رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

نساء أفغانستان.. إنجازات مهددة ومصير مجهول

هدير الزهار

وصل مؤخرا أكثر من 200 مترجم أفغاني، ممن عملوا مع الجيش الأمريكي، إلى ولاية فيرجينيا الأمريكية، وذلك بعدما حصلوا على تأشيرات خاصة تقديرا لما قدموه من خدمات للقوات الأمريكية خلال فترة وجودها فى أفغانستان. وفى حين اتضحت ملامح مستقبل هؤلاء المترجمين، بفرارهم مع عائلاتهم هربا من بطش عناصر حركة طالبان ومن مصيرهم المجهول، لايزال مستقبل مئات النساء من اللواتى دعمن الجهود الدبلوماسية للولايات المتحدة وقوات الناتو خلال العقدين الماضيين، غامضا وتشوبه مخاوف عدة.

نفس المصير المجهول تواجهه آلاف النساء الناشطات فى المجتمع، من اللواتى اتخذن من الدفاع عن المرأة وحقوقها قضيتهن الرئيسية. فهؤلاء النسوة هن من خدمن المسئولين فى وزارة الخارجية الأمريكية، وعملن فى السفارة الأمريكية، ونفذن برامج المساعدات، ووقفن إلى جانب الأجانب فى بلادهن من أجل تقدم النساء ورسم مستقبل أفضل للفتيات.

وفى الوقت الحالي، ومع انسحاب القوات الأمريكية من الأراضى الأفغانية، وتوالى سقوط المدن الأفغانية على أيدى طالبان، تواجه الناشطات الافغانيات - اللواتى بلغن سن الرشد، فى العقدين اللذين أعقبا إطاحة القوات الأمريكية بطالبان فى عام 2001 - مخاطر عدة من ما قد يواجهنه من مخاطر فى المستقبل القريب.. لذا يبقى السؤال هل يبقين فى أفغانستان ويواصلن عملهن، أم يبحثن عن الأمان فى دول أخرى، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والمملكة المتحدة؟

«البقاء».. بطولة ترافقها خطورة

وقد ذكر تقرير نشر بمجلة «تايم» الأمريكية أنه بالنسبة لبعضهن الإجابة هى «البقاء.. على الأقل لأطول فترة ممكنة».. فكان هذا رد السيدة الأفغانية كاميلا صديقى عند سؤالها عن الخطوة التالية. وأشارت إلى أنه على الرغم مما تعرضت له بلادها من أهوال خلال الغزو الروسى والحرب الأهلية الأفغانية وحكم طالبان، فإنها لم تغادر وطنها أبدا، فقد كانت تسمع بأذنها أصوات الصواريخ وتراها بعينيها وهى تفتك بالمبانى وتحولها لرماد، إلا أنها أصرت على استكمال دراستها. وكان وراء تلك الإرادة أب علم بناته التسع منذ الصغر أن يعشقن وطنهن ويضعن خدمته نصب أعينهن وعلى رأس أولوياتهن.

وخلال فترة التسعينيات عندما حكمت طالبان كابول، مسقط رأسها، بقيت صديقى فى المدينة لتعمل فى الحياكة. ورغم أن لديها القدرة على مغادرة أفغانستان، فإنها قررت أن تبقى فى وطنها لتقاتل من أجل حريتها وحرية الأخريات، حيث استطاعت أن تمضى قدما فى عملها وتحقق نجاحا من خلال مشروعها الخاص، الذى وظفت به عشرات النساء ودربت المئات منهن على أساسيات العمل.

لكن فى الوقت الراهن، ومع حالة الفوضى السياسية وانعدام الأمن، فإن كل الأعمال التجارية أصبحت مهددة وتأمين الاستثمارات بات تحديا كبيرا، ومع ذلك تؤكد صديقي: «من يعيشون فى أفغانستان يحتاجون إلى الوظائف والعمل للبقاء على قيد الحياة.. وانا التزمت دائما أن أقف إلى جانب بلدى وسأظل هنا».

«الفرار».. نجاة تفتقر للسلام النفسي

على النقيض، تشعر أخريات بضرورة الفرار للخارج من أجل البقاء فى أمان، رغم أن قلوبهن معلقة بوطنهن، ومن بينهن، واظمة فروغ، التى كانت جزءا من المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية وإحدى المشاركات فى عملية إحلال السلام خلال السنوات العديدة الماضية. عملت فروغ منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادى والعشرين، كناشطة حقوقية ومدافعة عن حقوق النساء والفتيات، كما شاركت فى تأسيس منظمة دراسات المرأة والسلام، ولعبت دورا نشطا فى شبكة النساء الافغانيات. وقد منحتها وزارة الخارجية الأمريكية جائزة «المرأة الشجاعة» فى عام 2009، لدورها فى دعم الكثيرات لتخطى جميع العوائق والالتحاق بالخدمة العامة والقطاع الخاص والأوساط الأكاديمية. لكن مع تضاعف الضغوط والمخاوف فى الوقت الحالي، اضطرت فروغ لفراق أحبائها بحثا عن الأمان فى أمريكا الشمالية.

استطاعت فروغ أن تجد الأمان بعيدا عن القتال الدائر فى وطنها، لكنها باتت تفتقر للسلام النفسي، وذلك لسيطرة الشعور بالذنب الذى لا يفارقها، ففرصة الفرار التى قد اتيحت لها لم تتح لمئات بل آلاف النساء اللواتى ينتظرهن مستقبل مشئوم. ترددت فروغ كثيرا فى اتخاذ قرار النجاة بنفسها ولكنها فى النهاية شعرت أنه يتعين عليها مواصلة التحدث بالنيابة عن الآخريات لعلها تستطيع مساعدتهن. وتقول فروغ: «هناك من يرى أن دور النشطاء هو التضحية بأرواحهم ومعرفة أنه بعدها ستكون هناك «وقفة احتجاجية» بأسمائهم.. لكنى لا اريد أن أكون مجرد «وقفة».. أريد مساعدة هؤلاء النسوة بكل ما أوتيت من قوة».

العودة للمربع «صفر»

وبإلقاء نظرة على الماضى من أجل توقع ملامح مستقبل الأفغانيات إذا سيطرت حركة طالبان، فقد نشرت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية تقريرا سلط الضوء على فترة حكمها التى استمرت خمس سنوات بين عامى 1996 و 2001، حيث فرضت طالبان تفسيرها المتشدد للفقه الإسلامى على أفغانستان، وفرضت حياة العزلة على النساء والفتيات، ومنعتهن من شغل معظم الوظائف والتعليم بعد سن الثامنة. كما فرضت عليهن ارتداء البرقع والزواج القسرى والضرب، وغيره من أوجه العنف. ومنذ الإطاحة بنظام طالبان قبل عقدين من الزمان، تم إحراز تقدم فى تعليم الفتيات، عندما أتاحت المساعدات الدولية بناء المدارس والوصول الآمن للحصول على التعليم. ووفقا للأرقام الصادرة عن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية فى عام 2020، تشكل الفتيات نحو 40٪ من نحو 9 ملايين طفل ملتحقين بالمدارس فى أفغانستان، كما تقول وزارة التعليم العالى الأفغانية، إن نحو 100 ألف يدرسون فى الجامعات الحكومية والخاصة. كما نجحت النساء فى شغل واعتلاء مناصب كان لا يمكن تصور توليهن إياها فى ظل حكم طالبان.. كسياسيات، وضابطات شرطة، وصحفيات، وممثلات.

لكنهن اليوم أصبحن مستهدفات من قبل العناصر المتطرفة، التى تنظر إليهن بوصفهن متمردات ومتحديات لهم. ويلخص السير إد ديفي، زعيم الحزب الديمقراطى الليبرالى فى بريطانيا أزمة هؤلاء النساء بقوله: «مع سيطرة طالبان على مساحات شاسعة من الأراضى وتقدمها نحو كابول، تواجه ملايين النساء والفتيات احتمالية ظهور حقبة جديدة من الظلم وعدم المساواة والوحشية، حيث سيتفشى الإرهاب فى جميع أنحاء أفغانستان».

ومن ثم بدأت عدة أسئلة تطفو إلى السطح: ما هو مصير اللواتى سيخالفن قواعد طالبان ويصممن على الذهاب للمدارس والجامعات والأعمال؟ هل سيجبر الآباء على تسليم بناتهم لمقاتلى طالبان للزواج منهم؟ هل هناك فرصة لدعم العالم لهن سياسيا واقتصاديا ودبلوماسيا؟.. وغيرها من الأسئلة التى ستجيب عنها الشهور القادمة.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق