انتهت اختبارات الثانوية العامة، وباتت أكثر من نصف مليون أسرة فى انتظار نتيجة امتحانات تعكس تجربة نظام جديد أقرته الوزارة فى سياق تحويل التعليم إلى نظام رقمى جديد، وقد تابعتُ صدى الامتحانات هذا العام، والتى تضاعفت فيها الشكاوى بصورة كبيرة وبائنة ومكررة، وكانت أولى الشكاوى من طول الاختبارات وتجاوزها الوقت المحدد، فهل يعقل أن تكون أوراق اختبار اللغة العربية 27 ورقة، وأن تتجاوز النصوص الموضوعية والفكرية والقياسية، المراد الإجابة عن أفكارها نصف عدد الأوراق، وهو ما جعل الطلاب يغرقون ويتشتتون فى الربط بين أجزائها الموضوعية والفكرية لطولها وفى الإجابة عليها، والأمر نفسه قيل عن معظم الاختبارات فى القسمين العلمى والأدبى، وهو إن دلّ على شئ، فإنما يدل على افتقاد واضعى الامتحانات أبجدية الشروط العلمية والفنية والتربوية لوضع الاختبار، وهى الدقة والتركيز والوضوح وتجاوز فكرة الإطالة، بحيث يُترك للطالب الإجابة بشكل سلس ومباشر ومريح ومركز، ولكن أن تأتى الإطالة فى طبيعة تركيب السؤال، فالخطأ هنا من المصدر وليس من المتلقى .
ثانيًا: إن فكرة الاعتماد على الحل عن طريقة ورقة الإجابة المعروفة باسم (البابل شيت)، وهى الإجابة المعتمدة على مهارة الاختيار من متعدد فى كل الامتحانات، بعد تجاوز الاعتماد على (التابلت التعليمي) – وهو مشروع الوزارة – مخافة سقوط شبكات الانترنت.. أقول أن ذلك أدى إلى قتل المهارة التعليمية لدى الطالب، وضربها فى مقتل، وانتفاء درجة قياس معرفته، وإلمامه بالمنهج التعليمى، خاصة وأن شكوى طلاب هذا العام، هى من تشابه الاختيارات الموضوعة لدرجة تطابقية أدت إلى ألوان من البلبلة والتشتت والحيرة وعدم وضوح الرؤية.
ثالثا: إن فكرة قياس المعرفة والمهارة والإلمام بالمنهج والتطبيق عليه عن طريق الاختبار ذى الطبيعة الواحدة، ألا وهى (الاختيار من متعدد) فى كل اختبارات الثانوية العامة هذا العام، هى التى أخفقت فى الكشف عن طبيعة تحصيل الطالب سواء فى القسمين الأدبى أو العلمى، مثل قياس طرق التحليل والفهم والتعبير الكتابى والفكرى ومهارات التدرج فى الحل وظهور شخصية الطالب فى ورقة الإجابة، وبيان مدارك فهمه فى التعامل مع فنية الاختبار، ومع ما استوعبه عن وعى طيلة عامه الدراسى، فما بالنا بأن نظام الثانوية العامة الجديد يقيس ما استوعبه الطالب وعايشه طوال السنوات الثلاث الدراسية .
رابعًا: إذا كانت الوزارة قد رأت تجاوز الحل فى اختبارات الثانوية العامة هذا العام عن طريق التابلت، فلماذا لم تلجأ إلى الطريقة التقليدية عن طريق الأوراق الامتحانية العادية التى تقيس قدرات الطالب فى الكتابة وتكريس مهارات الفهم والقياس والخروج بالنتائج، وتدفعه إلى استخدام القلم، فى كل المواد التعليمية بدلا من قصر الاختبارات كلها فى نظام «البابل شيت» الذى لا يقيس سوى مهارة واحدة، وهى مهارة الاختيار الصحيح.
إن نظام الثانوية العامة الجديد والذى أرادته الوزارة نظامًا الكترونيًا بحتًا لم يحقق ما تصبو إليه الوزارة من تخريج جيل رقمى، وحينما استخدمت نظام ورقة (البابل شيت) لم تفد الطالب بشئ، ولم تخرج مهارات تعلمه ولا استيعابه ولا قاست شخصيته العلمية وأفقه المعرفى طوال سنواته الدراسية، وهو على مشارف الجامعة، وهذا يعنى أن الجامعات ستستقبل جيلا لازمته الحيرة العلمية، ولم يقف على نظام ثابت لا فى المناهج ولا فى قياس قدراته العلمية والمهارية والمعرفية، وهذا معناه أن الجامعات ستتحمل عبئًا إضافيًا فى تكوين الشخصية التعليمية والمعرفية للجيل الجديد، والذى سيدخل الجامعة، ولم يمسك قلمًا خلال مرحلة الثانوية العامة.
د . بهاء حسب الله
كلية الآداب ـ جامعة حلوان
رابط دائم: