لو كانت هناك أعراض جسيمة كالهلوسات والهذيانات، هذه لاتبرر أبدا المسارعة بتشخيص المرض النفسى، وأزعم أننى خلال عملى بالطب النفسى عبرت بعديدين هذا المنزلق، شبان وشابات جاءوا بتشخيصات فظيعة كالفصام وقلت إنهم غير فصاميين، وعبروا هذا الجسر شديد الخطر وعاشوا حياة طبيعية. لهذا أتصور أن الطبيب النفسى تحديدا يجب أن يكون عنده نزعة فنية وتأملية وشغف بالأدب لأنها فى ممارسته الطبية مع المعرفة العلمية بالطبع تصير أدوات مهمة جدا لاستبطان الدواخل النفسية للبشر والتوصل لتشخيص صحيح. وأظن هذا واضحاً جدا فى أكثر من قصة بكتابى الأخير خاصة قصة « رق الحبيب» وقصة « السِمِلات» مثلا.


منذ 22 سنة مع ولديه فى اللعبة التى ذكرها فى قصة شهيق عميق زفير مرتاح


لماذا حملت مجموعتك القصصية الأخيرة «رق الحبيب» التى تواكب صدورها مع معرض الكتاب لهذا العام، الكثير من معانى الألم والشجن، وما مدلول ذلك لديك؟

لقد اكتشفت عند إعداد قصص هذا الكتاب للنشر أنها تدور حول معانى الفقد والعزاء. فعندما أكتب لا أعرف الى أين سوف تصل بى الكتابة ولكننى فى هذه المجموعة وضح انشغالى بالمعنى الواسع للفقد، فى الصحة والحرية والعمر والحب، الى آخره، وأدركت أنه من آلام الفقد ينبع العزاء، وهى آلية تعويضية تلقائية تحرس استمرار الحياة، وإلا صرنا عدميين ننتحر بالجملة، ونتعرض كجنس للانقراض قهرا. العزاء منحة من ألطاف الله، ولطائف الأدب والفن الإنسانيين.

هل لك ان توجز لنا بعضاً من مدلولات قصص هذه المجموعة وما تحمله من مؤشرات؟

فى قصة «السملات»، مثلا، كان الحديث عن استبداد «الوسواس القهرى» الذى يمكن أن يتملك الإنسان فيفسد حياته كلها رغم حسن سريرته وروعة إمكاناته، المهم هو تحجيم هذه الوسوسة والتعايش معها، وقد قرأت أن بعض وظائف التقنيات الدقيقة ترحب بمن لديهم لمسة وسواسية، لأنهم لن يفوتوا أدنى خطأ فى عملهم. بطل «السملات» كان يخشى أن معظم البنايات غير قائمة على أسس سليمة فكان يخشى من انهيارها على رءوس الناس، كان يحب الناس، وورطه ذلك الحب فى صدام مدمر له مع الناس. مفارقة يمكن بسطها على أمور عديدة فى الحياة.

وفى قصة «حلاق سيبريا» ناقشت ضمن مسائل عديدة تناقشها القصة قضية «الحق فى الموت الطبيعى» فى المراحل المتأخرة من الأمراض العضال، وهذا مختلف تماما عما يسمى « الموت الرحيم» الذى هو انتحار بتدخل طبى لا يقره المجتمع الطبى فى معظم دول العالم. أما الحق فى الموت الطبيعى فيخص أولا وأخيرا المريض نفسه، لا أهله ولا أطباء الحالات الحرجة أو غيرهم. من حق المريض المتأخرة حالته أن يعلن بشكل مباشر أو عبر وصية رفض وضعه على جهاز التنفس الصناعى، الاختراقى خاصة، حيا شبه ميت، مخدرا ومنوما وتخترق الأنابيب قصبته الهوائية وأوردته وبلعومه، بزعم إعطائه «فرصة» أى فرصة هذه التى لاتطيل العمر ولا تعيد الصحة بل تطيل تعذيب الإنسان وإهانته فى عجزه، ولماذا يُحمِّل الطب هذه المسئولية الجسيمة لأهل المريض الذين يكونون فى أضعف حالاتهم، خاصة إذا كانوا بنات وزوجة، ويخشون أن يحرموا عزيزهم من فرصة يزعم جدواها بعض الأطباء وهم يعلمون أنها منعدمة أو شبه منعدمة. لابد أن تعود الحكمة لترافق الطب، لأن التقنيات الطبية الباذخة منحت الطب الحديث الكثير من الذكاء الميكانكى وسلبته الكثير من الحكمة الحية. الأطباء الأقدم كانوا فى مثل هذه الحالات المتأخرة يعيدون المريض إلى بيته معطين ذويه روشتة كل مابها مسكنات وملطفات لمعاناته حتى رحيله رحيلا وديعا كريما على سريره وبين أهله وأحبائه. وهذا اتجاه متصاعد النمو الآن فى الطب الغربى الحديث، أود أن أكتب عنه، وروشتة العودة إلى البيت التى كان يكتبها حكماء الطب السابقون صارت تسمى فى الطب الحكيم الحديث «باقة الراحة»! ياله من اسم جميل. أما قصة «نهود الرمل» فإنها وقفة مُروعة أمام ما حدث فى واحة «قلابشو» بالشمال الغربى للدقهلية قرب ساحل المتوسط، التى سحرتنى جوَّالا صغيرا، والتى اعتُبرت من أندر وأجمل مناطق العالم التى تتشكل فيها الكثبان على هيئة قباب بديعة يرصعها النخيل الذى « يرضع» من مياه مطر الشتاء الذى تخزنه هذه القباب بما يطابق تماما فسيولجية النهود البشرية وتشريحها لقد دمر الطمع وقصر النظر هذه الروعة، كما يدمر السرطان أجمل مافى إناث البشر، وبأغرب سرقة فى العالم: سرقة الكثبان.

لا تزال فى كتابتك تأخذ منصة الدفاع عن حقوق البيئة والحيوان والنبات والإنسان؟

مُعايشتى لكارثة تشيرنوبل نشَّطت جزءا من مكونات وجدانى الثقافى عموما، ومنه قدمت عن هذه الكارثة كتابى « غرق جزيرة الحوت»، الذى انتهيت من كتابته عام 1988 ونُشر لأول مرة عام 1993 وبشرت فيه بصعود قالب « رواية الحقيقة القصصية»التى تمزج مابين التحقيق الصحفى والسرد القصصى، قبل أن تحصل سفيتلانا أليكسفيتش على جائزة نوبل 2015 عن روايتها «صلاة تشيرنوبل» وهى بدأت جمع مادتها عام 1979 أى بعد نشر كتابى بست سنوات، وفى ظروف انفتاح مختلفة تماما عن ظروف جمعى لمادة كتابى، وقد فرحت بفوزها لأنها أكدت مابشَّرت به، فقد كانت تقنية كتابها هى بالضبط « رواية الحقيقة القصصية. لقد صار الدفاع عن سلامة البيئة جزءا من قضيتى فى الحياة، أقول فيها كلمتى وأمضى، رغم عدم تفاؤلى بما يندفع إليه بلاطجة العالم الكبار والمهيمنون فى تدمير بيئة الأرض بجشع وانتفاخ أعمى، يساعدهم على ذلك عمى الفقراء البائس فى زيادة العبء السكانى مع شح الموارد بهذا الكوكب. إنها دائرة خبيثة لعمى البصيرة تغذى نفسها باستفحال فتخل بتوازن شبكة الحياة فى « بيتنا الأرض» هذا الذى لا بديل لنا عنه مهما زعم علماء « غزو الفضاء»! لهذا أتفق مع رؤية كثير من العلماء ذوى البصيرة أن جائحة كوفيد 19، ليست إلا نتاجا لفظاظة انتهاك جنسنا، ممثلا بالسفهاء منه، لتوازن شبكة الحياة المرهف فى هذا الكوكب الأزرق الأبيض الجميل الفريد.

تمت إعادة طبع كتابك» جنوبا وشرقا» تزامنا أيضا مع معرض الكتاب. لماذا الاهتمام بالجنوب والشرق على حساب الشمال والغرب؟

مادة هذا الكتاب جاءت نتاجا للرحلات التى قمت بها وأنا أعمل محررا علميا لمجلة العربى فى الكويت التى كان المسئولون عنها يتركون لى حرية اختيار الأماكن التى أود القيام بزيارتها، فاخترت بلاد الجنوب والشرق، لرؤيتى أننا متخمون بالشمال والغرب أكثر مما ينبغى، بينما ليس كل مايأتى من الغرب يسر القلب، ولقد كنت مصيبا، فقد عثرت فى الجنوب والشرق على سحر طازج فيما تبقى من بيئة فطرية فى هذه البلدان رغم النهب الاستعمارى الغربى المسعور لها، كما أننى وجدت سوية الفطرة فى كثير من أهلها، عثرت على بعض من طفولة العالم والبكارة الأولى لجنسنا البشرى، حصلت على كنز معنوى جعلنى أفرق بين التمدين والتحضر، فليس كل ماهو متمدين متحضراً. التحضر هو سمت إنسانى يمكن أن تجده فى أشد خلق الله رقة حال. لكن المسألة ليست أبيض وأسود حاسمين، فأنا على سبيل المثال لا أحب السياسة الأمريكية التى أرى أنها وريثة للاستعمار القديم بأدوات أحدث وأساليب أخبث، لكننى فى المقابل مفتون بكثير من إبداعات الثقافة الأمريكية خاصة فى العلم التى هى وليدة حرية التعبير هناك. ومصطلح « الثقافة الثالثة» الذى أكتب مقالاتى العلمية الأدبية فى إطاره هو مصطلح أمريكى. ولأمريكا وجوه عديدة، ليتنا لا نولى تطلعنا إلا إلى الأطيب منها، لا الأخبث.

ما هى مشروعاتك المستقبلية؟

هذا السؤال يفزعنى، وعندما أجيب عنه لا أكون على يقين. فأنا كاتب لا يعرف العمل المنظم والمخطط، بل أكتب تبعا لما يتولانى من جيشان عاطفى حتى فى مقالاتى العلمية. عندى الكثير مما يمكن نشره، والكثير مما ينتظر الاكتمال، والقليل من الثقة فى منحنى المزاج والطاقة والمحيط العام. ثم إنى لا أرى الكتابة معادلة للحياة كما يتفاخر أو يتنافخ بعض الكتاب، الحياة كبيرة جدا جدا وثمينة جدا جدا « والموت جزء جليل منها ».. الكتابة مجرد ظل لعشبة فى أرض الحياة أو لعصفور طائر أو سحابة عابرة فى سمائها. فلننتظر مرور العصافير والسحب.

 


المخزنجى

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق